الشيخ يوسف القرضاوي :متمسك بإيماني أن الشيعة مبتدِعون.. ولن أبيع ديني.. وكنوز الدنيا لا تغريني أن أنافق إيران

عربي و دولي

2069 مشاهدات 0


القاهرة: (الآن) ـ
نشرت اليوم جريدة (المصري اليوم) ردا كاملا للدكتور يوسف القرضاوي تعقيبا على ردود الأفعال التى صدرت عن وكالة الأنباء الإيرانية وعدد من المراجع الشيعية بعد حواره السابق معها، أكد فيه إيمانه بأن الشيعة مبتدعون، وأن كنوز الدنيا لن تغريه لأن ينافق إيران، وقال عن الشيعة ومذهبهم: أنا لا أكفرهم، كما فعل بعض الغلاة، وأري أنهم مسلمون، ولكنهم مبتدعون.

فقد أصدر الشيخ القرضاوي ، أمس الأول، بياناً يصدُّ فيه الهجمة الشيعية الإيرانية، يوضح آراءه ويصحح ما التبس، ويثبت ما يؤمن به.. وهذا نص البيان:

شنت وكالة أنباء (مهر) الإيرانية شبه الرسمية في ١٣ من رمضان ١٤٢٩هـ الموافق ١٣ سبتمبر ٢٠٠٨م، هجوماً عنيفاً علي شخصي، تجاوزت فيه كل حد، وأسفَّت إسفافاً بالغاً لا يليق بها، بسبب ما نشرته صحيفة «المصري اليوم» من حوار معي تطرق إلي الشيعة ومذهبهم، قلت فيه: أنا لا أكفرهم، كما فعل بعض الغلاة، وأري أنهم مسلمون، ولكنهم مبتدعون.

كما حذرت من أمرين خطيرين يقع فيهما كثير من الشيعة، أولهما: سب الصحابة، والآخر: غزو المجتمع السُني بنشر المذهب الشيعي فيه. ولاسيما أن لديهم ثروة ضخمة يرصدون منها الملايين بل البلايين، وكوادر مدربة علي نشر المذهب، وليس لدي السنة أي حصانة ثقافية ضد هذا الغزو. فنحن علماء السنة لم نسلحهم بأي ثقافة واقية، لأننا نهرب عادة من الكلام في هذه القضايا، مع وعينا بها، خوفاً من إثارة الفتنة، وسعياً إلي وحدة الأمة.

هذا الكلام أثار الوكالة، فجُنَّ جنونها، وخرجت عن رشدها، وطفقت تقذفني بحجارتها عن يمين وشمال، وعلق علي موقفي العلامة آية الله محمد حسين فضل الله، فقال كلاماً غريباً دهشت له، واستغربت أن يصدر عن مثله، كما علق آية الله محمد علي تسخيري، نائبي في رئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وقال كلاماً أعجب من كلام فضل الله.

موقفي من الشيعة ومذهبهم

وأود هنا، قبل أن أرد علي ما قاله هؤلاء جميعاً، أن أبين موقفي من قضية الشيعة الإمامية ومذهبهم ومواقفهم، متحرياً الحق، ومبتغياً وجه الله، مؤمناً بأن الله أخذ الميثاق علي العلماء ليبينن للناس الحق ولا يكتمونه.

أولاً: أنا أؤمن أولاً بوحدة الأمة الإسلامية بكل فرقها وطوائفها ومذاهبها، فهي تؤمن بكتاب واحد، وبرسول واحد، وتتجه إلي قبلة واحدة. وما بين فرقها من خلاف لا يخرج فرقة منها عن كونها جزءاً من الأمة، والحديث الذي يعتمد عليه في تقسيم الفرق يجعل الجميع من الأمة «ستفترق أمتي...» إلا من انشق من هذه الفرق عن الإسلام تماماً، وبصورة قطعية.

