محافظ البنك المركزي ينعي مستشاره سامي الأنبعي

زاوية الكتاب

2568 مشاهدات 0


أمام مهابة الرحيل لا تقوى الكلمات على التعبير، وأمام عظم الفقد لا تفي عبارات العزاء، وأمام قضاء الحق وقدر الملك جل جلاله لا تملك القلوب إلا أن تخشع لأمره وتسلم لمشيئته وترضى بقضائه، فتمتثل قول الله سبحانه {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون}، أرددها لفقد أخي الفاضل سامي حسين منصور الأنبعي، رحمه الله تعالى، الذي رحل عن دنيانا بالأمس، بعد أن أفنى عمره في خدمة وطنه بإخلاص عظيم، رحل بصمت مثلما عمل بصمت، وأجدني أحمل أمانة تعريف من لا يعرفه بطيب ذكره.

تزدحم في ذهني الخواطر واحتار من أي المناقب أبدأ الحديث عن رجل عرفته أقرب المعرفة، فوجدت فيه أسمى ما يتحلى به الرجال من خلق، وأرقى ما يتصفون به من صفات. تعود صلتي به إلى مرحلة كنت فيها أعد أطروحة الدكتوراه، كان مدير إدارة البحوث الاقتصادية في بنك الكويت المركزي، وكانت إدارة البحوث الاقتصادية محطة لا بد من مروري بها في بحثي، وهنالك بدأت صلتنا الوثيقة التي دامت عقدين من الزمان، وعرفت فيه مثالاً نادراً لعمق التفكير والجود بالمعلومة.

ثم قدر لي أن أزامله في بنك الكويت المركزي، فلمست منه عن قرب عطاء مخلصاً، مداده معرفة اقتصادية عميقة وخبرة مالية ثمينة، عطاء ترك آثاراً حميدة بالغة العمق في الشأن الاقتصادي المحلي والإقليمي، وإن لم يتنبه إليها الكثيرون، وساهم في ترسيخ النهج العلمي لعمل بنك الكويت المركزي حتى غدا موضع تقدير الجميع، ورأيت فيه رجلاً سخي النفس لم يوصد بابه يوماً أمام زميل يطلب مشورة أو دعماً، ولعل ذلك أثرٌ مما تركته فيه خبرة قاربت عقداً من الزمان أنفقه وهو يعلّم في جامعة الكويت، فلم تفارقه روح المعلم لحظة حتى بعد انضمامه إلى أسرة بنك الكويت المركزي عام 1994، ولغاية آخر يوم من أيام مسيرته الثرية في البنك مستشاراً اقتصادياً صائب الفكر.

كان في كل نقاش وفي كل قضية يكشف عن قدرة استثنائية على رؤية بواطن الأمور وعدم الاغترار بظواهرها، ويبين عن موهبة قل مثيلها في استشراف ما يخفيه المستقبل، فيشير ببصيرة ثاقبة وعقل راجح وذهن متقد إلى سديد الرأي.
وكان في ذلك كله مثالاً ساطعاً على إخلاص أبناء الكويت لوطنهم وحبهم لها وتفانيهم في خدمتها، لقد انتقل أبو عبدالله إلى جوار ربه تاركاً لنا ذكراً عطراً خالداً لشخصية تزيّنت بالحكمة والرشد، ندعو الله أن يتغمده برحمته ويسكنه فسيح جناته، ولئن كان قد فارقنا جسداً، فإن عبق ذكره وطيب سيرته خالدان بيننا، وهل الخلود في هذه الدنيا إلا خلود الذكر وعظمة العمل؟

يموت الخالدون بكل فج … ويستعصي على الموت الخلود
د. محمد يوسف الهاشل
محافظ بنك الكويت المركزي

تعليقات

اكتب تعليقك