قرار منع مصليات العيد للمرة الاولى في الكويت جانبه الصواب.. بوجهة نظر حمد العصيدان

زاوية الكتاب

كتب 829 مشاهدات 0

د.حمد العصيدان

الراي

من زاوية أخرى- مواجهة الإرهاب... خاسرة!

د. حمد العصيدان

 

دعونا نؤكد أن الإرهاب أصبح معضلة العالم في القرن الواحد والعشرين، في ظل عجز كبرى دول العالم عن وقف العمليات الانتحارية التي تستهدف مفاصلها، كما حدث في فرنسا وبعدها بلجيكا وتركيا. فكيف يمكن التصدي لشخص يأتي من أجل أن يموت، وهنا تكمن الإشكالية، فمن يهاجم لا يضع في حسابه الخروج منتصراً، فهو يؤدي رسالته الأخيرة، وفق مفهومه «الجهادي» المنحرف، لذلك يصعب رصده أو إيقافه، على الرغم من كل الاحتياطات التي تتخذ في هذا الشأن، ودليل ذلك تفجيرات بروكسيل، وأخيرا وليس آخرا تفجيرات مطار أتاتورك في اسطنبول الأسبوع الماضي.

لذلك فإن مواجهة الإرهاب تقليديا ـ ونقصد به الوقوف في وجهه ـ غير مجدية في ظل هذا الواقع، بل يجب البحث في ما قبل وصول الانتحاري إلى موقع جريمته. وهذه مهمة غاية في الصعوبة والتعقيد تحتاج إلى أفق واسع وإدراك لمكونات العقل الإرهابي، الذي يصل به التفكير إلى درجة قتل نفسه، بعد أن يكون قد قتل أقرب المقربين إليه. وهنا يجب أن يكون العمل بعيدا عن الأسلوب المخابراتي القائم على كشف الخلايا، النائمة منها والصاحية، بل يجب الدخول في عمق القضية، في كيفية وصول الإرهابي إلى قناعة ورضا بالموت، وقتل العشرات معه في عمل انتحاري.

وهذه مسألة في غاية الحساسية والتعقيد، ويجب أن تبدأ في الإجابة عن أسئلة من مثل: أي تفكير يدفع لقتل الابن أمه، كما حدث في السعودية قبل أسبوعين؟ أو أن يقتل أخاه أو خاله الذي رباه، كما حدث من قبل؟ وما الذي يدفع شاباً من بلد ما للسفر إلى بلد آخر للقيام بعمل إرهابي وقتل الناس في أقرب الأماكن لله، ونقصد به المسجد، كما فعل القباع في مسجد الصادق العام الماضي؟ وكذلك ما هو دافع شاب هاجر من بلد إلى بلد آخر احتضنه وفتح له أبوابه ليعمل ويعيش حياة كريمة ربما لم يكن ليعيشها لو بقي في بلده، حتى يدبر ويعد تفجيرات في أهم مفاصل البلد كما حدث مع محمد عبريني في تفجيرات مطار بروكسيل؟ وماذا يريد ثلاثة أشخاص قدموا من روسيا وكازاخستان وقيرغيزستان من عملهم الإرهابي في مطار اسطنبول؟

إن القضية تستدعي البحث عن جذور هذا الفكر الإرهابي المعقد، ولاسيما أنه يرفع شعار الإسلام، في صورة تشوه حقيقة الدين الحنيف، ومقاصده الشرعية الخمسة التي يبرز في مقدمتها «حفظ النفس». فكيف استباح دعاة الفكر الجهادي المنحرف قتل النفس، وهم يعرفون ـ أو على الأقل قرأوا في كتاب الله ـ أن من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعا، وأن من قتل مسلماً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها؟

لكن الوصول إلى الجذور يبدو أصعب من المواجهة نفسها، فليس من السهل أن تعرف أن هذا الإنسان يحمل فكراً منحرفاً للجهاد، وإلا لما وصل الحال بحملة هذا الفكر إلى قتل الوالدين في أعظم صور العقوق التي يمكن أن يقع بها الإنسان. وقد تابعنا أن الأشقاء في المملكة العربية السعودية يبذلون كل جهد ممكن حتى يصلوا إلى دعاة هذا الفكر، ولكن تلك الجهود لم تأت بعظيم فائدة، لسبب أن معتنق الفكر المنحرف لن يستمع إلى من يريد نصحه، لأنه ببساطة ينظر إليه على أن خارج من الملة، وهذه الطامة الكبرى في الأمر. وحتى في الأسرة قد يفشل الوالدان في السيطرة على تفكير أحد الأبناء الذي اعتنق هذا الفكر، وتكون النتيجة، إما أن يهجر البيت ويلتحق بـ «خلايا الفكر النائمة»، أو يقدم على ارتكاب جريمة شنيعة، كما حصل الأسبوع الماضي بإقدام توأمين على قتل عائلتهما، فتمكنا من الأم التي ماتت وأصابا الأب والشقيق الثالث.

قد يسأل سائل، وما الحل في هذه المعضلة الحقيقية التي تواجه مجتمعاتنا العربية خصوصاً والعالم عموماً، مع إغلاق كل المنافذ التي يمكن من خلالها الوصول إلى نتيجة؟ نقول إن الحل أولا يبدأ من البيت، نعم من البيت، ولا سيما من الجيل الجديد الذي لم تصل إلى عقوله فيروسات الفكر المنحرف، فإذا كان بعض الشباب قد طار ولم يعد ممكناً السيطرة عليه، فلنتركه للجهات الأمنية المعنية تتحرى واقعه وواقع من يغذيه، ولنهتم بالصغار ونحصنهم من الفكر المنحرف، تماما كما نحصنهم من مرض الكوليرا وشلل الأطفال، وغيرها من التطعيمات الطبية التي ينالها الطفل في صغره. من هنا نبدأ، وبعد سنوات سنقطف ثمار عملنا بجيل نظيف من ملوثات الفكر المنحرف. أما من ركب موجة ذلك الفكر حالياً، فليس له سوى السيف يقطف رأسه قبل أن يقطف رؤوس الأبرياء في عملية انتحارية يظن من خلالها أن بينه وبين حوريات الجنة سحب الصاعق من حزامه الناسف!

نقطة أخيرة، إن قرار وزارة الداخلية بمنع مصليات العيد هذا العام للمرة الاولى في الكويت، جانبه الصواب، فنحن نعيش في أمن وأمان، والداخلية لم تدخر جهداً في الحفاظ على أمن دور العبادة، فيمكن أن يكون هناك مزيد من الحذر كم حصل العام الماضي، مع ترك الناس تؤدي عبادتها كما كانت تؤديها سابقا. ولكن إذا كانت وزارة الداخلية لديها معلومات أخرى نحن نجهلها فلها أن تتصرف وفق المصلحة الوطنية ونحن معها، وكل عام وأنتم بخير.

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك