الشمس والريح في زيارة وزير الدفاع الإيراني لموسكو

عربي و دولي

قراءة الأوراق الروسية من فنزويلا إلى جزيرة أبوموسى

1485 مشاهدات 0

مصطفى نجار-وزير الدفاع الإيراني

تراهنت الشمس والريح على إجبار رجل على خلع معطفه، وبدأت الرياح مرسلة العواصف والهواء الشديد لنزع معطف الرجل، والرجل متمسكاً بمعطفه،ثم جاء دور الشمس فبزغت  بضوئها وحرارتها فما أن شاهدها حتى خلع معطفه راضياً. ويوم الثلاثاء 17 فبراير 2008م التقى وزير الدفاع الإيراني مصطفى محمد نجار نظيره الروسي اناتولي سيرديوکوف في موسکو،والهدف المعلن من قبل طهران هو 'الآمل أن تقود هذه الزيارة الى مزيد من التطور في العلاقات بين البلدين في جميع المجالات بما في ذلك مجال التعاون العسكري' . و قد ذكرت مصادر صحفية روسية إن وزير الدفاع الإيراني سيسعى لإقناع روسيا بتسليم أنظمة دفاع جوي من طراز (اس- 300) التي عقدت صفقتها منذ سنوات عدة، حيث لم تقرر موسكو بعد ما إذا كانت ستسلم الأنظمة الى طهران ام لا.وقد نفت روسيا  تحت الضغوط الإسرائيلية والأميركية مرارا أنها تعتزم ان تسلم إيران هذه الأنظمة. حيث انها انظمة قادرة بكفاءتها على إسقاط المقاتلات الإسرائيلية أو الأميركية التي طالما هدد الطرفان بإرسالها لوأد المشروع النووي الإيراني .
في ظلال الأزمة الاقتصادية الراهنة،لاشك أن صناعة الأسلحة الروسية في حاجة ماسة لقيمة الصواريخ البالغة800 مليون دولار ، لكن هذه الصفقة المعلنة لن تكون  شمسا ساطعة بما فيه الكفاية لتغري الروس بتغيير موقفهم .
ماهي العروض المشمسة التي حملها الجنرال نجار إذا في ملف 'سري للغاية ' ؟