ثانياً: هناك فرقة واحدة من الفرق الثلاث والسبعين التي جاء بها الحديث هي وحدها (الناجية)، وكل الفرق هالكة أو ضالة، وكل فرقة تعتقد في نفسها أنها الناجية، والباقي علي ضلال. ونحن أهل السنة نوقن بأننا وحدنا الفرقة الناجية، وكل الفرق الأخري وقعت في البدع والضلالات، وعلي هذا الأساس قلت عن الشيعة إنهم مبتدعون لا كفار، وهذا مُجمَع عليه بين أهل السنة، ولو لم أقل هذا لكنت متناقضاً، لأن الحق لا يتعدد، والحمد لله، فحوالي تسعة أعشار الأمة الإسلامية من أهل السنة، ومن حقهم أن يقولوا عنا ما يعتقدون فينا.

ثالثاً: إن موقفي هذا هو موقف كل عالم سُني معتدل بالنسبة إلي الشيعة الإمامية الاثناعشرية، أما غير المعتدلين فهم يصرحون بتكفيرهم، لموقفهم من القرآن، ومن السنة، ومن الصحابة، ومن تقديس الأئمة، والقول بعصمتهم، وأنهم يعلمون من الغيب ما لا يعلمه الأنبياء. وقد رددت علي الذين كفَّروهم، في كتابي (مبادئ في الحوار والتقريب).

ولكني أخالفهم في أصل مذهبهم وأري أنه غير صحيح، وهو: أن النبي صلي الله عليه وسلم أوصي لعلي بالخلافة من بعده، وأن الصحابة كتموا هذا، وخانوا رسولهم، وجحدوا علياً حقه، وأنهم تآمروا جميعاً علي ذلك. والعجب أن علياً لم يعلن ذلك علي الملأ ويقاتل عن حقه. بل بايع أبا بكر وعمر وعثمان، وكان لهم معيناً ومشيراً. فكيف لم يواجههم بالحقيقة؟ وكيف لم يجاهر بحقه؟ وكيف تنازل ابنه الحسن عن خلافته المنصوص عليها لمعاوية؟ وكيف يمدحه النبي صلي الله عليه وسلم بفعله ذلك، وأن الله أصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين؟

وللشيعة بدع عملية مثل: تجديد مأساة الحسين كل عام بلطم الوجوه، وضرب الصدور إلي حد سفك الدم، وقد مضي علي المصيبة أكثر من ثلاثة عشر قرناً؟ ولماذا لا يعمل ذلك في قتل والده، وهو أفضل منه؟

ومن ذلك الشركيات عند المزارات والمقابر التي دفن فيها آل البيت، والاستعانة بهم ودعاؤهم من دون الله. وهو ما قد يوجد لدي بعض أهل السنة، ولكن علماءهم ينكرون عليهم ويشددون النكير.

من أجل ذلك نصفهم بالابتداع، ولا نحكم عليهم بالكفر البواح، أو الكفر الأكبر، المخرج من الملة.

وأنا من الذين يقاومون موجة التكفير من قديم، وقد نشرت رسالتي (ظاهرة الغلو في التكفير)، مشدداً النكير علي هذا الغلو، ونؤكد أن كل من نطق بالشهادتين والتزم بمقتضاهما: دخل في الإسلام بيقين، ولا يخرج منه إلا بيقين. أي بما يقطع بأنه كفر لا شك فيه.

رابعاً: إن الاختلاف في فروع الدين، ومسائل العمل، وأحكام العبادات والمعاملات، لا حرج فيه، وأصول الدين هنا تسع الجميع، وما بيننا وبين الشيعة من الخلاف هنا ليس أكبر مما بين المذاهب السنية بعضها البعض. ولهذا نقلوا عن شيخنا الشيخ شلتوت شيخ الأزهر رحمه الله أنه أفتي بجواز التعبد بالمذهب الجعفري، لأن التعبد يتعلق بالفروع والأحكام العملية، وما يخالفوننا فيه في الصلاة والصيام وغيرهما يمكن تحمله والتسامح فيه.

