إرث الستينيات يطارد العسكري الكويتي
محليات وبرلمانالغائب الأكبر عن الانتخابات البرلمانية في الكويت
مايو 14, 2009, منتصف الليل 3583 مشاهدات 0
في صبيحة يوم الغدر الأكبر 2 أغسطس 1990م ، وفي ظل سيطرة جوية تامة من قبل الطيران العراقي على أجواء الكويت لم يتردد المقدم فهد اليوسف في قيادة المركبة التي أقلت الشيخ جابر الأحمد والشيخ سعد العبد الله و الشيخ جابر العلي الصباح رحمهم الله تعالى إلى الأراضي السعودية، وفي اليوم التالي استشهدا لمقدم طيار ضياء عبد الحميد الصايغ ،والنقيب طيار أنور أحمد الرفاعي ،والملازم أول طيار فايز عبدالله الرشيدي،وفي 1973م استشهد الملازم أول سعود فهيد عبد الله السهلي وهو يضغط الزناد على آخر طلقة في رشيشه ،ثم استشهد بعده بثواني معدودة العريف زعل رميح بتال الظفيري وهو يحاول وقف الأعداء برشاش استقلال من اقتحام الصامتة. هؤلاء رجال لم يترددوا للحظة واحدة في تقديم أرواحهم في سبيل الوطن ليبقى حراً كريماً مصاناً،فمنهم من استشهد ومنهم من لازال يخدم الكويت.
ونهرب وكأن السؤال لا يعنينا: لماذا كانوا محرومين من ممارسة مواطنتهم كاملة ؟ تطبيقا لدستور دولة الكويت الذي تضمن قانونا فيه تمييز صارخ ضد العسكريين من رجال القوات المسلحة والشرطة، حيث يوقف ممارسة حقهم في الانتخاب،و يحول دون ممارستهم هذا الحق ماداموا في الخدمة العسكرية. وفي ذلك يذهب أستاذ القانون العام في جامعة الكويت الدكتور محمد عبد المحسن المقاطع في أن منع حق الانتخاب لا يتعارض فقط مع مبدأ عمومية الانتخاب بل يتعارض أيضا مع مبدأ المساواة مع القانون إذ لا يوجد ما يبرر قانون منع العسكريين من الانتخاب.
في الوقت الذي يبتكر فيه بعض أعضاء السلطة التشريعية مجادلات زائفة،وخلال حياة نيابية انطلقت منذ عام 1962 تقدم بعض أعضاء المجلس باقتراح خجول بقانون لتوسيع قاعدة المشاركة، وكان ترتيب أولوياتهم هو رفع سن الناخب ، وإعطاء المرأة حق المشاركة ثم حق التصويت للعسكريين، وكان آخر المحطات في 17/12/2007 م حين قال مقرر لجنة الشؤون الداخلية والدفاع البرلمانية في تصريح للصحافيين عقب اجتماعها إن الحكومة رفضت مقترح حق التصويت للعسكريين مبررة ذلك بعدم تسييس الجهة العسكرية. ويقفز تساؤل يعري حياتنا البرلمانية ويدور حول مدى هشاشتها في كونها لم تستطع تجاوز الخوف من مشاركة العسكريين .
العسكر هم اختصاصيو العنف المنظم في المجتمعات البائسة ، كما يقول أصحاب الموقف المتحفظ على منحهم حق التصويت ،كما أن المؤسسة العسكرية وسيلة القهر الرئيسية للدولة. بل إن الفساد يجد بيئة حاضنة مناسبة في المؤسسات العسكرية، و خطر فساد العسكريين أشد ضررا من خطر فساد غيرهم،لأن العسكر لديهم السلاح والمكان الآمن الذي تحاك فيه الدسائس وهو محصن بالحماية القانونية والسرية .و العسكرية لا تضم إلا قليلي التعليم و الثقافة وقليلي الوعي بمعنى الحياة الديمقراطية ، والعسكر مغامرون لايمكن ضمان عدم قفزهم على السلطة لو اقتربوا منها .ولأن العسكري (متهم) بالولاء المطلق للسلطة فهوا بالضرورة في جانبها عند التصويت، وسوف يتم استخدام سلطة الضباط على العسكر لتوجيه اختياراتهم . وعليه فتصويت العسكريين يسيس هذه المؤسسة مما يجعلها نقطة تجاذب بين القوى المختلفة، ويخلق أحزاب داخل المؤسسة العسكرية التي لا زالت موحدة ويجب الحفاظ عليها موحدة.
