في الكويت لا يوجد بدو.. كلنا حضر، ومن لا يؤمن بذلك فهو جاهل، .. وضحة جاسم المضف دفاع عن القبائل تؤكد أن عاطفتها حضرية وعقلها قبلي
زاوية الكتابكتب نوفمبر 4, 2010, 6:33 ص 3363 مشاهدات 0
عاطفتي حضرية.. وعقلي قَبَليالأحد, 11 أبريل 2010
وضحة أحمد جاسم المضف
إن اللافت للانتباه أن من يقوم بتحريك خيوط اللعبة السياسية غالبا ما يلعب على وتر المكونات الأساسية للمجتمع، ويحاول أن يجرك لملعبه ويجعلك تلعب لعبته بدلا عنه، لأنه يظن أنه الفائز بعد أن صنع مليونيرا جديدا من المال العام أتقن إدارة لعبته، فأغلب القضايا التي يتم طرحها على المسرح السياسي تكون على أساس إبراز التضادية بين الحضر والقبائل.. يتزامن هذا مع محاولة كل طرف التأكيد دوما على أفضليته.. وهذا يعتبر حقا مشروعا إن كانت هذه الأفضلية مبنية على أساس «المواطنة الحقيقية والكفاءة».. من خلال الرصد والمراقبة أستطيع أن أقول إن القبائل هي الأكثر فاعلية داخل الدولة الحديثة، وقد تكون الأكثر تأهيلا لأن تلعب دور الأحزاب السياسية في المستقبل، خصوصا أن الممارسة الديموقراطية تعتبر جزءا من الإرث السياسي القبلي منذ القدم.. فعادة ما يدعو شيخ القبيلة أبناء القبيلة إلى مجلسه للتباحث واتخاذ القرارات بصورة جماعية، وهذا ما يمكن أن نطلق عليه «البرلمان القبلي».
زارني في مكتبي بوجه متجهّم وعينين حائرتين.. بعد أن التقط أنفاسه بصعوبة بالغة بادرني بعدة أسئلة.. ارتأيت أنه من الضروري أن أنقلها محاولة تقريب وجهات النظر الحضرية والقبلية:
قال: هل الحضر هم أصحاب البلد الحقيقيون؟!
قلت: هذا الطرح نسف لقواعد ومكونات الدولة وقوانينها.
قال: هل الحضر هم الأحق بالبلاد من غيرهم؟!
قلت: مجرد عدم الإيمان بأحقية المواطنين الآخرين الذين نالوا شرف المواطنة من خلال التشريعات والقوانين التي ارتكزت عليها البلاد ربما يصل إلغاء هذا الحق إلى الخيانة الوطنية.
قال: هل بعض الحضر ينحدرون من أصول قبلية؟!
قلت: أغلب عائلات الحضر ينحدرون من أصول قبلية وليس الكل، أما الحضر الذين لا ينتمون لقبائل.. فقبيلتهم الكبرى التي يجتمعون بها مع باقي إخوانهم الكويتيين هي الكويت، فالكويت هي الحاضنة لكل أطياف المجتمع، ونعم البادية والحاضرة هي.
قال: ما الفرق بين القبائل والبدو في الكويت؟!
قلت: في الكويت لا يوجد بدو.. كلنا حضر، ومن لا يؤمن بذلك فهو جاهل، ولكن يوجد لدينا قبليون مرتبطون بالنظام القبلي الذي تنحدر منه أغلب الأصول العربية.
قال: هناك من أبناء القبائل من هم أكثر اتكالا على القبيلة من المجتمع السياسي «الدولة»؟!
قلت: منهم من يجد أن عزوته القبيلة بعد أن صُدم بوجود أغلب الأبواب موصدة بوجهه، ولم تمنح له الفرصة العادلة، لذا حاول هؤلاء استجماع قواهم واتكلوا على القبيلة.
قال: هناك من لا يؤمن بمواطنة من تم تجنيسهم حديثا؟!
قلت: عندي تحفظ على أسس ومعايير التجنيس، ولكن الدول كلها قائمة على فكرة الهجرة وتوالي المواطنة وتتابعها، وبالتالي ليس من حق الأقدم التشكيك بالجديد مادامت الدولة وثقت به ومنحته جنسيتها، بالإضافة إلى أن الكويت بلد صغير، وكلنا نعرف بعضنا، فلا نحتاج إلى هذا الفرز.
قال: الحضر متهمون بالمحافظة على مسافة بينهم وبين أبناء القبائل؟!
قلت: نعم أوافقك الرأي.. البعض منهم عنصري حتى النخاع، ولكي أكون أكثر واقعية فالبعض من الحضر يتمايزون فيما بينهم من حيث الانتساب العائلي والعرقي والمالي كذلك، ولكن على الضفة الأخرى هناك الكثير من الحضر على علاقة وطيدة مع القبائل، سواء بالمصاهرة أو الصداقة أو العمل، وأغلب الحضر يقرون بأن أبناء القبائل هم شركاء معهم في هذا الوطن، وكذلك الحضر يعرفون دور القبائل التاريخي في نشأة البلد والعكس صحيح، وإذا كان هناك طرح يزيد الفرقة بين أبناء المجتمع الكويتي، فيجب أن يتم إيقافه فورا.