خامساً: إن ما قلته لصحيفة «المصري اليوم» هو ما قلته بكل صراحة وأكدته بكل قوة، في كل مؤتمرات التقريب التي حضرتها: في الرباط، وفي البحرين، وفي دمشق، وفي الدوحة، وسمعه مني علماء الشيعة، وعلقوا عليه، وصارحت به آيات الله حينما زرت إيران منذ نحو عشر سنوات: أن هناك خطوطاً حمراء يجب أن ترعي ولا تتجاوز، منها: سب الصحابة، ومنها: نشر المذهب في البلاد السنية الخالصة. وقد وافقني علماء الشيعة جميعاً علي ذلك.

سادساً: إنني، رغم تحفظي علي موقف الشيعة من اختراق المجتمعات السنية، وقفت مع إيران بقوة في حقها في امتلاك الطاقة النووية السلمية، وأنكرت بشدة التهديدات الأمريكية لها، وقلت: إننا سنقف ضد أمريكا إذا اعتدت علي إيران، وإن إيران جزء من دار الإسلام، لا يجوز التفريط فيها، وشريعتنا توجب علينا أن ندافع عنها إذا دخلها أو هددها أجنبي. وقد نوهت بموقفي كل أجهزة الإعلام الإيرانية، واتصل بي عدد من المسؤولين شاكرين ومقدرين. وأنا لم أقف هذا الموقف مجاملة، ولكني قلت ما يجب أن يقوله المسلم في نصرة أخيه المسلم.

الرد علي وكالة (مهر) الإيرانية

زعمت وكالة الأنباء أني أردد ما يقوله حاخامات اليهود، وأني أتحدث نيابة عنهم، وقالت: إن كلامي يصب في مصلحة الصهاينة والحاخامات! وجهلت الوكالة التائهة ما أعلنه اليهود أنفسهم أن أخطر الناس عليهم في قضية فلسطين هم علماء الدين، وأن أخطر علماء الدين هو القرضاوي! وطالما حرضوا علي، وعلي اغتيالي، ومازال اللوبي الصهيوني في كل مكان يقف ضدي، ويؤلب علي الحكومات المختلفة، لتمنعني من دخول أرضها، فلا غرو أن منعت من أمريكا وبريطانيا وعدد من البلاد الأوروبية، لأني عدو إسرائيل، ومفتي العمليات الاستشهادية.

إنني أحارب اليهود والصهاينة منذ الخامسة عشرة من عمري، أي من حوالي سبعين سنة، قبل أن يولد هؤلاء الذين يهاجمونني. ولقد انتسبت منذ شبابي المبكر إلي جماعة يعتبرها الصهاينة العدو الأول لهم، هي جماعة الإخوان المسلمين التي قدمت الشهداء، ولاتزال، من أجل فلسطين.

أما الماسونية فكتاباتي ضدها في غاية الوضوح، ولاسيما فتواي عن (الماسونية) في كتابي (فتاوي معاصرة).

زعمت الوكالة أن المذهب الشيعي يلقي تجاوباً لدي الشباب العربي الذي بهره انتصار حزب الله علي اليهود في لبنان، وكذلك الشعوب المسلمة الواقعة تحت الظلم والاضطهاد، واعتبرت الوكالة ذلك معجزة من معجزات آل البيت، لأن الشعوب وجدت ضالتها في هذا المذهب حيث قدم الشيعة نموذجاً رائعاً للحكم، لم يكن متوافراً بعد حكم النبي صلي الله عليه وسلم، وحكم الإمام علي رضي الله عنه.

وهذا الكلام مردود عليه، فالفرد الإيراني كغيره في بلادنا الإسلامية، لم يطعم من جوع، ولم يأمن من خوف. ولاسيما أهل السنة الذين مازالوا يعانون التضييق عليهم. وكلام الوكالة فيه طعن في عهدي أبي بكر وعمر، وقد قدما نموذجاً رائعاً للحكم العادل والشوري، بخلاف حكم علي الذي شغل بالحروب الداخلية، ولم يتمكن من تحقيق منهجه في العدالة والتنمية، كما كان يحب.

المهم أن الوكالة اعترفت بتنامي المد الشيعي الذي اعتبرته (معجزة) لآل البيت! وهو رد علي الشيخين فضل الله والتسخيري وغيرهما الذين ينكرون ذلك.

زعمت الوكالة أني لم أتحدث عن بطولات أبناء الشيعة من جنوب لبنان (٢٠٠٦م) وهو زعم كاذب أو جاهل، فقد ناصرت حزب الله، ودافعت عنه، ورددت علي فتوي العالم السعودي الكبير الشيخ بن جبرين، في حلقة كاملة من حلقات برنامجي (الشريعة والحياة) في قناة الجزيرة، وقد نقلت الحلقة من القاهرة حيث كنت في الإجازة.

تحدثت الوكالة بشماتة عن هزائم العرب، ولاسيما هزيمة ١٩٦٧م، وعن حكام العرب، وجنرالات العرب، وكأني مسؤول عنهم! وقد قاومت استبداد الحكام وطغيانهم، ودخلت من أجل ذلك السجون والمعتقلات، وحوكمت أمام المحاكم العسكرية، وحرمت من الوظائف الحكومية، وأنا أول دفعتي.

ونسيت الوكالة أن مصر دخلت أربع حروب من أجل فلسطين، وأنها في إحداها قد حققت نصراً معروفاً علي دولة الصهاينة، برغم ما كان يسندها من المدد الأمريكي. وذلك في حرب العاشر من رمضان سنة ١٣٩٣هـ (٦ أكتوبر ١٩٧٣م)، وكذلك بطولات الإخوة في فلسطين في حماس والجهاد وكتائب الأقصي وغيرهم.

أسوأ ما انحدرت إليه الوكالة زعمها أني أتحدث بلغة تتسم بالنفاق والدجل، وهو إسفاف يليق بمن صدر عنه، وقد قال شاعرنا العربي:

وحسبكمو هذا التفاوت بيننا    وكل إناء بالذي فيه ينضح!

والذين عرفوني بالمعاشرة أو بقراءة تاريخي، عرفوني منذ مقتبل شبابي شاهراً سيف الحق في وجه كل باطل، وأني لم أنافق ملكاً ولا رئيساً ولا أميراً، وأني أقول الحق ولا أخاف في الله لومة لائم. ولو كنت أبيع في سوق النفاق لنافقت إيران التي تقدر أن تعطي الملايين، والتي تشتري ولاء الكثيرين بمالها، ولكني لا أشتري بكنوز الأرض، فقد اشتراني الله سبحانه وبعت له. وقد اقترحوا علي من سنوات أن يعطوني جائزة لبعض علماء السنة، فاعتذرت إليهم.

وقالت الوكالة الكاذبة المزيفة: كان الأحري بالشيخ القرضاوي أن يتحدث عن خطر المد الصهيوني، الذي أوشك أن يقترب من بيت القرضاوي نفسه، حيث إن أبناءه الذين يقطنون في أحياء لندن، انصهروا تماماً بالثقافة الأنجلوسكسونية، وابتعدوا عن الثقافة الإسلامية!

ولا أدري كيف يجترئ هؤلاء الناس علي الكذب الصراح، فليس أحد من أولادي يسكن في لندن، بل يعملون بالتدريس في جامعة قطر، أو في سفارة قطر بالقاهرة، ومن بناتي ثلاث حصلن علي الدكتوراه من إنجلترا، وكلهن في قطر منذ سنين. وهن متمسكات بثقافتهن الإسلامية، وهويتهن الإسلامية، إلا إذا كانت الوكالة تعتبر تخصصاتهن العلمية خروجاً علي الدين، وعلي الثقافة الإسلامية.