ليس من حق العسكري التظاهر مطالبا بحق التصويت،ولو طلب عسكري من احد الأعضاء رفع الظلم عنه وعن رفاقه في السلاح، لخرج من دائرة التحريض إلى دائرة العصيان ،وإذا التزم العسكري الصمت حمل وزر النوايا وتمت مطاردته عند حضور الانتخابات والندوات ولو كمشاهد . ولتتبع الدول التي أعطت العسكر حقهم في اختيار ممثليهم، لا حاجة بنا للذهاب بعيدا إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا التي شارك رائد فضاء عسكري في الانتخابات وهو في مركبته على بعد آلاف الأميال. كما أن النموذجين التركي والإسرائيلي هما بلا شك خارج المقارنة فكل رئيس أركان للجيش الإسرائيلي هو رئيس وزراء إسرائيلي محتمل،وكل رئيس وزراء تركي يجب أن يعمد من قبل المؤسسة العسكرية العلمانية حتى ولو كان في ورع رجب طيب أردوغان . ويكفي لو اقتربنا أكثر أن ننظر إلى بلدان عربية لانتطاول عليها عندما نقول أنها تفتقد إلى الاستقرار، بل هي ذات أنظمة سياسية هشة مقارنة بالكويت ،حيث أعطت السلطة الفلسطينية، والعراق الغارق في الحروب العسكريين الحق في المشاركة في الانتخاب. وفي البحرين يملك العسكر حق التصويت رغم معارضة الكثير من القوى السياسية هناك ومنها جمعية (الوفاق) التي ترغب في منعهم. بل إن بعض النواب هناك لم يترددوا في استخدام الكويت كمثال لدعم طروحاتهم ، ومنهم النائب عبدالله العالي الذي طالب بمنع تصويت العسكريين قائلا إن ذلك هو ' ما جرى عليه العرف في بعض الدول كالكويت '.أما في الأردن فيصوت العسكريون ،لكن حزب جبهة العمل الإسلامي الأردنية تعتبر ذلك استغلال لأفراد القوات المسلحة حيث يتم حشدهم في الحافلات ويجري أمرهم بالتصويت علناً مرات عديدة في صناديق متعددة، بطريقة مكشوفة مثلما جرى في 31 يوليو 2007م .
ولا يمكن لمنصف أن يتبنى طروحات المتحفظين على حق العسكريين في التصويت خلال الانتخابات البرلمانية الكويتية . لآن في ذلك تمييز صارخ ضد فئة من فئات المجتمع ، فالتمييز Discrimination في الموسوعة يتم تصنيفه إلى ثلاث فئات،التمييز الشخصي تجاه فرد بعينه،و التمييز القانوني،أي من خلال قانون الفصل العنصري،أو قانون حرمان الزنوج من الحقوق الدستورية ،وأخيرا التمييز المؤسسي مثل نظام الطبقات الهندي وهو المثال التاريخي الصارخ على التمييز المؤسسي. وتقول الموسوعات أيضا إن التمييز غير المشروع يمكن أن يشمل التمييز بسبب اللون ، أو الدين ، أو الجنس،أو الأصل القومي،أو السن، أو الإعاقة ، أو 'الوضع العسكري' ومن الغريب أن نجد إن التمييز ضد العسكريين Military Discrimination موثق في الموسوعة بهذا الوضوح إلى جانب أنواع التمييز الأخرى .
إن رأي العسكر فيمن يشرع لهم حق أصيل جرى تقييده دون حزم لقناعة واضعيه بعدم قدرته على الصمود أمام المتغيرات ،فلا يمكن أن تكون تضحية العسكري الكبرى في سبيل وطنه ذريعة لسلبه هذا الحق،بل على النقيض من ذلك فالجزاء من جنس العمل كما تقول القاعدة الفقهية، وعليه فللعسكر حق مضاعف من قبل مجتمعاتهم، لكن ما يقابل ذلك في أرض الواقع ممارسة يندى لها الجبين، فلم يتقدم من أعضاء السلطة التشريعية احد بمشروع لصالح تصويت العسكر ناهيك عن تعطل الكثير من المشاريع التي تخصهم في لجان أعضاءها عسكريون سابقون . كما تجاهلت العسكر مؤسسات المجتمع المدني صاحبة شعارات الحرية والعدالة والمساواة،فامتشقت من أدبيات الستينيات وعصور الانقلابات كل وصف دميم،ولم تتردد في وضعهم في خانة الضد وأعداء الفكر الديمقراطي . وعلى النقيض من ذلك فطن لتضحيات العسكر الديمقراطيات العريقة، فسهلت مشاركتهم في التصويت من خلال وضع الصناديق في كل مكان يتواجدون فيه مهما كان نائيا،كما تساهلت في التوقيتات وفي زمن عد أصواتهم. فكيف نتحدث عن المساواة والعدالة دون تمييز ونحن نحرم فئة من الكويتيين من التعبير عن رأيهم بعدالة.
