تلميع صورة الكويت.. بالملايين!

لا يختلف اثنان على أن صور الأوطان ونقاء سمعتها من جميع الأوجه خارجيا، تكون من خلال العمل الدؤوب وتمثيل الوطن خير تمثيل داخليا وخارجيا، والبعد عن الإساءة له، على ألا يتم تصوير أي نصح من أبنائها من الداخل وكأنه إساءة كما يحاول البعض ان يفعلوا لأغراض مصلحية تخصهم، فالنقد البناء والموضوعي ضروري لتصويب الأخطاء، فالأمم الحديثة لم تنهض إلا بتعظيم قيمة النقد الذاتي وليس بمحاولة «طمطمة الفساد» من خلال تصوير جمالي مخادع لا يسمن ولا يغني من جوع، فبنهاية الأمر فإن أي محاولات تجميل مخادعة على حساب التكتم على ملفات الفساد ما هي إلا بمثابة مضيعة للجهد والمال والوقت، وإذا أردنا أن نسقط هذا الكلام على الكويت، فانه يمكننا القول - فضلاً عما سبق - ان سياسات «الطمطمة» مخالفة تماما لسياسات الحكومة المعلنة التي تتحدث فيها وخصوصاً في الآونة الأخيرة عن عزمها التقشف والترشيد، فما لبثت أن صوّبت سهامها نحو المواطنين بحملتها الممجوجة «لا تسرفوا».
فاليوم، ومع حملات الحكومة وتصريحات مسؤوليها المتتالية منذ أشهر عن التقشف وضرورة الترشيد وما ترتب عليها من إجراءات بخفض الإنفاق وقرب رفع الدعم عن السلع الخدماتية على الرغم من ادعاءاتها عدم مساس جيوب المواطنين، وعلى الرغم من غياب الشفافية بما آل إليه مصير الفوائض المليارية بالأعوام الأخيرة، تأتي الحكومة اليوم ببدعة جديدة تمثلت في رصد نحو 100 مليون دينار بدعوى تلميع صورة الكويت، ووفقا لما نشرته إحدى الصحف بالأمس حيث «ورد في مشروع خطة التنمية الجديدة أن الكويت بصدد رصد 102 مليون دينار على مدى 119 شهراً (أي بمعدل 10 ملايين دينار سنوياً) لبرامج تعزيز صورة الكويت على المستوى الدولي، ودعم الثقافة والفن والإعلام، بما يخدم الهدف الأول أي صورة الكويت»، فهل صورة الكويت تُلمع بالملايين المهدرة أم بالعمل الجاد الموضوعي والواضح والهادف؟ وهل صورة الكويت تلمع بالملايين المنثورة أم بإيقاف الملاحقات لشباب الحراك الوطني؟ وهل صورة الكويت تلمع بالملايين الضائعة أم بالسعي الجاد لرمي الفاسدين والحرامية خلف قضبان السجون؟ وهل صورة الكويت تلمع بالملايين المستباحة أم بالكشف عن مصروفات وفوائض الهيئة العامة للاستثمار؟ وهل صورة الكويت تلمع بالملايين المباحة أم بالكشف عن الميزانيات التعزيزية والإضافية والتغييرية للوزارات والجهات السيادية ومصروفاتها السرية؟
الحقيقة، أن تلميع صورة الكويت كذبة أخرى تضاف إلى كذبة خطة التنمية، فخطة التنمية التي أقرت قبل خمس سنوات مضت والتي رُصد لها نحو 37 مليار دينار، نسمع بها ولكن لم نر لها أي تمثيل وتطبيق على أرض الواقع، فعن أي خطة تنمية يتحدثون وأحوالنا من سيئ إلى أسوأ، فنحن ومازلنا بلا مستشفى عام جديد منذ ما قبل سنوات الغزو في العام 1990، مازلنا بلا جامعة جديدة فلا نملك سوى جامعة حكومية واحدة منذ ستينيات القرن الماضي وكلياتها مبعثرة، فإن كان هناك من يعتقد أن تلميع صورة الكويت سيغطي على هذا وذاك، فهو واهم أشد الوهم.