موقف الشيخ فضل الله

وعقب آية الله الشيخ محمد حسين فضل الله علي حديثي في صحيفة «المصري اليوم» تعقيباً استغربت أن يصدر عن مثله، وأنا أعتبره من العلماء المعتدلين في الشيعة، وليس بيني وبينه إلا المودة، فقد كان أول ما قاله: إنني لم أسمع عن الشيخ القرضاوي أي موقف ضد التبشير «المسيحي» الذي يراد منه إخراج المسلمين عن دينهم.. وهذا عجيب حقاً، فموقفي ضد «التنصير» الذي يسمونه التبشير واضح للخاص والعام، في كتبي وخطبي ومحاضراتي ومواقفي، وقد طفت كثيراً من البلاد الإسلامية بعد مؤتمر كلورادو ١٩٧٨م، الذي اجتمع لتنصير العالم الإسلامي، ورصد لذلك ألف مليون دولار، وانتهيت إلي السعي لإنشاء الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية في الكويت، التي كان الهدف الأول منها: المقاومة العملية للموجة التنصيرية المسعورة الطامعة في تنصير الأمة الإسلامية.

وكان الناس يعرفون أني واقف بالمرصاد لكل من يتطاول علي مقدسات الإسلام: الرسول والقرآن والسُنة الشريفة. وقد كان موقفي في أزمة الرسوم المسيئة معروفاً علي مستوي العالم، وموقفي في الرد علي البابا، بأكثر من وجه، ومنه كتابي (البابا والإسلام).

ويقول الشيخ فضل الله أيضاً: لم نسمع من القرضاوي أي حديث عن اختراق العلمانيين أو الملحدين للواقع الإسلامي.

وأنا أقول: يا عجباً! لقد وقفتُ للعلمانيين والملحدين في كتبي ومحاضراتي وخطبي وهي منشورة ومشهورة، مثل:

الإسلام والعلمانية وجهاً لوجه.

التطرف العلماني في مواجهة الإسلام.

بينات الحل الإسلامي وشبهات العلمانيين والمتغربين.

الدين والسياسة.

من فقه الدولة في الإسلام.

وغيرها من الكتب التي شرقت وغربت، وترجمت إلي عدد من اللغات.

وقد شاركت في مناظرات مع العلمانيين، أظهر الله فيها حجة الإسلاميين، وتهافت خصومهم. وظهرت في أشرطة سمعها الكثيرون في أنحاء العالم.

أنكر الشيخ ما ذكرته من الغزو الشيعي للمجتمعات السُنية، وذكر أنه أرسل إلي مع بعض الأصدقاء أن أعطيه إحصائية عما يحدث في البلاد التي تتعرض للاختراق الشيعي كمصر والجزائر وسوريا، وغير ذلك. وأنا أقول: إن أحداً لم يبلغني بذلك.

علي أن هذا الطلب ليس جدياً، فهذه الأمور تتم في الخفاء، ولا يعلن عنها، ولاسيما في المجتمعات السُنية الخالصة، مثل مصر والسودان وتونس والجزائر وغيرها. وما الضرورة إلي هذه الإحصائيات، وأمامنا من الشواهد ما يكفي؟!

وأعتقد أنه قد كفاني الرد علي الشيخ ما أعلنته وكالة أنباء (مهر) الإيرانية من انتشار المذهب الشيعي في البلاد العربية والإسلامية، واعتبارها ذلك من معجزات آل البيت.

مع الشيخ تسخيري

أما صديقنا الشيخ تسخيري، فقد كان تعليقه أعجب! وهو يعرفني جيداً، منذ نحو ربع قرن أو يزيد. وقد اخترته نائباً لي في الاتحاد العالمي، ونلتقي باستمرار في مجلس الأمناء، والمكتب التنفيذي، غير اللقاءات في المؤتمرات والمجتمع الفقهي.

اعتبر الشيخ تصريحاتي مثيرة للفتنة، وأنها ناجمة عن ضغوط الجماعات التكفيرية والمتطرفة التي تقدم معلومات مفتراة، فأقع تحت تأثيرها! ونسي الشيخ تسخيري أني لم أكن في يوم ما مثيراً للفتنة، بل داعياً للوحدة والألفة، كما أني وقفتُ ضد هذه الجماعات المتطرفة، وحذرت من خطرها، وألفتُ الكتب، وألقيتُ الخطب والمحاضرات، وكتبتُ المقالات في الدعوة إلي الوسطية والاعتدال. بل أصبحت بين الدعاة والمفكرين والفقهاء رمزاً للوسطية.