تعتبر المؤسسة العسكرية أقوى المؤسسات القائمة ضمن مكونات النظم السياسية، وأكثرها شعور بالغبن من جراء تغييب حق التصويت عن منتسبيها . فالدولة ترفع شعار الإصلاح بكل أطرافها بينما هو مغيب تماما في المؤسسة العسكرية، بل يمكن أن تكون دعوة الإصلاح من ضمن المحظورات فيها لصعوبة وضع خط يفرق بين النقد البناء وكشف الأسرار.فكشف القصور في المؤسسة العسكرية كما يقول خصوم الشفافية Anti-Transparency هو إضعاف للأمن الوطني وهتك لسرية منظومتنا الدفاعية،ومساعدة للعدو على معرفة نقاط ضعفنا .ولغياب العسكريين عن صناديق الاقتراع ،قامت السلطة التشريعية بإخراج العسكريين من دائرة اهتمامها فتعطل إصلاح المؤسسة العسكرية الذي يهدف إلى زيادة فعالية القوات المسلحة ولا يترجم بالضرورة على انه علامة ضعف. ففي غياب الإصلاح يتعرض ضباط القوات المسلّحة الغيورين في العديد من الدول إلي سلسلة طويلة من عمليات التصفية المعنوية. ولغياب العسكري الكويتي عن صناديق الاقتراع لم يعتمد قانون التجنيد منذ سنوات .كما لم يصدر القانون العسكري في الجيش الكويتي الذي تأسس قبل 60 عاما .
يلغي الاقتراع السري المباشر ذريعة أن السلطة قادرة على حرف بوصلة أصوات العسكريين لصالحها . ولنفي سيطرة الضباط على الجنود وقدرتهم على توجيه أصواتهم نقول إن ذلك ممكن فقط في المجتمعات ذات الفوارق الاجتماعية الكبيرة وليس في الكويت،ويحكي لنا تاريخ قريب عن قيام العديد من الجنود بالتصدي لطغيان الضباط ،بل وإحباط انقلاباتهم والكشف عنها قبل حدوثها أو المساهمة في التصدي لها. فقد وقف الجنود العراقيون مثلا ضد سلطة البعث الأولى في عام 1963م والتي عرفت باسم حركة وكيل العريف حسن سريع .
لقد ساهمت المؤسسة العسكرية في الكويت بمخرجاتها الواعية في عملية تنمية المجتمع. و في كافة إرجاء المعمورة ينهض العسكريون بدولهم للخروج بها من الأزمات، ليس وهم تحت السلاح فقط ،بل وهم رجال دولة عظام . فقد وضع ضابط المدفعية نابليون بونابرت NAPOLION PONAPART اسم فرنسا على خارطة معظم أوربا،وأدار شئون بلادة كرجل دولة من الطراز الأول . وفعل ذلك جورج واشنطن George Washington و دوايت أيزنهاور Dwight D. Eisenhower وشارل ديغول Charles de Gaulle .
وفي عالمنا العربي تدخل الضابط أحمد عرابي عام 1881م في القرن التاسع عشر في السياسة المصرية فرفع شأن بلده،وأصلح أحوالها.وعلى شاكلته ياسين الهاشمي ونوري السعيد وجميل المدفع ،بل إن حركة الضباط الأحرار المصريين، هي حركة تغيير سلمي أخذت شكل الانقلاب العسكري،وقد قادها ضابط المشاة والمعلم بالكلية الحربية جمال عبد الناصر في 23 يوليو 1952م.كما لم يكسر غطرسة خط بارليف كعسكري إلا الضابط أنور السادات ، وكسياسي محنك استرد سيناء وهي درع مصر الواقي .أما قائد سلاح الطيران السوري اللواء حافظ الأسد فإذا لم يكن رجل دولة و سياسي محنك فإن هنري كيسنجر الذي قال ذلك لا يفقه في السياسة شيء .
