معدداً نجاحات إيران ، سامي خليفة يرى أنها نجحت إقليمياً وأصبحت قوى عالمية

زاوية الكتاب

كتب 2579 مشاهدات 0


رياح طهران.. وسفن واشنطن!

د. سامي ناصر خليفة


ما دمنا نقيس أي حدث بنتائجه، فإن إيران قد نجحت نجاحا باهراً في استثمار مؤتمر قمة عدم الانحياز لصالحها بصورة أثبتت أنها ذات خبرة سياسية كبيرة أهلتها بجدارة لقيادة هذا الصرح الأممي المهم لسنوات ثلاث قادمة. وبحسبة بسيطة نجد أن أهم أهداف إيران الإستراتيجية قد تحققت اليوم، وفي وقت قياسي لم يزد على أسبوعين كان أهمها كسر العزلة الدولية التي عانت منها في الفترة السابقة، وذلك بعد أن زحفت قيادات 120 دولة إلى عاصمتها ومعهم رئيس هيئة الأمم المتحدة بان كي مون ومهندس السياسة الأميركية في المنطقة جيفري فيلتمان، ليس للاستماع والمناقشة فقط، بل للاعتراف بالدور الإيراني القادم والتعرف على طبيعته وملامحه في ظل الظروف الدولية المضطربة، وخاصة أن إيران باتت تمثل ركيزة أساسية في محور دولي جديد بدأت تتشكل ملامحه على أعقاب الإيقاع السوري، هذا المحور الجديد الذي يشمل دولاً مؤهلة لقيادة العالم إذا ما اجتمعت في حلف واحد كالصين وروسيا والهند، وهو الهاجس الأكبر لأميركا وأوروبا معاً.
ومن نجاحات إيران نزع الشرعية الدولية لصالح برنامجها النووي من خلال إجماع عشرات الدول على تأييد حقها في التخصيب، واستخدام تلك الطاقة الحيوية للأغراض السلمية. وأيضاً نجاحها في إعادة الملف الفلسطيني للمقدمة، وإحراج الصهاينة عبر الحديث عن ضرورة زوال هذا الكيان اللاشرعي والغاصب لفلسطين المحتلة، ووضع هذا الهدف كبند أساس في إعلان طهران. بل أكثر من ذلك حين نجحت إيران في تقديم خطاب إستراتيجي يحاكي واقع الأمم والاحتياجات البشرية الأساسية، نائية بنفسها عن الخوض في تفاصيل الأزمات السياسية الواقعة هنا أو هناك، ونجحت في طرح مشروعها بمواجهة الظلم في توزيع الثروات، وهيمنة القوي على الضعيف وافتقاد العالم إلى الحوكمة العادلة وضرورة مواجهة الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان، وتلك مفردات جامعة تؤهلها لتسلم قيادة أكبر تنظيم أممي بعد الأمم المتحدة للمرحلة القادمة.
كما نجحت إيران في استغلال ظروف مصر الجديدة ورئاستها مؤتمر قمة عدم الانحياز في الفترة السابقة، لتبدي ترحيبا غير مسبوق لضيفها في طهران الرئيس محمد مرسي، منهية بذلك قطيعة امتدت طيلة فترة عمر الثورة الإسلامية في إيران، وهو باب لو فتح فإنه بالتأكيد سينعكس بشكل إيجابي على الأمن السياسي والاستقرار الاقتصادي ليس لشعبيهما فقط، بل وحتى لشعوب المنطقة بشكل عام، يساعد في ذلك دفع إيران لعلاقة شراكة إستراتيجية حقيقية مع العراق الجديد الذي يرأس قمة الجامعة العربية لهذا العام، ما يجعل هناك تناغما طبيعيا في تفعيل المواقف والأهداف المشتركة بين القمتين.
إيران نجحت أيضاً في تعزيز شعور مغاير لما أراد الغرب أن يصم إيران به، فكانت الرسالة واضحة للجميع مفادها «قل ما شئت وعبر عن رأيك ومواقفك كيفما تريد.. فأنت في إيران».. وهو انطباع لم تستطع وكالة الأنباء الغربية المعادية لها إخفاءه وهي ترى سعة الصدر الإيرانية أثناء مؤتمر القمة، والتعاطي البراغماتي والمرونة مع الجميع دون التنازل عن ثوابتها، واحتواء كل الآراء بنفس أبوي لافت ومبهر.
كل ذلك إضافة لما جنته إيران من تطبيع غير مسبوق مع القوى الرئيسة في المنطقة حين حضورها قمة مكة الإسلامية التي لاقت فيه ترحيبا مميزا لم تحظ به الدول الأخرى هناك، ولتجني منه اعترافا بدور إقليمي رئيسي ترجمه اقتراح مصر بتشكيل لجنة مكونة من تركيا والسعودية ومصر وإيران للمساهمة في حل القضايا الإقليمية العالقة، وعلى رأسها الأزمة الدموية في سوريا، وجنت اقتراحا من خادم الحرمين بتشكيل لجنة للتقريب بين المذاهب الإسلامية تمهيداً لخلق أرضية حوار مشترك بين كافة الأقطاب الإسلامية المختلفة بهدف توحيدها.
كل ذلك أدى بالضرورة إلى اعتراف إقليمي كامل بالدور الإيراني في المنطقة.
باختصار يمكن القول إن إيران هي الرابح الأكبر مما يجري اليوم من تجاذبات سياسية على أرض الواقع، حين استطاعت بمؤتمر القمة أن تخلط الأوراق وتنسف النمط التقليدي في استهدافها من خلال تهم عفى عليها الدهر وشرب، سواء ما هو متعلق ببرنامجها النووي أو بـ «أطماعها» التوسعية، وتدخلاتها غير المشروعة في دول المنطقة، وهي ترهات كم صرفت الآلة الأميركية -الصهيونية من جهود في سبيل إبرازها، بهدف عزل إيران عن محيطها الإقليمي، فجاءت الرياح بما لا تشتهي سفن واشنطن وتل أبيب.

الآن - الكويتية

تعليقات

اكتب تعليقك