قال: وصل العبث غير المسؤول بمشاعر الناس وحشدهم ضد بعضهم البعض على جميع الأصعدة إلى الخط الأحمر، ما ينذر بخطر قادم إن لم يتم تداركه؟!
قلت: قد تحدث بعض الاحتقانات السياسية هنا أو هناك، وهذا هو أقصى درجات التنافس.. ولكي أكون أكثر دقة لنقل أقصى درجات الاختلاف في وجهات النظر بين التيارات والكتل السياسية.. لكن دعني أطمئنك بأن هذا الطرح مجرد فقاعات وبيع شعارات وحرب دعاية للتكسب، فالكويتيون واعون ويصعب استمالتهم لطرف ضد الآخر.
قال: هناك الكثير يحارب الطائفية والقبلية والفئوية ويمارسها في ذات الوقت، وهذا أعلى درجات التناقض؟!
قلت: هذه كارثة الكوارث.. فلقد قلت سابقا.. البعض يجرم القبلية والطائفية والفئوية بالعلن ويمارسها بالخفاء وباقتناع منقطع النظير، وهذا بكل تأكيد يعمل على هدم العمل السياسي وتقويض أركان الدولة الحديثة بالكويت.
قال: ألاحظ أن هناك محاباة من قبل الحكومة للحضر على حساب القبائل أحيانا، والعكس صحيح؟!
قلت: الحكومة تقف على مسافة واحدة من الجميع، ولكن أحيانا تضطر للتحرك باتجاه طرف على حساب الطرف الآخر، تماشيا مع الحراك السياسي، لاأن اللعبة السياسية تحتاج إلى مثل هذا الأمر، وهذا وضع طبيعي تتطلبه مرحلة خلق التوازنات وإدارة اللعبة السياسية.
قال: يثار في الآونة الأخيرة أن الحكومة قامت بمحاولة كسب ود شيوخ القبائل عن طريق إعطائهم السلطة المطلقة في تسيير شؤون معاملات أبناء القبيلة؟!
قلت: لقد سمعت مثل هذا الكلام.. وإن ثبتت صحته، فهذا أمر خطير، فنحن دولة مؤسسات، وتفعيل دور شيوخ القبائل سيعطل الحياة المؤسسية في الدولة، ما يعني بكل تأكيد تحجيم دور نائب مجلس الأمة، وهذا أمر مرفوض لا يقره عاقل، فكسب ود شيوخ القبائل بهذه الصورة يأتي على حساب هيبة ودور ونفوذ السلطة المركزية، وسيترتب على هذا القرار آثار عميقة وخطيرة على مفهوم الدولة الحديثة.. ما سيؤدي إلى هدم أسس ومقومات دولة المؤسسات، ويعتبر كترجمة عملية لعجز الحكومة عن إدارة الدولة، فتفعيل هذا القرار وتعميمه يعتبر بمنزلة إطلاق رصاصة الرحمة على صدر هذا البلد.
قال : كيف نذيب الفوارق بين أطياف المجتمع، ونؤكد على اللحمة الكويتية؟!
قلت: عندي ثمة ما يقال إضافة لما قيل أو ما قلته سابقا بهذا الشأن.. على القيادة السياسية وضع رؤية وطنية.. وعليها أن تسعى بشكل جاد بطرح هذه الرؤية كمشروع وطني تحديثي لتصحيح وتحديث مفاهيم الوطنية وتعزيزها من جديد، وعلى أبناء الحضر والقبائل كذلك تصحيح مفاهيم المواطنة فيما بينهم وتقديم الوطن على كل شيء، والسعي الجاد للمساهمة بالاندماج الفعلي بين المكونات المجتمعية كافة، مع محاولة البحث عن صيغ توافقية تحفظ مصالح جميع مكونات المجتمع، على أن يكون معيار الأفضلية كما قلت سابقا مبنيا على أساس «المواطنة الحقيقية والكفاءة»، وأن يتعلم الجميع بشكل عملي التسامح وتفعيله بالسرعة الممكنة، وهذا لا يمنع الاختلاف فيما بيننا.. فالاختلاف سنّة وآية، بشرط ألا يخرج إلى الخلاف ومحاولة طبع الناس على قالب واحد، فكلنا مصيرنا واحد.. فنحن في الكويت ومن الكويت وإلى الكويت، وقلوبنا جميعا على بعضنا، وخير ما أستدل به .. تجربة الغزو العراقي أغسطس عام 1990التي أذهلت العالم «بعدم وجود خائن كويتي واحد».. وأجمل ما أختم به: رحم الله الراحل الشيخ صباح السالم عندما قال «أنا وربعي كلبونا جماعة.. الدين واحد والهدف أخدم الشعب».
***
المواطنة الحقيقية هي: عدم انتهاك المال العام ـ عدم تجاوز القوانين وكسرها ـ عدم قبول الرشوة بكل أنواعها ـ عدم قبول المساومات الشخصية على حساب المصلحة العامة (خاص لنواب الأمة)، عدم قفز مليونير جديد (من المال العام) فجأة على السطح بعد كل أزمة سياسية، وهناك الكثير لا مجال لحصره هنا.
***
«الكويت لمن أحبها وأخلص العمل من أجلها وأوفى بانتمائه وولائه لها» الشيخ صباح الأحمد.
تعليقات