الحديث عن «غزو ثقافي فارسي» مقبل من إيران يعتبره عبدالله زمان افتراء على التاريخ ونكراناً لجميل العلماء والروّاد من الأصل الفارسي

زاوية الكتاب

كتب 1139 مشاهدات 0



الراى
 عبدالله زمان / وبناءً عليه / هكذا كان الغزو الثقافي الفارسي
 

 

 
إن لفظ الفرس هو وصف للشعب الذي سكن بلاد فارس القديمة. فبلاد فارس القديمة ليست كما نعرفها بحدودها وجغرافيتها الآن. إذ كانت تمتد من المناطق الجنوبية المطلّة على الخليج العربي، صعوداً إلى ما وراء بحر الخزر (قزوين) وبحر خوارزم (آرال)، ثم عرضاً إلى اليمين وصولاً إلى منطقة كابول وضواحيها، ومنها إلى المناطق المحيطة بنهر هيلمند. هذه هي الخريطة التقريبية لبلاد فارس التي تغطي أكثر من خمس دول من التي نعرفها اليوم. ما أود أن أخلص إليه، أن وصف «فارسي» يتحقق لكل من نشأ وترعرع على تلك البقعة الجغرافية الكبيرة بآلاف الأعوام.
تنوعت العلوم في بلاد فارس بسبب إبداع سكّان تلك المدن الجميلة بمناخها، ولأهلية عقول الفرس وانفتاحهم على الشعوب المجاورة. والأمثلة على من اشتهر بعلمه في هذه البلاد هم علماء المسلمين من أبناء السنّة والجماعة. ولعلّي أذكر منهم على سبيل المثال العالم النيسابوري، وهو أبو عبدالله محمد بن عبدالله الحاكم صاحب مستدرك الصحيحين والذي ولد في منطقة نيسابور «نيشابور»، وأيضاً الترمذي وهو أبو عيسى محمد بن عيسى الضحّاك السلمي المولود بمنطقة «ترمذ» القريبة من نهر «جيحون» أعلى بحر الخزر، وآخر الأمثلة، هو الإمام النسائي الخراساني وهو أبو عبدالرحمن أحمد بن شعيب بن سنان بن دينار، المولود بإقليم خراسان القديمة والتي كانت تضم وقتها أوزبكستان التي نعرفها اليوم.
انتشرت علوم هؤلاء وغيرهم من الفرس لتتدفق على الشعوب العربية تحديداً. فقد كان العرب يتلقفون تلك العلوم من حيث تبنّي هذا الغزو الثقافي الفارسي، بل والمساعدة على نشرها دونما خجل أو وجل. والغريب أننا لم نسمع يوماً ولم يحدثنا التاريخ وقتها عن الغزو الثقافي الفارسي الذي نسمعه اليوم. فلا بد أن العالم الإسلامي كان وقتها متسامحاً ومتحاباً بين بعضهم البعض.
أمّا إيران الدولة اليوم، لا يمكن أن نطلق عليها وصف الدولة الفارسية، والسبب جداً بسيط. فخريطة إيران اليوم لا تساوي خريطة بلاد فارس نهائياً. والدولة الإيرانية الحديثة التي تأسست بحدودها تقريباً كما نراها اليوم، كان في العام 1925 حينما أخذ رضا خان الحكم لنفسه بعدما قضى على الحكم القاجاري، ليُنَصَّب شاهاً على إيران (أي ملكاً). وأثناء اندلاع الحرب العالمية الثانية، تحديداً بالعام 1941 وبعد سلسلة طويلة من السرد السياسي، قامت بريطانيا العظمى والاتحاد السوفياتي بتقسيم إيران، لتصبح كما نراها اليوم بالحدود الرسمية على الخريطة. وعلى ضوء ذلك، تم استحداث مصطلحٍ جديد بالأدب السياسي العالمي وهو (إيراني Iranian) بدلاً من (فارسي Persian) لأن فيهما اختلافا.
ومن هنا، يعتبر عنوان (الغزو الثقافي الفارسي) على تلك الروافد الثقافية والفكرية والعقائدية التي قدمت من بلاد فارس القديمة يكون أوقع وأصدق عملياً وتاريخياً. أمّا الحديث عن «غزو ثقافي فارسي» مقبل من الجمهورية الإسلامية الإيرانية فيعتبر افتراء على التاريخ من جهة، ونكراناً لجميل العلماء والروّاد من الأصل الفارسي من جهة أخرى.
ومن المفارقات التي لا يمكن أن نغفل عنها، أن النظام الشاهنشاهي الإيراني كان يستعمل رمزاً للعلو والغطرسة حينما وضع شعار الأسد التراثي الحامل لسيفه داخل علم الدولة وخَتماً رسمياً للإمبراطورية العلمانية على التيجان. بينما الجمهورية الإسلامية الإيرانية استبدلت به شهادة التوحيد «لا اله إلاّ الله». والمفارقة الثانية، فإيران في زمن الإمبراطورية العلمانية ما كان أحد ينعتها بالفارسية، لاسيما وحاكميها كانا من الجنس الآري الصرف. فلماذا تُطلق تلك النعوت على إيران اليوم ورأس السلطة الحالي كما مؤسس الجمهورية الإسلامية هما عرب أشراف متصلون نسباً بأشرف خلق الله أجمعين، مضافاً لذلك أن منهج الدولة هو الفكر الإسلامي المحمدي (العربي) أيضاً.
فعن أي غزو ثقافي يتكلم البعض؟ أرجو التوضيح...!


عبدالله زمان

الراى

تعليقات

اكتب تعليقك