في مقاربتنا لذلك الملف ، بجدر بنا أن نبتعد عن شتاء موسكو القارس و نقوم بجولة في مياه الكاريبي الفيروزية الدافئة،في زمن لم يمض عليه اكثر من شهرين. فقد كان من أهم تبعات حرب القرم بين جورجيا وروسيا على أوسيتيا الجنوبية في الصيف الماضي، أنها قد أطلقت روح التحدي الروسية من عقالها.  ففي أول بادرة من نوعها تقوم بها روسيا منذ انتهاء الحرب الباردة أجرت مع  فنزويلا في الأول من ديسمبر2008م أول مناورات بحرية عسكرية مشتركة في المياه الإقليمية الفنزويلية  والتي لا تبعد عن سواحل فلوريدا الأميركية إلا ألف ميل تقريبا،مما يجعلها في مرمي جميع أنواع الصواريخ البحرية الموجودة على السفن الروسية. وقد شارك في المناورة المسماة  فنروس    Venrus 2008  والتي يقودها الطراد 'بيتر العظيم 'الذي يعمل بالطاقة النووية cruiser Peter the Great, والمدمرة الادميرال تشابننكو  destroyer Admiral Chabanenko  وقوات بلغت 1700 بحارا روسيا و700 بحارا من فنزويلا واستمرت لمدة ثلاثة أيام.
لقد تبرأت روسيا  طوال حقبة التسعينيات من 'تهمة الاتحاد السوفيتي' التي لطخت سمعتها لمدة سبعين عاما في مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان .وقد قاد ذلك التنكر كل من  بريجينيف الذي حطم باب المعبد وتبعه في الانقضاض عليها  الرئيس يالستين ثم ابن المؤسسة الشيوعية نفسها الرئيس بوتين ، لكن الديمقراطية على الطريقة الروسية والتي استوردت على عجل كانت كارثة على البلاد مما جعل بوتين يتراجع عن عدة أمور لعل أولها عدم جدوى الهروب من ارث الآباء الشيوعيين،ومن منطق عدم قدرته على التنصل من ديونهم فالأجدى هو استثمار تركتهم وصداقاتهم القديمة.
في فناء الولايات المتحدة الخلفي تقبع كوبا  ودول أخرى في انتظار إشارة من موسكو، لكن الورقة القوية في يد الروس حاليا هي التي تحمل صورة المتمرد الفنزويلي هيوغو شافيز Hugo Rafael Chávez الذي لم يتوقف برهة واحدة عن هجومه  المتواصل على الإدارة الأمريكية في عهد بوش المنصرم. وقد صاحب المناورة  البحرية التي ذكرنا دعم سياسي للرسالة الروسية تمثل  في مراسيم توقيع اتفاق التعاون بين بحريتي البلدين على متن سفينة حربية فنزويليه من جانب نائب قائد القوات البحرية الروسية وقائد اسطول الشمال الروسي الادميرال كورولوف وقائد العمليات في الجيش الفنزويلي الادميرال مراكيز. وفي ذلك استكمال للتعاون بين البلدين حيث وقعا عام 2005 اتفاقية عسكرية لشراء سلاح روسي  بقيمة 4.4مليار دولار ،كما تتضمن تزويد فنزويلا بأربعة وعشرين طائرة من طراز سوخوي 30 و50 طائرة عمودية و100 ألف بندقية كلاشينكوف.
ومما يظهر عزم الروس على التقرب من خاصرة الولايات المتحدة الأميركية قيام الرئيس ميدفيديف نفسه بزيارة تفقدية للقطع البحرية الروسية التي تشارك في هذه المناورات . وتأتي  زيارة الرئيس ميدفيديف في إطار التوجهات الروسية لاستعادة العلاقات التي كانت تربط دول عدة مع الاتحاد السوفييتي السابق أثناء فترة الحرب الباردة. لكن التمعن في الأمر  يستحضر ملاحظة تقليد الروس بزيارة ميدفيديف لزيارات الرؤساء الاميركان  كلينتون وبوش الأب وبوش الابن للقوات الأميركية في الصحراء الكويتية قبل كل غارة كانت تتم على نظام الطاغية صدام حسين حتى إسقاطه 2003م.ولعل من مؤشرات تأجيج التوتر بين الولايات المتحدة وجمهورية روسيا ، الأخبار التي تحدثت عن ردة الفعل الروسية المتحفظة على مواصلة روبرت غيتس لعمله وزيرا للدفاع  تحت قيادة باراك أوباما. وغيتس هو الذي كان قد شن هجوما مريرا على روسيا لاعتمادها كثيرا على سلاح الصواريخ النووية ، بينما لم تتردد وزيرة الخارجية السيدة كلينتون في وصف رئيس الحكومة فلاديمير بوتين بأنه يثير الشفقة.
 ولأن الأعمال العسكرية شكل من أشكال العلاقات الدولية، وهي آخر مراحل الدبلوماسية،ولأن المناورات شكل من أشكال الأعمال العسكرية، فقد اخذ بها الروس كما حدث في فنزويلا مؤخرا.  وعلى لائحة الأباء الشيوعيين القدماء، وجد القادة الروس الحاليين قائمة بأصدقاء روسيا ليس في فترة الحرب الباردة فحسب بل منذ مطلع القرن العشرين. كما وجدوا أن الولايات المتحدة قد أراقت الدم الأول First Blood عندما شرعت في بناء حزام من الدول والصواريخ حول روسيا الجديدة. وعليه فلم تتردد روسيا في إقامة  مناورات عسكرية مع الأصدقاء القدماء ليس في الفناء الاميركي ولكن في ملاعب عبثها في الشرق الأوسط  ، حيث جرت مناورة بحرية مع سوريا دعما لها بعد الغارة الإسرائيلية على المفاعل النووي السوري المزعوم في الصيف الماضي، وقدأشيعت أنباء عن إقامة قاعدة عسكرية روسية في ميناء طرطوس السوري ،ومن ناحية أخرى ستجري مناورات بحرية روسية هندية في المحيط الهندي في يناير 2009م.
وإذا ذكرنا سوريا وفنزويلا فلا بد من ذكر إيران كإحدى دول محور الشر في العرف الأميركي. وإذا استثنينا 30 عاما هي  فترة حكم الشاه محمد رضا بهلوي  1941م- 1977م ، نجد أن الروس يعرفون طريقهم إلى بندر عباس وأبو شهر منذ أن ظهرت سفينة خفر السواحل الروسية 'غيلياك'  في عام 1900م والتي أمر بإرسالها القيصر الروسي نيقولاي الثاني لإيجاد موطئ قدم للروس في الخليج .بل إن جميع المؤشرات تقول بقرب إقامة علاقات عسكرية قوية بين روسيا و إيران، فالمفاعلات النووية الروسية الصنع_بغض النظر عن طبيعتها السلمية او العسكرية _ والتي لم يكتمل بناءها حتى الآن،  يدير جزءا كبيرا من عملياتها علماء وموظفين روس ، هذه المجموعات والعقود تمثل الشمس التي تبحث عنها روسيا،و تبرر وجود قوة بحرية روسية قريبة منها ،كما إن فتح باب التواجد العسكري الأجنبي في الخليج العربي هو من صنع دول مجلس التعاون نفسها ،والتي شرعت الباب للتواجد من خلال القواعد والتسهيلات البحرية للبريطانيين في البحرين والأميركيين في قطر والكويت وأخيرا الفرنسيين  الذي حصلوا على قاعدة بحرية في أبوظبي .
 وكما تم في السيناريو السوري الروسي الذي انتهي في قاعدة طرطوس ،فسوف يكون هناك مناورات بحرية روسية إيرانية ضخمة يتبعها تسهيلات ثم قاعدة بحرية روسية، وهي القاعدة التي نتمنى ألا تكون في جزيرة أبو موسى الإماراتية التي لم تعلن إيران ضمها إداريا وإقامة منشآت فيها قبل أربعة أشهر إلا لتهيئة الرأي العام العالمي لإجراءات منح الروس تسهيلات فيها . ولعلنا لا نجانب الصواب في هذا التشاؤم إذا صحت قراءتنا  للتوجس الذي ظهر في ثنايا خطاب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان يوم 1 ديسمبر 2008م حين رفض 'تأييد أي خيارات تخل بالتوازن الحرج، وتعيد المنطقة إلى حقب ما زلنا نعاني من تداعياتها' ولم يكن يقصد بتلك الخيارات إلا تقريب إيران لروسيا ولم يقصد بالحقب إلا حقبة الحرب الباردة .
الشمس والريح قصة فارسية يعيد تمثيلها الجنرال نجار- وزير الدفاع الإيراني، والنهاية المنطقية تقول: إذا كان التقرب الروسي من الفناء الخلفي للولايات المتحدة قد تم بهذا الزخم رغم أن فنزويلا خاصرة أمريكا فما الذي يمنع روسيا من دخول الخليج العربي للإمساك برقبتها .

 

 

د. ظافر محمد العجمي -المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك