ضاعت الطاسه

زاوية الكتاب

كتب 1403 مشاهدات 0

حجاج بوخضور

لم اجد من بين الفرقين احدا من يعرف معنى الوحدة الوطنية واستحقاقاتها حتى يتخذ موقفه السياسى مؤيدا أو معارضا للاستجواب وطارحا للثقة. وحيرنى التفاعل الذى خيم على الاجواء السياسية فى تعبئة النفوس وحشد الحشود ومن ثم تختزل المساءلة السياسية لمثل هذه القضية المقدسة فى وزارة الاعلام، وأدهشنى أمر ما كان فى المقابلة التلفزيونية مع النائبة د.معصومة المبارك فى برنامج تو الليل حينما اخفقت فى اعطاء اجابة صحيحة عن مفهوم الوحدة الوطنية وضللت مستغربا الى هذه اللحظة لأجد نفسى ملزما ان كتب عن الوحدة الوطنية من وجهة نظر الاسلام كما ذكرت فى القراَن واللغة والسياسة وبعض ما تعارف عليها نخب المفكرين القدماء والمحدثين.
ان مفهوم الوحدة الوطنية يتألف من عنصرين هما الوحدة وهى كلمة محببة الى النفس بمعنى اتحاد مجموعة من البشر في اللغة والاقتصاد والسياسة والاجتماع والثقافة والتاريخ في مكان واحد وتحت راية حكم واحدة .اما العنصر الثانى فهو كلمة الوطنية وهي تعنى حب الوطن كتعبير عن الانتماء للمجتمع والنظام السياسى فيه والتفانى في خدمته والإخلاص له تحت مظلة دولة معينة يحمل جنسيتها ويدين بالولاء إليها.
أعتبر الاسلام الوحدة الوطنية فريضة شرعية وضرورة حياتية، وفرضية الوحدة الوطنية آتية من قوله تعالى ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾  وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم : 'إنه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان'.
لغويا ورد مصطلح الوطن في لسان العرب بأنه المنـزل الذي نقيم به وموطن الإنسان ومحله، ووردت كلمة مواطن في القرآن الكريم لمعنى مشهد الحرب وملحمة العزة والتضحية لنصرة المبادئ والحق من قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ﴾.
والوحدة بمفهوم المعنى السياسي هي اتحادا بين المجموعات التي تدرك أن وحدتها تكسبها استقرار ونموا مستمرا ، وتماسكا اجتماعيا وميزات اقتصادية وسياسية ، تعزز مكانتها العالمية. وتأتى الوطنية من الوطن الذى هو مصدرا لعزة النفس، وأن قوة الوطن تكمن في السيادة والحرية ويأتي الولاء له من خلال الانسجام مع العوامل الطبيعية والاجتماعية والرابط الثقافى والتاريخى والجغرافى.
وقد تباين تعريف الوحدة الوطنية عبر التاريخ نسبيا بين المفكرين القدماء والمحدثين، نتيجة لاختلاف الثقافات والبيئة، فقد رأى أبو حامد الغزالي أن الوحدة الوطنية تتحقق من خلال الحاكم لأنه هو أساس وحدة الأمة، وأنه محور اتفاق الإدارات المتناقضة، والشهوات المتباينة المتنافرة بجمعه لها حول رأى واحد ، بسبب توقيره وتأييد الأمة له من خلال تعاقد سياسي قائما على الرضى بينهم وبينه. كما يرى عبد الرحمن الكواكبى أنها تجمع الناس على أساس قومي بغض النظر عن الاختلاف في العقائد والمذاهب الدينية.
ورأى 'ميكافيلى' أن مفهوم الوحدة الوطنية هو ارتقاء الحاكم في الدولة إلى درجة القداسة، لأنه محور الوحدة الوطنية في الدولة، وإذعان المحكومين لهذا الحاكم وخشيته من ضرورات هذه الوحدة.  وعند 'يورجن' هى الرابطة الناشئة من اندماج إرادة مشتركة بين الأفراد تثبتها حقوق وواجبات دستورية. ويرى 'ماتزينى' أن الوحدة الوطنية هي وعي المحكومين جميعا بانتمائهم للأرض التي يعيشون عليها واتحادهم وارتباطهم بها. وعند  'هارت' هي حب الإنسان لبلاده ، وولاءه للأرض التي يعيش عليها. وعند 'رسو' هى قيام عقد اجتماعي بين الشعب والنظام السياسي القائم ارتضاه عن طواعية واختيار، ليتوحد به فى إطار من مسؤولية مشتركة يطيع فيها الفرد الحكومة، معبرا عن إرادته المندمجة في الإدارة العامة، التي هي محصلة القيم والمثاليات ، وتقترن هذه الوحدة بالديمقراطية من خلال حكومة ديمقراطية يستطيع الشعب في ظلها أن يجتمع ويتحد ويتألف. وعند 'هيجل' هي طاعة القانون في إطار الحرية الممنوحة منه على أن يتوافق القانون مع منطق العدل الذي هو منطق التاريخ. وعند 'رينان' هى الاشتراك في تراث ثمين من الذكريات الماضية مع الرغبة في العيش المشترك والسعي لزيادة قيمة التراث المشترك. وعند 'انجل' هي نوع من التكامل التفاعلي المستمد من علاقات التأثير والتأثر المتبادل بين الفرد والجماعة وبين الجماعات بعضها مع البعض الآخر. وعند 'بلاك' هي البوتقة التي انصهرت فيها القوميات والجماعات الثقافية ذات اللغات المتعددة والأديان المختلفة.
أما 'غلين ويكشفن' فيراها هي ذلك الأثر الذي يحدث نتيجة أسباب معينة في المجتمع تقود إلى ترابط الشعب مع بعضه البعض فيمنع أي دعوات انفصالية في البلاد وأنه لإدامة الوحدة الوطنية لابد من معرفة الأسباب التي تؤدي إلى تدميرها، مثل انعدام الأمن وتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة والتمييز بين المواطنين، ووجود محسوبية في أجهزة الدولة، وأن تحقيق الوحدة الوطنية يتم بالتأكيد على الحريات الفردية للمواطنين.
وعلى أساس هذا التعريفات نلاحظ مما سبق أن كل المفكرين اتفقوا جميعا على أن الوحدة الوطنية هى قيم ومبادئ سامية قبل كل شيء، تُفضى بالاتفاق والوفاق على ثقافة وطنية مشتركة بإطار من التفاعل السياسي والاقتصادي والاجتماعي بين النظام السياسي والشعب تقوم على التآلف بين أبناء المجتمع على أساس من حقوق المواطنة دون تمييز لاحد على اخر ليتحقق بها التفاعل والتلاحم والتعايش السلمى والتنموى بين جميع اطياف المجتمع ليعملوا من أجل غاية واحدة، بغض النظر عن اصولهم ومعتقداتهم المختلفة وإنتماءآتهم الأيديولوجية او خلفياتهم الثقافية السياسية الفرعية أو انتمائهم الفئوية والطبقية. ووسيلة تحقيق ذلك يكون فى طاعة الشعب لامر الحاكم وتوفير الحرية والإرادة الحرة للأفراد وإقامة العدالة والمساواة لجميع فئات الشعب أمام القانون بما يحقق الامن والامان والمساواة والرفاهية الاقتصادية للفرد والمجتمع.

الآن - رأي: حجاج بوخضور

تعليقات

اكتب تعليقك