خليل حيدر: مقال شريعتمداري أحرج الشيعة العرب، ويطالب القيادة الإيرانية برفض الخطاب الاستعلائي

زاوية الكتاب

كتب 559 مشاهدات 0


البحرين.. ومقال شريعتمداري هل كان مقال رئيس تحرير صحيفة كيهان الايرانية المحافظة، حسين شريعتمداري، بأن »البحرين جزء من ايران«، مجرد بالون اختبار؟ هل كان المقال فصلا من الصراع بين الدولة والثورة، أو بين المحافظين والاصلاحيين؟ أم تراه كان رد فعل وضربة تحت الحزام ورسالة تهديد موجهة الى دول مجلس التعاون والاعلام العربي؟ ربما كان المقال كل هذا. ولكن من المؤكد انه كالكثير من الكتابات والتصريحات الايرانية الرسمية وغير الرسمية المماثلة، اساءت كثيرا الى سمعة ومكانة ايران الخليجية، والى العلاقات الخليجية والعربية ـالايرانية، ووضعت شيعة البحرين ودول الخليج، وربما العراق ولبنان، في موضع حرج للغاية! والعجيب ان مثل هذا التصرف الاعلامي البالغ السوء يأتي في مرحلة تعاني فيها ايران حصارا دوليا شاملا بسبب ملفها النووي، وتعقد الاوضاع والصراعات الطائفية في العراق ولبنان، وحملات التكفير والتشهير التي تنال الشيعة من كل صوب. قيل في تبرير نشر هذا المقال بأنه كما ذكرنا، رد على سيل المقالات العربية التي تنعت ايران بأسوأ النعوت وتهاجم مذهبها الرسمي وغير ذلك. ولكن كان بامكان الصحافة الايرانية دائما، ولا يزال، بأن ترد على كل هذه المقالات في حدود مضامينها، وان تهاجم وتنتقد ما تشاء من اوضاع واحوال دول المنطقة وبلدان العالم العربي. بل من المؤكد انها لن تنافس في هذا المجال الصحافة الخليجية والعربية.. ومواقع الانترنت والفضائيات وصحف الداخل والخارج! وقيل كذلك ان المقال لا يعبر عن وجهة نظر رسمية. ولكن هل يعقل ان ينفرد شخص في مكانة رئيس تحرير صحيفة كيهان، في منصب مستشارية »مرشد الثورة«، بأن يكتب مقالا بهذه الدرجة من الحساسية، دون ايعاز وضوء اخضر من كبار المسؤولين؟ وهل يجرؤ صحافيون ايرانيون ورؤساء تحرير آخرون من التيار الاصلاحي مثلا أو المعارضين، على اثارة مواضيع سياسية واجتماعية ومذهبية أو قانونية، أو ان يتناولوا مسائل اساسية في علاقات ايران الخارجية أو سياستها الدولية أو قضايا الاقليات، بنفس السهولة والحرية التي تناول بها السيد شريعتمداري واقع دولة البحرين العربية، كدولة مستقلة من دول مجلس التعاون، لم تصدر عنها أي اساءة لجمهورية ايران، فأثار فيها زوبعة سياسية مذهبية مؤلمة، وفتح جروحا لا مصلحة لأحد في ان تلتهب! ان السياسة الايرانية محيرة حقا في منطقة دول الخليج. فبقدر ما تتعزز مكانتها تضرب مصالحها بيدها، وبقدر ما تحاول دول مجلس التعاون ودول العالم العربي التقرب اليها تفاجئنا جميعا بخطوات وتصريحات لا تدل ابدا على انها تدرك مكانتها واهميتها كدولة كبرى بالغة الاهمية في هذه المنطقة. فقائد الثورة يقول شيئا وقائد الحرس يقول شيئا آخر، ووزير الخارجية يصرح بما هو مختلف عن الاثنين. وكان هذا مفهوما وربما متوقعا قبل عشرين سنة أو اكثر عندما انطلقت الثورة. اما اليوم فالوضع مختلف! ثم ان قادة الجمهورية الايرانية على علم وادراك عميق بتأثير ادعاء ملكية الدول المجاورة لأسباب تاريخية، وبخاصة الدول الصغيرة. ولقد عايشوا جميعا معنا تجربة الكويت مع سياسات عبدالكريم قاسم وصدام حسين، وما جرت تلك السياسات من اضرار فادحة على الشعب العراقي المنكوب، وعلى الكويت ودول الخليج والمصالح العربية برمتها. والسياسة الايرانية محيرة في منطقة الخليج بالذات من موضع آخر بصفتها، دستوريا ومذهبيا، الدولة الشيعية الوحيدة في العالم. وكثير من مسؤوليها لا يلتزمون فقط »بالدفاع عن مصالح الشيعة« بل وبسياسة »التقريب بين المذاهب« وتقليص الفوارق والاختلافات والصراعات بينها. ولا اريد ان اقول ان المراقب لا يجد آثارا واضحة لكل هذه السياسات في العراق ولبنان مثلا، بل يصطدم كذلك، بمقال يهدد البحرين بالضم والمصادرة، متجاهلا كل التجاهل آراء ومصالح وحقوق ووطنية شيعة المنطقة برمتها!! ومن قبل هذا، وقبل سنوات، كان تصريح قائد الاسطول الايراني بأنه سيغرق الخليج بالدم والنار، ثم صدر تصريح مماثل منذ فترة قريبة لا يقل خطورة.. وهكذا! لقد جاء السيد وزير الخارجية الايراني »منوجهر متكي« الى البحرين لاطفاء النار التي اشعلها السيد شريعتمداري في البلاد وتسبب في انقسام طائفي وتسييس مذهبي مؤلم لن يزول قريبا. وكانت مثل هذه الخطوة الدبلوماسية متوقعة ومفيدة لحل مشكلة كان ينبغي ألا تحدث. ولكن ما تأثير هذه الازمة على السياسة الاعلامية الايرانية؟ ومن سيعاقب السيد شريعتمداري أو يبعده عن منصبه؟ بل من يدري، فقد تتم معاقبة وزير الخارجية في لعبة توازن القوى والشد والجذب بين مختلف المراكز! لا ينبغي للقيادة الايرانية ان تسمح لمثل هذه السياسة الاستعلائية على دول المنطقة وشعوبها وتاريخها ان تهيمن على اعلامها، فثمة مصالح عريضة يمكن تطويرها في المنطقة من خلال الثروة البترولية والبشرية وغيرها. واذا كانت الجمهورية الاسلامية بصدد التأثير في العالم الاسلامي أو المساهمة في قيادته فإن هذا لا يمكن تحقيقه دون تعاون راسخ مع دول مجلس التعاون وبخاصة المملكة العربية السعودية وبالطبع مصر، بلد الازهر الشريف. اما اذا كانت ايران بصدد تطوير مواردها الصناعية والزراعية وتبحث عن اسواق لبضائعها، فإنها كذلك لن تجد مكانا وقوة شرائية افضل من دول مجلس التعاون، صاحبة العلاقة التاريخية الطويلة بها. اننا ختاما، وباختصار، لا نريد ان نقول للايرانيين كيف يديرون شؤونهم، وكيف يتجنبون المشاكل المختلفة مع دول الخليج بالذات، ولكن المؤسف حقا ان من يدفع ثمن هذه الاخطاء ليس دائما من يرتكبها!!
الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك