الملك غازي زرع دعوى ضم الكويت للعراق في نفوس سياسيي العراق، الذين زرعوها بدورهم لاحقا في نفوس شعبهم برأي زايد الزيد

زاوية الكتاب

كتب 6720 مشاهدات 0


الخلاصة
نحن والعراق.. أحلام عفى عليها الزمن (5)
زايد الزيد 
  
 
استكمالا للحديث في الجذور التاريخية للأزمة الأبدية بيننا وبين العراقيين والمتمثلة في قضية تعليق ترسيم الحدود المشتركة بيننا وبينهم، نود أن نقوم بمحاولة تحديد الجذر الأساس للمشكلة، لذا نقول انها قضية تعود إلى زمن العهد الملكي في العراق، وتحديدا بدأت مع ملكهم الثاني الملك الشاب «غازي» (1933 1939) ابن الملك فيصل الأول، وقد زرع الملك «غازي» منذ ذلك الحين، دعوى ضم الكويت للعراق في نفوس سياسيي العراق، الذين زرعوها بدورهم لاحقا في نفوس شعبهم، واستهوت هذه القضية تاليا كل النخب العراقية، ولم تتخل عنها حتى هذه اللحظة!


فحينما اعتلى الملك الشاب «غازي» العرش بعد وفاة أبيه الملك فيصل الأول في العام 1933، أطلق دعوى ضم الكويت للعراق، وهي دعوى إن نظرنا إليها في سياقها التاريخي وظرفها الزمني، وفي ظل الأحلام التي كانت تجتاح مخيلات السياسيين الجامحين آنذاك لبناء الدول القومية الكبرى، لربما تمكنا من فهم بواعثها ودواعيها، فدعوى الملك «غازي» كانت تتعايش والمد القومي الذي كان يكتسح العالم بشرقه وغربه آنذاك وليس المنطقة العربية فحسب، ولكن في تقديري أن السبب الرئيس وراء دعوى الملك غازي - مع عدم التقليل من أجواء المد القومي التي كانت تكتنف دعوته - هو أنه يجب ألا ننسى أن الملك «غازي» هو حفيد الشريف حسين بن علي ملك الحجاز الذي قاد بماعرف بـ «الثورة العربية الكبرى» في العام 1916 في تمردها على النفوذ العثماني الذي كان مسيطرا على المنطقة العربية، وكان نطاق تحرك «الثورة العربية» التي كان يقودها الشريف حسين يدور في بلاد الحجاز وبلاد الشام والعراق، ولقّب الشريف حسين بـ «ملك العرب» عندما استطاع أن ينزع الحجاز من الحكم العثماني بدعم قوي جدا من الانكليز، الذين وجدوا فيه خير شخصية عربية يمكن أن يتم استغلالها لازاحة النفوذ العثماني من المنطقة العربية، حتى يحل النفوذ الانكليزي محلها، إلا أنه بعد سقوط الدولة العثمانية فإن الانكليز لم يوفوا بوعودهم للشريف حسين بجعله ملكا على دولة عربية اسلامية كبرى تشمل الحجاز وبلاد الشام والعراق، لأسباب متعددة ليس هنا مجالها، وأود أقتبس للقارئ الكريم ديباجة الرسائل التي كانت توجه للشريف حسين من حكومة صاحبة الجلالة البريطانية، فلقد كان الانكليز يخاطبونه في رسائلهم بالتالي: «بسم الله الرحمن الرحيم : إلى ساحة ذلك المقام الرفيع ذي الحسب الطاهر والنسب الفاخر قبلة الإسلام والمسلمين معدن الشرف وطيد المحتد سلالة مهبط الوحي المحمدي الشريف بن الشريف صاحب الدولة السيد الشريف حسين بن علي أمير مكة المعظم زاده الله رفعة وعلاءً.. آمين.. »، وغرضي من هذا الاقتباس هو أن نعرف مدى أهمية شخصية الشريف حسين في ذلك الزمان، ومدى تأثر الملك غازي بهذه الأوصاف التي كانت تخلعها الأمبراطورية البريطانية التي كانت لاتغيب عنها الشمس على جده، وحتى لو تجاوزنا مسألة الأوصاف والمديح المبالغ به، فإن الانكليز وعدوا الشريف كتابة بتنصيبه زعيما على العرب من خلال رسائل مندوبهم في مصر السير «مكماهون»، فلقد جاء في احداها التالي: «إن جلالة ملكة بريطانيا العظمى ترغب باسترداد الخلافة على يد عربي حميم من فرع تلك الدوحة النبوية المباركة»، وهنا لنا أن نتصور التأثير العميق لهذا الوعد الكبير على ذرية الشريف حسين وخاصة على حفيده «الملك غازي»، وهو الملك الشاب ذو الطموح الجامح، كما أنه يجب ألا ننسى أيضا أن «الملك غازي» هو الابن الوحيد (من الذكور) للملك «فيصل الأول» الذي كان أول ملك توج على سورية، وهو أيضا أول ملك توج على العراق!

فإذا وضعنا بالاعتبار، ماكان عليه الوضع السياسي الخطير الذي كان يحظى به الشريف حسين جد الملك غازي، والوضع المهم الذي كان فيه الملك فيصل الأول والد الملك غازي، ومن ثم ضياع المجد الكبير للشريف حسين الذي كان موعودا به لتسلم عرش الدولة العربية الكبرى، وقبوله لاحقا - بتعويض جزئي عن المجد الموعود من خلال تنصيب ابنه الملك عبدالله على عرش الأردن، وتنصيب ابنه الثاني الملك فيصل الأول على عرش كل من سورية والعراق (سورية لم تدم طويلا تحت مظلة العرش الهاشمي حيث بلغت سنتين فقط)، وإذا أضفنا لكل هذا قلة خبرة الملك غازي بأمور الحكم حيث حكم العراق وهو فتى يبلغ من العمر واحدا وعشرين عاما وتوفي في عامه السابع والعشرين، واتى حكمه بعد استقلال العراق من بريطانيا وسط أجواء مناهضة الاستعمار وانتشار الدعوة للقومية العربية بشكل كاسح في المنطقة العربية، فإننا نصبح أمام ملك «صغير» يريد أن يعيد المجد الذي حلم به جده الشريف حسين في تشكيل دولة عربية كبرى، ولم يجد هذا الملك الصغير في الحقبة الزمنية التي عاش فيها سوى الكويت كجار ضعيف يبدأ من خلاله طموحه الجامح، ذلك أن جيرانه الآخرين فيما عدا الأردن الذي يقع تحت مظلة العرش الهاشمي، فإن جارته سورية طرد منها والده الملك فيصل الأول! وكانت تعيش وضعا سياسيا معقدا لايسعفه على اختراقها، وجارته السعودية دولة قوية الأركان! فلم يجد أمامه سوى جارته الكويت التي اعتبرها صغيرة ويمكن ابتلاعها بسهولة!!

وللحديث بقية..

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك