جذب المستثمر الصيني إلى الكويت لن يكتب له النجاح إلا إذا أثبتت الحكومة أنها جادة في محاربة الفساد.. برأي عبد اللطيف بن نخي
زاوية الكتابكتب د. عبد اللطيف بن نخي يوليو 26, 2018, 12:01 ص 1217 مشاهدات 0
الراي
رؤية ورأي- الشطي والخضاري
د. عبد اللطيف بن نخي
أول شهادة دكتوراه مزيفة عرفت عنها، كانت للفنان القدير جاسم النبهان التي حصل عليها في مسلسل «الدكتور» الذي أنتج في 1979، حيث انه أرسل في بعثة دراسية، مع ابن عمه الفنان القدير عبدالعزيز الحداد، على نفقة زوجة عمه الفنانة القديرة حياة الفهد، إلى بريطانيا للحصول على شهادة دكتوراه باسم ابن عمه الحداد، بعد أن انتحل كل منهما شخصية الآخر في الجامعة. والأدهى والأمر أنه تبين في الحلقة الأخيرة أن شهادة الدكتوراه كانت مزيفة.
وبالرغم من كونها مجرد قصة لمسلسل تلفزيوني، إلا أنني أرى أن أحداثها وحواراتها عكست واقع المجتمع الكويتي آنذاك، ونظرته إلى شهادة الدكتوراه وما كان يسمى بواسطة الفيتامين «دال». حيث كانت بعض الأسر تسابق الزمن لكي يحصل أبناؤها على لقب دكتور.
المراد أن أزمة الشهادات الوهمية ليست وليدة اليوم، بل هي حصيلة تراكمات امتدت على مدى سنوات طويلة. فالأزمة بدأت خفية ومحدودة، ولكنها تفاقمت بسبب قرارات خاطئة في وزارة التعليم العالي منذ زمن بعيد، ثم استفحلت نتيجة لتحالفات سابقة بين بعض من حملوا لواء اصلاح التعليم العالي وبين قيادات فاسدة سالفة في الوزارة، حتى أصبح التسابق على نيل الشهادات الوهمية ظاهرة مجتمعية شملت الشاب والمشيب، الموظف والمدير، المواطن والوزير، المشرّع والمنفذ...
وبعد مرحلة الأسى واليأس، في مسيرتنا الوطنية لمكافحة الشهادات المزورة، قضيناها في نفق مظلم طويل، بدأنا أخيرا نرى ضوءا في نهاية هذا النفق. فقد شاهدنا شعاعا انبعث من الموقف الحازم لوزارة التربية من محاولات الغش في اختبارات الثانوية العامة السابقة. كما نتابع هذه الأيام ضياء ما زال يصدر من التعاون بين وزارتي التعليم العالي والداخلية، الذي نتج عنه - حتى الآن - كشف موظف فاسد اعتمد العديد من الشهادات المزورة. والأهم من كل ما سبق، هو مراقبتنا هذه الأيام بريق التحول الحكومي من أجل تحقيق رؤية كويت جديدة 2035.
فالدولة بدأت خطوات ملموسة في شأن جذب المستثمر الصيني إلى الكويت، وهي بلا شك لن يكتب لها النجاح إلا إذا أثبتت الحكومة أنها جادة في محاربة الفساد الأكاديمي وخلافه، وبرهنت أن منظومة التعليم لديها قادرة على تزويد المستثمر الصيني بعمالة وطنية مدربة ومؤهلة للعمل في المشاريع المأمولة. الشاهد أن العقيدة الحكومية تطورت، فأصبحت أكثر إيمانا بأن إصلاح التعليم ومكافحة الفساد، شرطان أساسيان لاستدامة اقتصادنا الوطني.
من جهة أخرى، اطلعت على رسائل كثيرة، نشرت عبر وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي، حول جهود ومواقف وآراء نواب حاليين وسابقين وأكاديميين ومرشحين وغيرهم، في ما يخص فضيحة الشهادات الوهمية، وهي في مجملها ايجابية لأنها على أقل تقدير تساهم في توعية المجتمع بخطورة الورم الأكاديمي الخبيث، وكذلك تحفز الحكومة على القيام بدورها في استئصال الورم.
ولكن أكثر ما لفت انتباهي بينها، كان منهجيتين للتعاطي مع الأزمة الأكاديمية: الأولى للنائب خالد الشطي حول منع تسلل المزيد من الشهادات الوهمية، والأخرى للدكتور عادل الخضاري حول الاستعداد الأمثل للتعاطي مع تبعات إلغاء تلك الشهادات.
المنهجية التي تبناها الشطي عبر توجيه عدة أسئلة برلمانية بخصوص نشاط الجهاز الوطني للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم، وأيضا من خلال تقديم اقتراحين بقانون في شأن تعديل بعض مواد المرسوم بقانون في شأن إنشاء الجهاز، هذه المنهجية تستهدف إنعاش الجهاز، وتعزيز صلاحياته، ومنحه المزيد من الاستقلالية الادارية والمالية لتتوافق ودوره المنشود، وهو إعداد وإدارة منظومة متكاملة لمنع تسلل المزيد من الشهادات الوهمية بشكل عام والمزورة بشكل خاص.
وأما الخضاري، فقد طالب من خلال رسالة نسبت إليه، باشراك إدارة الفتوى والتشريع في التعاطي مع أزمة الشهادات المزورة، ومع تبعات كشفها وإلغائها. وهو بلا شك رأي سديد، حيث إن التبعات المتوقعة لإلغاء الشهادات المزورة سوف تكون متشعبة ومتوالية، وتتطلب إعدادا مسبقا لمواقف قانونية تجاه التبعات، لا تربك المجتمع ولا مؤسسات الدولة. وإدارة الفتوى والتشريع هي الجهة المعنية بهذا الدور، وفق قانون إنشائها.
لذلك أناشد الحكومة أن تتبنى منهجيتي الشطي والخضاري، بشكل متزامن مع جهودها في كشف الشهادات المزورة، حتى لا تتجدد أزمتها الأكاديمية مستقبلا، وحتى لا تسقط في أزمات ارتدادية مدمرة، بسبب عدم استيعابها كامل البعد القانوني لأزمة الشهادات المزيفة... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».
تعليقات