مسيرة الإصلاح في البلد تعطلت يوم أن عُطِّل الدستور سنة ١٩٧٦ وسنة ١٩٨٦.. بوجهة نظر محمد المقاطع
زاوية الكتابكتب د. محمد المقاطع يوليو 23, 2018, 10:53 م 3705 مشاهدات 0
القبس
الديوانية- الوطن مسؤولية
د. محمد المقاطع
الوطن ليس نشيداً وطنياً ولا حلماً ليلياً ولا خريطة نعلقها ولا خزانة نقتسمها، الوطن هو ولاء وانتماء تتولد عنهما كل جوانب وأنواع المسؤولية، مسؤولية لا تبيع الوطن لتقبض الثمن ومسؤولية لا تغدر به وتلتف عليه، مسؤولية تدرك أنه أمانة يجب حفظها والذود عنها وتنقيتها من الفساد والشوائب والنواقص، وهو قبل ذلك وبعده مُقدَّم على كل مصلحة خاصة وعلى كل تكسُّب على حسابه، حينئذ، وحينئذ فقط، ندرك معنى الانتماء والولاء للوطن الذي من خلاله ترتقي أسمى معاني المواطنة بإخلاص له وبعمل من أجله وتضحية لبنائه وبذل لتحصينه، وجدية في التعلم والعلم والعمل والتفاني فيهما لرفعته وعزته، وتلك المواطنة هي التي ترتفع بها الأوطان وتتقدم وتنمو وتزدهر بها البلاد، فينشط المخلصون وينزوي المخذّلون، وتشحذ قدرات أصحاب الهمم ويتوارى أصحاب الرمم ومن ليست لديهم ذمم، وعندئذ يكون وارف الوطن ونتاجه خيراً وفيراً على أهل الوطن وأبنائه جميعاً دون بخس أو ظلم أو انتقاص أو انتقاء، فهل فعلاً أدركنا معنى الوطن والمواطنة في الكويت؟! أم جعلنا الوطن والمواطنة رابطة مصلحةٍ وتكسَّبٍ وآثرةٍ على حساب الوطن يجري الانقضاض عليه ونهشه كما يجري الانقضاض على الغنيمة واقتسامها؟! هل الوطن هو عطاء بلا حدود؟ أم يعيش غربة الجحود؟!
في ظل العديد من القضايا والموضوعات التي تبرز على الساحة لتتكشف من خلالها العديد من الأزمات المتنوعة في الصحة أحياناً، وفِي الاستثمارات أحياناً ثانية، وبالتعليم أحيانا ثالثة، وبحسابات متضخمة أحياناً أخرى، وفِي سرقات لمناقصات تارة وفِي التأمينات تارة أخرى، وفِي تزوير الجناسي مرة وفِي الحيازات الزراعية مرات أخرى، وفساد يزكم الأنوف في مستشفى جابر مرة، وفِي جامعة الشدادية مرة أخرى، وفي تعطُّل جهات الرقابة وعدم قدرتها على أداء دورها، بدءاً من ضعف إرادة مجلس الأمة، مروراً بتعطُّل دور ديوان المحاسبة، وتحول هيئة أسواق الأموال لمعبر للتمرير بدلاً من الرقابة وإحداث الأفضل للتغيير، وجرى إجهاض دور البنك المركزي حينما قللت فعاليته وحيل بينه وبين صلاحياته، والقائمة تطول والموضوعات تبعث على الحزن بل ويزيد معها القلق ونشعر بالغربة التي يعيشها الوطن، لأن مسيرة الإصلاح في البلد تعطلت يوم أن عُطِّل الدستور سنة ١٩٧٦ وسنة ١٩٨٦، إذ منذ ذلك اليوم فقد رُكنت القوانين وعُطلت وتجرأ على خرقها الكثير في مشرعيها ومنفذيها ومراقبيها، فتتالت الجرأة على تقويض الوطن وإفساد المواطنة وتقويض العمل الوطني، لتحل مكانها المصالح والتكسُّب على حساب الوطن، فلا غرابة أن تكون لدينا حكومة تكاد تكون بلا رؤية ولا قرار ولا رغبة في الإصلاح، ولا غرابة أن يكون لدينا مجلس أمة يتزايد يوما بعد يوم عدد أعضائه الفاسدين أو المرتشين فمن يشترِ العضوية يبع الوطن، ومن يسخر منصبه وموقعه لمصالحه فلا يُرتجَ منه خيراً ومن خربت ذمته فلا يؤتمن على ناقة حتى يؤتمن على وطن. وهي الحال التي بلغته حال الوطن اليوم، فقد غاب الحس الوطني وتلاشت المسؤولية، وما نراه اليوم هو نتاج طبيعي لتدهور أغلب مؤسسات الدولة وتآكلها من الداخل، وقلة رجال الدولة في الحكومة ومجلس الأمة، فالوطن مسؤولية، فإذا ضاعت المسؤولية فإن وضعها يصبح في مهب الريح ويكون سببا لتوالي أزماته، فالشهادات المزورة والإرادة المزورة والأحوال المؤلمة المتكررة هي نتيجة وطن يعيش غربة بين أبنائه بعد أن فرّط معظمهم بالمسؤولية. نحتاج إصلاحاً حقيقياً بإرادة والتفاف شعبيين بعد أن صار الوطن غريباً بين أبنائه.
تعليقات