إن القول بأن المؤسسة العسكرية لا تضم إلا قليلي التعليم و الثقافة، وقليلي الوعي بمعنى الحياة الديمقراطية كلام ساقط .فمن يتحكم في قيادة طائرة اف-أ FA18 لا يمكن أن يكون قليل التعليم والمسئولية، ومن يقوم بصيانة الطائرات وهو يحمل شهادة في الكترونيات الطيران Avionics لا يمكن أن نصفه بقلة الوعي . وإذا كان العسكري قليل الوعي ويسهل توجيهه فماذا نقول عن ضابط الشرطة خريج كلية هاندن البريطانية الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله رجل الدولة الفذ رحمه الله .وماذا نقول عن الضابط على صباح السالم رحمه الله، وماذا عن الفريق جابر الخالد الصباح، الم يكونوا جميعا جزء فاعلا من الحياة السياسية في الكويت ؟
وفي سياق وعي العسكريين يمكننا القول دون تردد إن المؤسسة العسكرية الكويتية قد شكلت رافدا صب في قاعة عبدالله السالم بالعديد المشرعين المميزين أكثر من أية جهة أخرى . فقد دخلها من ضباط الجيش النائب أحمد الشريعان، والنائب منيزل جاسر، والنائب فايز البغيلي والنائب صالح عاشور، والنائب بدر الجيعان، والنائب محمد الخليفة ، والنائب ناصر الدويلة، والنائب علي الخلف، والنائب عبدالواحد العوضي،أما من الشرطة فقد دخل قاعة عبدالله السالم النائب جاسم القطامي والنائب عبد الكريم الجحيدلي ،والنائب سعد طامي ،والنائب فهد اللميع، والنائب عبدالسلام العصيمي. أما من الحرس الوطني فقد كان هناك النائب طلال السعيد .
لم تشهد المنطقة العربية انقلابات عسكرية منذ 15 عاما باستثناء ماجرى في موريتانيا،و هو صراع سلطة أكثر من كونه انقلاب عسكري على الديمقراطية فقد ولى عصر الانقلابات. والولاء لله والوطن ثم الأمير هو ولاء متأصل في المؤسسة العسكرية الكويتية أثبته الذي مر على الكويت إبان اجتياح القوات العراقية لها . والمؤسسة العسكرية هي صمام الأمان في الكويت ، وماينطبق على الجيوش في الدول الأخرى لاينطبق بالضرورة على المؤسسة العسكرية الكويتية،أو حتى على المؤسسة العسكرية الخليجية بصفة عامة ،فالرجال يتم انتقاءهم بعناية، والوفرة المالية ورفاهية المعيشة قادرة على تفريغ اشد الشحنات التي لم تخرج من دائرة التذمر إلى دائرة العصيان مطلقا . كما إن مصالح الدول الكبرى لن تسمح لعسكري مغامر باللعب بالنار قرب خزانات الوقود الضخمة في الخليج . وعليه فإن المؤسسة العسكرية هي أكثر الجهات حرصا على امن الوطن ولن يغير إعطاء منتسبيها حقهم في التصويت شيء من قناعاتهم، بل هي خطوة في سبيل تقديرهم وإشعارهم بأنهم جزء من صنع قرار مستقبلهم .
لقد أزيلت صفة الذكورة عن الناخب في الكويت بالمرسوم 91999م والتي عدلت المادة الأولى من قانون الانتخاب، فأفلتت المرأة من حرمان دام 47 عاما. وقد بلغ عدد الناخبات 250 ألفا في حين بلغ عدد الناخبين 161 ألفا ومائتي ناخب، في الوقت الذي لايتمتع العسكريين بحق التصويت. وهم جميعهم من الرجال، فهل لذلك التغييب غاية غير منظورة ؟ أما أنها آراء خبراء عفا عليها الزمن ؟ ولو تركنا الأمور لكل صاحب رأي لتم تجريد العسكريين حتى من حق ممارسة الحروب وإدارة المعارك والقتال، فهاهو وزير خارجية فرنسا جورج بنجامين كليمنصو Clemenceau يقول إن الحرب قضية خطيرة وجدية إلى الحد الذي لا يمكن تركها للعسكريين وحدهم .
تعليقات