في مناسبة ذكرى وفاته الخامسة والأربعين.. أحمد الديين يحاول تقييم الدور التاريخي للشيخ عبدالله السالم
زاوية الكتابكتب نوفمبر 24, 2010, 12:47 ص 677 مشاهدات 0
عبداللّه السالم... محاولة تقييم (1 من 2)
كتب احمد الديين
تمر اليوم الذكرى الخامسة والأربعون لوفاة المغفور له الشيخ عبداللّه السالم الصباح أمير الكويت الأسبق، الذي شهد عهده انطلاق مشروع بناء الدولة الكويتية الحديثة... وقد يكون من الصعب في مساحة محدودة لمقال منشور على حلقتين أن أتمكّن من تقييم الدور التاريخي لذلك الحاكم الرشيد، ولكنها محاولة وإشارات وعناوين قد يكون من المناسب استكمالها لاحقا وتعميقها بالبحث والدراسة.
فعندما تولى الشيخ عبدالله السالم الحكم بعد وفاة الشيخ أحمد الجابر في العام 1950، توافرت فرص أكثر لتحقيق بعض الإصلاحات على يد الأمير الجديد، الذي كان في العام 1921 أحد المرشحين الثلاثة لتولى مسند الإمارة، وتولى في العام 1938 رئاسة مجلسي الأمة التشريعيين الأول والثاني، والأهم أنّه شخصيا كان يمتلك قدرا من الثقافة والاطلاع وكان ميالا نحو التحديث وتحقيق شكل من المشاركة الشعبية.
فقد شهدت الكويت قبل استقلالها في السنوات العشر الأولى من حكم الشيخ عبدالله السالم تطورات كبيرة على مستويات عدة، فبفضل اتفاقية المناصفة مع الشركات النفطية زادت إيرادات الإمارة من النفط، وتنامى الإنفاق الحكومي على الخدمات العامة، التي جرى التوسع في تقديمها مجاناً للمواطنين، فتحسنت المعيشة، وجرى استحداث ما يسمى نظام “التثمين” للعقارات، في الوقت، الذي جرى فيه اتخاذ قرار حازم ضد استحواذ متنفذي الأسرة الحاكمة للأراضي الأميرية، التي كانت خارج خط التنظيم العام... وتوفرت فرص عمل كثيرة للمواطنين وغيرهم في جهاز الدولة الناشئ... وتأسست مدارس جديدة وزاد عدد الطلاب على نحو غير مسبوق، واتسع نطاق البعثات الدراسية للخارج، وجرى تنفيذ برنامج واسع لمحو الأمية... وانطلقت النخبة التجارية بدعم من الأمير لتأسيس الصروح الأساسية للاقتصاد الوطني، بدءا من تأسيس بنك الكويت الوطني في العام 1952، وهو أول مصرف كويتي، ولحقه تأسيس عدد من الشركات الكبرى بمساهمة من القطاعين الخاص والحكومي... ونقل الشيخ عبدالله السالم معظم الدخل المتأتي من الإيرادات النفطية من حسابه إلى حساب الدولة... وحدث انفراج سياسي نسبي، فتم الترخيص بإصدار نحو عشرين صحيفة ومجلة... وخلال تلك الفترة جرى إشهار عدد مماثل من الجمعيات والأندية الثقافية والرياضية، وبدأت انطلاقة الحركة الرياضية، وكذلك نواة الحركة النقابية بتأسيس “نادي العمال”، وتكوّن المسرح الكويتي، وافتتحت دور السينما... وفي العام 1951 تمت العودة إلى نظام الانتخاب لعضوية مجالس الدوائر الحكومية، وأشهرها مجالس البلدية والمعارف والأوقاف والصحة... وفي العام 1956 تأسس “المجلس الأعلى”، الذي كان يضم رؤساء الدوائر الحكومية من أفراد الأسرة الحاكمة، وهو بمثابة مجلس للوزراء... ولاحقا في العام 1958 تم تأسيس “هيئة التنظيم”، التي كانت تضم عشرة أعضاء معينين، ثلاثة منهم من أعضاء المجلس الأعلى، وهي “هيئة استشارية تبدي رأيها في القضايا المهمة للبلاد”...وشهدت الكويت في نهاية الخمسينيات تطورات بالغة الأهمية على صعيد وضع أسس بناء الدولة الكويتية الحديثة، حيث صدرت سلسلة من القوانين العصرية لتنظيم الحياة في الإمارة.
ولئن كان صحيحا أنّ ما شهدته الكويت من تطور واضح وانجازات ملموسة خلال السنوات العشر الأولى من عهد الشيخ عبداللّه السالم يعود في كثير من جوانبه إلى الموقف الإيجابي الشخصي لذلك الحاكم المستنير وتفهّمه لضرورات تحوّل الكويت من إمارة تقليدية إلى دولة حديثة، إلا أنّ هناك عوامل موضوعية أخرى كانت ذات أثر لا يمكن التقليل منه في إحداث تلك التطورات وتسريع تلك الانجازات؛ حيث يتمثّل أولها في تطلّع المجتمع الكويتي حينذاك نحو التقدم والتحديث، ويعود جزء أساسي من ذلك التطلّع إلى الدور الصاعد للبرجوازية التجارية الوطنية الناشئة والنخبة المثقفة في البلاد، اللتين كانتا تتبنيان مشروع التحدث وتدعمانه... فيما يعزى ثاني تلك العوامل إلى الظرف الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، الذي شهد انتصارات لحركات التحرر الوطني في العالم وسقوط النظام الاستعماري العالمي ونشوء الدول الحديثة، وبينها ما تحقق في المنطقة العربية... ويعود العامل الثالث إلى دور العوائد النفطية في إحداث تراكم رأسمالي كبير لدى الدولة؛ كان لا بد من إنفاقه لتأسيس البنى التحتية والخدمات العامة، وكذلك كان لا بد أيضا من إيجاد قنوات لإعادة توزيع جزء منه على المواطنين... فتضافرت العوامل الذاتية والموضوعية في تلك الفترة؛ وتحقق بفضلها ما تحقق من انجازات يسجّلها التاريخ باسم ذلك الأمير المستنير.
وللحديث صلة...
تعليقات