عشوائية الحكومة في الكوادر سببا لإنهيار الإقتصاد الوطني برأي عبدالله مساعد الخريف
الاقتصاد الآنسبتمبر 22, 2011, 9:12 ص 1857 مشاهدات 0
لا يختلف اثنان على أن أي موظف عامل في أي من القطاعات، سواء القطاع الحكومي أو القطاع الخاص، له من الحقوق الوظيفية ما يحقق له حالة الاستقرار والرضا الوظيفي والتي تكفلها له نصوص قانون العمل الكويتي، كما أن عليه واجبات يفترض أن يؤديها بشكل لا يتعارض مع أخلاقيات المهنة أو بما يضعه تحت طائلة المساءلة القانونية.
ونحن إذ نعيش في دولة الكويت، دولة المؤسسات والقانون ودولة الديمقراطية وحرية التعبير التي كفلها لنا الدستور الكويتي القائم على أساس العدل والمساواة وعدم التمييز بين أفراد المجتمع بالحقوق والواجبات، نرى أن الكثير من أفراد هذا المجتمع قد أساء إدراك هذا المفهوم بطريقته المثالية الصحيحة فأصبحت لغة الصراخ والتهديد والوعيد والمطالبة بكوادر وزيادات مالية مسألة تتسم بالشخصانية البحتة، وأصبحت سياسة «إشمعنا هذيله» رائجة بين ممثلي النقابات العمالية من غير الالتفات الى القضية الأهم، ألا وهي حماية الاقتصاد الوطني من الانهيار بعد أن باتت معظم ميزانية الدولة العامة مخصصة لبند الرواتب، وكل هذا جاء بمباركة حكومية نتيجة لضعف دورها في التعاطي مع هذا الملف الشائك، وافتقارها للنظرة المستقبلية في كيفية الحفاظ على مقدرات ومكتسبات هذا البلد.
ان من حق الموظفين المطالبة بالزيادة العادلة والمنصفة بشرط ان تكون تلك الزيادة شاملة ومتساوية للجميع على اساس درجات السلم الوظيفي والدرجات العلمية بغض النظر عن جهات العمل خاصة انها مستحقة في ظل التقاعس الحكومي والتجاهل الواضح في معالجة ملف الرواتب لسنوات طويلة وفي ظل ارتفاع الأسعار المصطنع بشكل عام للسلع والخدمات والمواد الاساسية والتي توفر للمواطنين سبل العيش الكريم من دون وجود رقابة أو قانون صريح يحد من تلك الزيادات التي اتى معضمها بشكل غير مبرر، وإن وجد مثل هذا القانون فأين الدور الحكومي من تطبيقه؟
كما ان التفاوت الكبير بين مؤسسات الدولة في مقدار الكوادر والزيادات المالية المقرة لكل منها ادى الى خلق حالة من الهيجان والفوضى في المطالبة برفع سقف الرواتب واستحداث مفهوم «الإضراب» الذي ادخل البلد في حالة صراع طويل مع مرض الكوادر فأصبحت سمة الجميع «أضرب تنعم»، واصبح النهج الحكومي في التعامل معها عملا بالمثل القائل «الباب اللي يجي منه الريح سده واستريح»، من دون الالتفات الى خطورة تلك الزيادات المتفاوتة وكيفية إرهاقها لميزانية الدولة.
الزيادات المالية الكبيرة والمتفاوتة بشكل ملحوظ، والتي أقرت من قبل مجلس الخدمة المدنية مؤخراً أدت وستؤدي الى ما يعرف بالتسرب الوظيفي، أي ان الموظفين سيسعون إلى الانتقال الى الوظائف ذات الامتيازات المالية الأكثر مما سينتج عنه اختلال في احتياجات سوق العمل وإيجاد شواغر لا يمكن سدها بسبب ندرة الإقبال على مثل تلك الوظائف وبالتالي ستتمركز القوى العاملة وتنحصر في مجالات معينة دون غيرها، الامر الذي سيؤثر بشكل أو بآخر على معايير الكفاءة وجودة الإنتاجية ويخلق نوعا من البطالة المقنعة.
في تقرير نشر في وكالة كونا بتاريخ 24 يناير 2011 أكد وزير المالية أنه في إطار سعي الحكومة لتحقيق مشاريع الخطة التنموية الثانية 2012-2011 (في الوقت الذي لم نر فيه الخطة الأولى أساساً) هناك توجه حكومي لزيادة دور القطاع الخاص وإشراكه في تنفيذ خطة التنمية والسيطرة على هيمنة القطاع الحكومي على النشاط الاقتصادي ومعالجة الخلل في سوق العمل، وذلك بزيادة نسبة العاملين الكويتيين في القطاع الخاص.
وبحسب ما ورد على لسان وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة السابق بأن إجمالي عدد الكويتيين (ذكور وإناث) العاملين في القطاع الخاص قد بلغ 74216 موظفا وموظفة وهذا أقل بكثير مقارنة بحوالي 365585 موظفا كويتيا في القطاع الحكومي حسب آخر إحصائية في ديسمبر من عام 2010 والصادرة من الهيئة العامة للمعلومات المدنية، نستنتج أن الحكومة عاجزة عن وضع حلول واقعية من شأنها جعل القطاع الخاص بيئة جاذبة للعمل بسبب عزوف الكثير من الكفاءات الوطنية عن العمل في القطاع الخاص وانخراطها في القطاع الحكومي نتيجة لارتفاع رواتب الوظائف الحكومية مقارنة بنظيرتها في الخاص.
لا يزال الموقف الحكومي من الزيادات المالية مبهما وغير واضح نتيجة لسوء التخطيط في وضع استراتيجيات إدارة الحالة المالية للدولة، كما أن عشوائية الحكومة في التعامل مع المطالبات المالية المستمرة للعاملين في مختلف جهات الدولة وبشكل فردي كل على حدة جعل من لغة التصعيد والإضراب لغة الخطابة الوحيدة للتفاهم، الأمر الذي أدى الى أن تكون قضية الكوادر والزيادات المالية «كقطار من غير كابح» لا يمكن السيطرة عليه.
تعليقات