معلم العربي والصرف «الصحي».. يكتب محمد السداني
زاوية الكتابكتب محمد السداني يونيو 29, 2018, 10:52 م 1715 مشاهدات 0
الراي
سدانيات- معلم العربي والصرف «الصحي»
محمد السداني
ضحكات كنا نتبادلها أنا و اثنان من طلبتي الذين كبروا والتحقوا بأعرق الجامعات في العالم، ونحن في بلد غربي مسافرين لرحلة استكشاف وسياحة... كنا جالسين في أحد المطاعم نتبادل أحاديث عشوائية عن كل شيء مهم وغير مهم حتى وصل الحديث إلى التخصصات الأكاديمية، فسألني أحدهما، «بوعمر» ما هو تخصصك الدقيق في الجامعة؟ فأجبتهما برد طبيعي وعادي جدا وأنا في قمة ابتسامتي وفرحي: تخصصي كان في اللغة أي في النحو والصرف.
فما ان انتهيت من إجابتي حتى انفجر من الضحك، وأنا لا أعلم ما السبب الذي جعله يضحك بهذه الصورة الغريبة، خصوصا وأنه يعلم أنني معلم للغة العربية وأنني كنت أحد أساتذته يوما ما، فقال ضاحكا: وما معنى الصرف؟ وبدأ أيضا بالضحك. ففهمت أنه ربط كلمة - الصرف بـ «الصرف الصحي» وهو ما زال يضحك، فابتسمت من دون أي تعليق مني على هذا التصرف، وأنا في داخلي بركان من الغضب على هذا التصرف، وعندما انتهينا من مشاهدة احدى مباريات كأس العالم جلسنا جلسة سمر قبل النوم وبدأت تدور الأحاديث حتى وصل الدور عندي في الحديث، وأنا متأهب تأهب الأسد للانقضاض على الفريسة، فقصصت لهما إحدى القصص التي مررت بها مع أحد الطلاب في الثانوية حيث كان دور معلم «الصرف الصحي» كما تخيلوه دورا محوريا في إعادة بناء شخصية هذا الإنسان ودفعه إلى التفوق والذي أصبح الآن طالبا في كلية مرموقة متخطيا جميع الصعاب التي واجهته في دراسته وحياته.
إنني وأنا أشرح هذه القصة، لم أنو التباهي بمقام اللغة العربية التي ضاعت بضياع أهلها، وقيمتها التي اختزلت في بعض مشاهد كوميدية تعمد الإعلام العربي أن يصورها بهذه الصورة. ولم أشأ أن أبين مكانة اللغة وأهميتها وأنهم إلى الآن لا يفرقون بين الضاد والظاء، ولكنّي أردت أن أوضح صورة بسيطة وهي أنَّ المعلم مهما كانت مادته التي يدرسها، يبقى معالجا لما يشاهده من «صرف صحي» من المجتمع والمنزل والشارع، فلا يقتصر دوره على مادة أو معلومة ولكنه يتعدى ذلك إلى أبعد بكثير مما نتخيل. فالمعلم الحقيقي هو ملجأ ومدرسة وأخ و أب ومستشار، هو مجموعة من الأشخاص تعالج بعض الخلل الذي يعجز البيت عن اكتشافه، ويعدل اعوجاج السلوك الذي يكتسبه الطالب من الشارع ووسائل التواصل وغيرها.
كنت أريد أن أقول لرفيقيَّ في السفر انَّ معلِّم «الصرف الصحي» يفخر كثيرا بهذه المهنة التي كان لها الفضل بعد الله في وضع أناس كثر على سكة الطريق الصحيح، وتصويب أخطاء العديد من الطلبة والتي كادت أن تودي بحياتهم أو تزج ببعضهم إلى غياهب السجون. نحن في التعليم نتعامل مع أسوأ مما يتخيل الشابان حديثا العهد بالحياة، ولعل موقفا مضحكا مثل هذا الموقف أعطى بعضهما درسا لا أعتقد أنهما سينسيانه بسهولة ما أبقاهما الله على هذه الحياة.
خارج النص:
- والد أحد طلابي، كان كلما رآني قَبَّلني على رأسي، وكنت أحرج كثيرا من هذا التصرف، فقلت له متسائلا: يا عمي لم تقبلني على رأسي وأنا في عمر ابنك؟ فقال: أنا أقبِّل فيك رأس ابني ونجاحه وتميزه واحترامه، وبره بي وبأمه... هذا الحوار لا يمكن أن يمحى من ذاكرتي ما حييت، وأكَّد لي أن التعليم ليس مجرد وظيفة.
تعليقات