نعاني في الكويت من الإصلاحيين المتناقضين في مواقفهم في شأن القضايا الطائفية.. برأي عبد اللطيف بن نخي
زاوية الكتابكتب د. عبد اللطيف بن نخي يونيو 27, 2018, 11 م 4349 مشاهدات 0
الراي
رؤية ورأي- «الأبو لهبيّون» الجدد
د. عبد اللطيف بن نخي
كان أبو لهب وامرأته من أشّد الناس عداوة وأقذعهم لسانًا تجاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأكثرهم سعيا لتشويه دعوته ورسالته الاصلاحية. ولذلك رد القرآن على بذاءتهما وطغيانهما بسورة المسد. حيث ينقل عن ابن عباس أن النبي صعد على جبل الصفا ونادى «يا صباحاه» بعد نزول آية «وأنذر عشيرتك الأقربين». وبعد أن أقبل عليه أهل مكة، قال لهم: أرأيتم لو أخبرتكم أن العدوّ مصبحكم وممسيكم، أما كنتم تصدقوني. قالوا: بلى، قال: فإني نذير لكم من بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبًّا لك، لهذا دعوتنا جميعاً؟! فاستحق قوله تعالى «تبت يدا أبي لهب وتب» وما تبعها من آيات في سورة المسد.
تجبّر واستبداد أبي لهب لم يقتصر على تلك الواقعة، فقد كان غالبا يتبع النبي كظله، وكان يقتنص كل فرصة لإيذائه وتشويه رسالته. فعلى سبيل المثال، يروى عن طارق المحاربي أنه قال: بينما أنا بسوق ذي المجاز، إذا بشاب يقول: «يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا»، وإذا برجل خلفه يقول: يا أيّها النّاس إنّه كذّاب فلا تصدّقوه، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هو محمّد يزعم أنّه نبي، وهذا عمّه أبو لهب يزعم أنه كذّاب.
أبو لهب لم يكن استثناءً عن بقية اخوته الذين فرحوا كثيرا بمولد النبي. بل أن علاقته بالنبي كانت طيبة، وتصاهر الرجلين بزواج ابني أبي لهب عتبة وعتيبة، باثنتين من بنات النبي رقية وأم كلثوم. ولكنه تحول إلى ألد أعدائه عندما أعلن دعوته على قريش، لأنه علم أنها ستضر بعلاقته بسادة قريش، وسوف تفسد تجارته ومصالحه.
من المسلمات أن موقف أبي لهب العدائي تجاه سيد المصلحين تكرر على مر التاريخ وما زال يتكرر إلى يومنا هذا، في جزيرة العرب وفي غيرها من بقاع العالم، مع التأكيد على الاختلاف الشاسع بين النبي وبين شخوص الإصلاحيين اللاحقين والمعاصرين، وأيضا مع ملاحظة الفارق الكبير بين أبي لهب وبين غيره من المفسدين المقنعين بالإصلاح. المراد أن فجور الفاسدين ضد الاصلاحيين آفة مزمنة، اجتثاثها يتطلب ترسيخ معايير الشفافية والنزاهة في الدولة، فضلا عن توعية المجتمع. ومقالي هذا ضمن وسائل وجهود التوعية المنشودة.
من أبرز معوقات الاصلاح في الكويت، أن العديد من الشخصيات التي تنادي بالتنمية، كانوا قياديين وفشلوا في تطوير الجهات التي كانوا مسؤولين عنها. والكثير من حماة المال العام ما زالت تحوم حولهم شبهات تعدٍ على المال العام. وثلة من الذين ينادون اليوم بمحاربة الطائفية، كانوا بالأمس مستشارين لإشعال فتن طائفية هزت المجتمع وهتكت نسيجه. بل إن بينهم شخصيات تدّعي الاصلاح وتجتمع فيهم القبائح الثلاثة: فشل إداري واختلاسات مالية ودور مفصلي في افتعال أزمات طائفية.
وإلى جانب تلك النماذج الفاسدة المقنعة بالإصلاح، لدينا في الكويت إصلاحيون انتقائيون في تحركاتهم. فعلى سبيل المثال، نلاحظ الموقف الغريب - من بعض مُسيّسي الاصلاح - من إحالة لجنة حماية الأموال العامة البرلمانية، ملف اكتتاب أحد نواب مجلس الأمة في الشركة الكويتية للاستثمار، على النيابة العامة بتهمة الاستيلاء على المال العام، حيث إنهم غردوا رسائل في وسائل التواصل الاجتماعي، وكتبوا مقالات في الصحف اليومية، ضد أعضاء في اللجنة، عوضا عن استهداف النائب المتهم في القضية!
وفي وقائع مناظرة، تجدهم يهوّلون شبهات هدر أو تعدٍ على المال العام إذا متعلقة بأشخاص محددين، وفي الوقت نفسه يعتزون بنواب حمّلوا خزينة الدولة ما يزيد على المليارين دولار غرامة إلغاء صفقة «الداو كيميكال»، ويمجّدون نوابا ثبت تضخم ثرواتهم!
في الكويت، نعاني أيضا من الإصلاحيين المتناقضين في مواقفهم في شأن القضايا الطائفية. وأقصد الذين يستنكرون مطالبات نيابية بحماية حرية القيام بشعائر الأديان المصانة دستوريا، وينعتونها بالتكسب الانتخابي، وفي المقابل يتوددون إلى رموز الفتن الطائفية وشيوخها ومستشاريهم.
لا شك أن مجتمعنا اليوم يتمتع بواقع أفضل بكثير من الفترات السابقة التي استشرت فيها صور الفساد المالي والإداري، وتكرر فيها تشريع قوانين مقيدة للحريات، وتفاقمت فيها الأزمات الطائفية والفئوية. والفضل في ذلك يرجع إلى الباري - عز وجل - ومجموعة عوامل، من بينها تنامي الرشد البرلماني. ولكنني أخشى أن نعود مرة أخرى إلى الماضي المأسوي، إذا لم نكشف «الأبو لهبيّون» المتسترين بقناع الإصلاح، الذين يجب أن نجمّد أنشطتهم التضليلية ونعيد تأهيلهم... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».
تعليقات