عن النظام السوري والانتصار الإيراني في العراق يكتب خيرالله خيرالله

زاوية الكتاب

كتب 893 مشاهدات 0



الراى

النظام السوري والانتصار الإيراني في العراق!


خيرالله خيرالله
اقرأ لهذا الكاتب أيضا
نظرا إلى أن ما هو مطروح يشكل مدخلا للاحاطة باللازمة المصيرية التي يعاني منها النظام السوري من كلّ جوانبها، سيكون صعبا على هذا النظام، بل سيستحيل عليه قبول مبادرة جامعة الدول العربية. فالسؤال المنطقي، الذي يطرح نفسه في المناسبة، هل يمكن لنظام ما القبول بإصلاحات، أي نوع من الإصلاحات، في حال كان يدرك أنه سيوقع بذلك شهادة وفاته؟
على الرغم من ذلك، لا يمكن إلاّ توجيه الشكر للجامعة على إقدامها على هذه الخطوة الحكيمة نظرا إلى أنها تمثّل محاولة اخيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في سورية نفسها وإيجاد مخرج لائق للنظام لعلّه يدرك قبل فوات الأوان أن عليه الاعتراف أوّلا بأنه يواجه ثورة شعبية حقيقية لا يمكن أن تنتهي إلاّ بتغيير كبير. انه تغيير من النوع التاريخي الذي ينقل سورية إلى مرحلة جديدة مختلفة كليا عن تلك التي عاشتها منذ العام 1963 تاريخ وصول «حزب البعث» إلى السلطة وصولا إلى تحوّل النظام، بشكل تدريجي، إلى تابع لعائلة واحدة مرتبط بها كلّيا ابتداء من العام 2000.
لماذا قبل النظام المبادرة العربية «من دون تحفّظ»، علما أنه يدرك أن ليس في استطاعته تنفيذ أي بند من بنودها؟ الجواب بكلّ بساطة أن ما حصل في ليبيا أخيرا كان له تاثيره النفسي في سورية. كلّ ما يمكن قوله في هذا الشأن أن هناك مخاوف سورية من تكرار للتجربة الليبية بغض النظر عن كلّ ما يصدر عن هذا المسؤول السوري أو ذاك. فخلافا لكلّ ما يقال في بعض الأوساط، هناك ارتباط تاريخي في العمق بين النظامين السوري والليبي وذلك منذ مطلع السبعينات من القرن الماضي. كان هناك دائما وجود عسكري وأمني سوري في ليبيا، خصوصا في مجال استعانة سلاح الجو الليبي بطيارين سوريين، مع ما يستتبع ذلك من وجود سوري على أرض ما كان يسمّى «الجماهيرية».
من هذا المنطلق، كان طبيعيا أن تترك الاحداث المصيرية التي شهدتها ليبيا والتي توجت بالطريقة البشعة التي قتل بها معمّر القذافي انعكاسات في أوساط الحلقة الضيقة التي تحكم سورية. بات على أفراد الحلقة الضيقة التفكير في مستقبلهم. لا شكّ أن المبادرة العربية توفر فرصة لالتقاط الأنفاس ومواجهة الواقع كما هو وليس كما يتصوره اولئك الذين يعتقدون أن في استطاعة النظام إعادة الوضع إلى طبيعته في المدن والبلدات السورية عن طريق القمع ولا شيء آخر غير القمع. كذلك، لا شكّ أن هناك في سورية من شاهد سيف الإسلام القذّافي يصيح: «طز بالمحكمة الجنائية الدولية». ولم تمض أسابيع إلا وصار سيف الإسلام يجري اتصالات غير مباشرة مع المحكمة الجنائية الدولية بحثا عن طريقة تؤمن له تسليم نفسه بموجب شروط معينة من بينها عدم احتجازه في الأراضي الليبية ومحاكمته فوقها. قد يكون على حقّ في ذلك بعدما شاهد ما حلّ بوالده وشقيقه المعتصم!
إضافة إلى العامل الليبي، ثمة سبب آخر في غاية الأهمية دفع في اتجاه قبول دمشق المبادرة العربية. هناك رهان سوري على أن الوضع في البلد، أي داخل سورية نفسها، سيتبدل كليا بمجرد انسحاب القوات الاميركية من العراق أواخر السنة الجارية نظرا إلى أن الانسحاب الاميركي سيكون له تأثيره على التوازنات الإقليمية. وهذا ما تؤمن به إيران. يظنّ النظام الإيراني أن مجرد خروج الأميركيين من العراق سيكون نقطة تحوّل في المنطقة تكرّس واقعا جديدا ونشوء قوة إقليمية مهيمنة بعد سقوط الخط الفاصل بين الثقافتين العربية والفارسية لمصلحة الأخيرة.
هل مثل هذا الرهان في محله؟ لا شكّ أن إيران ستكون قادرة على ملء الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأميركي من العراق. في النهاية كانت إيران الشريك الحقيقي للولايات المتحدة في الحرب التي شنتها إدارة بوش الابن في العام 2003 واسفرت عن اسقاط النظام العائلي- «البعثي»، غير المأسوف عليه، الذي أقامه صدّام حسين.
في نهاية السنة 2011، سيتبين أكثر من أي وقت أن هناك منتصرا وحيدا في الحرب الأميركية على العراق. اسم هذا المنتصر هو إيران. ستسعى إيران، بكلّ بساطة، إلى تاكيد أن العراق صار يدور في فلكها.
من الطبيعي إذاً، أن يفكّر النظام السوري في كيفية الاستفادة إلى أبعد حدود من انتصار حليفه الأوّل في العراق... هذا إذا كان الانتصار سيتحوّل حقيقة وستسمح الولايات المتحدة به.
ولكن ما قد يكون طبيعيا أكثر... ضرورة تفكير النظام السوري في أن مشكلته ليست مرتبطة بالتوازنات الإقليمية، بل هي في مكان آخر. بكلام أوضح، مشكلة النظام السوري هي مع الشعب السوري ولا علاقة لها بسيطرة إيران على العراق وتمددها في هذا الاتجاه أو ذاك على حساب كلّ ما هو عربي في الشرق الأوسط.
جاءت مبادرة جامعة الدول العربية، التي تدعو أوّل ما تدعو إلى وقف العنف واللجوء إلى الحوار، لمساعدة النظام السوري على إيجاد مخرج من الأزمة العميقة التي يعاني منها. أنها أزمة عائدة أوّلا وأخيرا إلى رفضه الاعتراف بأنه في مواجهة مباشرة مع أكثرية الشعب السوري. ما العمل إذا مع نظام لا يريد أن يساعد نفسه من جهة ويعتقد أن الترياق سيأتي من العراق من جهة أخرى؟ ما العمل مع نظام لا يريد أن يأخذ علما بأن جدار برلين سقط قبل اثنين وعشرين عاما بالتمام والكمال، وأن برلين الغربية هي التي انتصرت على برلين الشرقية وليس العكس!


خيرالله خيرالله

الراى

تعليقات

اكتب تعليقك