حسن عباس يرى أن الطائفية موجودة منذ قدم الإسلام، ولو كان الإيرانيون «الطارئين الجدد» على الدين السبب في إذكائها فذاك يعني أن القابلية والأرضية متوافرة

زاوية الكتاب

كتب 519 مشاهدات 0





الأقليات الشيعية والأكثريات السنية
 
 د. حسن عبد الله عباس 
 
 
لابد أن يظهر بين فترة وأخرى حدث يعكر صفو الوحدة الاسلامية وقلاقل تقض مضجع التناغم الشيعي - السني. وبصراحة شديدة هذه الأحداث تزيل الغبار «الرقيق» من فوق الاحتقان الطائفي المزمن لمتشددي الفريقين. فحادثة العراق الأخيرة التي أودت بحياة العشرات من زوار العتبات المقدسة ما هي إلا واحدة من هذه الأحداث التي ستستثير حلقة جديدة لمسلسل الاقتتال والتحارب «الأخوي» الإسلامي.
يتحدث الزميل خالد عبدالله المشوح في مقاله «لا يوجد تقارب سني - شيعي» عن الدور الإيراني السلبي والفعال في تأزيم العلاقة بين السنة والشيعة، وأن الأثر الصفوي والقومي الفارسي هو السبب والامتداد الرئيسي في البعاد المستدام بين الفريقين. وهو بالمناسبة قول مكرر، والزميل الكاتب في صحيفة «الوطن» السعودية لم يأتِ بجديد لأنه أعاد ما يقوله الآلاف من أبناء الوطن العربي. ويضيف المشوح أن تاريخ تأزم العلاقة يعود إلى 400 عام ومنذ بزوغ فجر الدولة القومية الصفوية هناك.
من يستمع إلى هذا الكلام لابد له أن يستغرب إن لم يستهجن ويستنكر! فلو تفحصت الكلام جيداً لرأيته كلام إدانة للذات أكثر منه إدانة واتهاماً للغير. الجميع يكرر مقولة الإيرانيين وراء مصائب المسلمين ومرضهم الطائفي، لكن هل سأل أحدهم نفسه بيد من القوة دائماً؟ أقصد أن الطائفة السنية، وحسب ادعاءات الكتاب والمحللين والمؤرخين والإسلاميين، حسب أولئك كلهم انها الطائفة الأقرب إلى عصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم). وكذلك لو تلفت يميناً ويساراً لرأيت الطائفة السنية هي المسيطرة على الدول الإسلامية باستثناء إيران، ولحقتها العراق أخيراً. فهل يجوز أن نُحمل الإيرانيين مشكلة الطائفية؟
بمعنى أن الطائفة السنية وحسب الكُتاب وأصحاب الرأي هي الأقدم من ناحية الزمن، كما أنها الأكبر من ناحية التعداد السكاني، وتتوزع لتحتل مساحة شاسعة جغرافياً، والأنظمة السياسية كلها محكومة من قبلها، مع هذه الظروف والمزايا كلها نظل نرمي بكرة الطائفية بملعب الإيرانيين!
فهل قبل دخول الإيرانيين اللعبة الطائفية وقبل أربعمئة عام إن أردنا الدقة ووفقاً لكلام الزميل المشوح، هل الطائفية كانت معدومة وظهرت بعد ذلك؟ ألا يُكذّب التاريخ هذا القول ويذكر كيف أن الدولة الأموية والعباسية وغيرهما كالأيوبية اضطهدوا الشيعة وقتلوهم ولاحقوهم بالحديد والنار أينما وجدوا.
المحصلة أن الطائفية موجودة منذ قدم الإسلام، ولو اتفقنا على أن الإيرانيين «الطارئين الجدد» على الدين السبب في إذكائها فذاك يعني أن القابلية والأرضية متوافرة. ثم كيف يتلاعب الإيرانيون بحسبة الوحدة المزعومة لو أنها «راسخة»؟ أقصد كيف لم تترسخ الوحدة الإسلامية منذ مئات الأعوام واستطاع الإيرانيون التلاعب بها بسهولة شديدة» في الأعوام القليلة الماضية، فإما أن الايرانيين أذكياء بحدة، وإما إدعاء الوحدة الاسلامية القديمة كلام فارغ لا أصل له، ومن ثم نعتب على من بيده الأمر لِم لَم تُحصن الاسلام بالوحدة رغم الإمكانيات المتاحة؟

 

الراى

تعليقات

اكتب تعليقك