يقول التسخيري: إن القرضاوي يشبه التبليغ الشيعي بالتبشير، في حين أن الكلمة تستخدم فقط في التبليغ المسيحي.

وأقول: إنني استخدمت نفس التعبير الذي أستخدمه الإمام محمد مهدي شمس الدين رحمه الله، وقد كنت استخدم عبارة (نشر المذهب).

أما التبشير المسيحي فأنا أسميه باسمه الحقيقي، وهو التنصير. علي أنه لا مشاحة في الاصطلاح.

وكأن الشيخ يؤيد التبليغ الشيعي في البلاد السُنية، ولكن لا يسميه تبشيراً. وأنا أرفضه بأي اسم كان، لأن العبرة بالمسميات والمضامين، لا بالأسماء والعناوين.

أكد تسخيري أن القرضاوي من خلال هذه الممارسات لا يعمل من أجل انسجام الأمة الإسلامية ومصالحها، وأن هذا يتنافي مع أهداف الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي بذل فيه جهوداً واسعة لتأسيسه، للقضاء علي التعصب والتفرقة، والقيام بالدعوة إلي الاعتدال، حسبما جاء في الميثاق الإسلامي للاتحاد.

والشيخ التسخيري لا يغيب عنه: أني عشت حياتي كلها أدعو إلي توحيد الأمة الإسلامية، فإن لم يمكن توحيدها فعلي الأقل تأكيد التضامن فيما بينها، وأني أيدت دعوة التقريب، وشهدت مؤتمراتها، وقدمت إليها بحوثاً مهمة.

ولكن هذا لا يعني أن أري الخطر أمام عيني وأغض الطرف عنه، مجاملة لهذا وإرضاء لذلك، فوالله ما أبيع ديني بملك المشرق والمغرب.

وأنا في كل المؤتمرات التقريبية التي شاركت فيها حذرت بقوة ووضوح من محاولة تصدير المذهب في البلاد الخالصة للمذهب الآخر.

علق التسخيري علي قولي للصحيفة المصرية: إن الشيعة مسلمون، ولكنهم مبتدعون. فقال: إن القرضاوي اتهم مرة أخري الشيعة بتحريف القرآن، في حين أن هذا خطأ فاحش... وهو يعلم أن علماء الشيعة في مختلف العصور أكدوا علي عدم تحريف القرآن.

وأنا أعترف أن صحيفة «المصري اليوم» لم تنقل كلامي هنا حرفياً، بل تصرفت فيه، فلم يكن قولها دقيقاً ومستوعباً، كما جاء في جوابي الأصلي. ومع هذا، فإن الصحيفة لم تنقل عني: أن الشيعة جميعاً يؤمنون بتحريف القرآن، ولكنها قالت: كثير منهم يقول: إن القرآن الموجود كلام الله، ولكن ينقصه بعض الأشياء، مثل سورة الولاية.

ومن هؤلاء العالم الشيعي المعروف، أحد كبار علماء النجف، وهو الحاج ميرزا حسين محمد تقي النوري الطبرسي، الذي ألف - وهو في النجف - كتابه المعروف (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب). وقيمة الكتاب في جمعه مئات النصوص من مصادر الشيعة وكتبهم المعتمدة، ومن أقوال علمائهم ومجتهديهم في مختلف الأزمنة، وهي تقرر أن القرآن قد زيد فيه ونقص منه.

وقد أحدث كتابه ضجة عند ظهوره في إيران، ورد عليه الكثيرون، ورد عليهم هو بكتاب آخر، يدفع فيه الشبهات التي أثيرت حول كتابه.

أما ما قلته من محاولات الغزو الشيعي للمجتمعات السُنية، فأنا مصر عليه، ولابد من التصدي له، وإلا خنا الأمانة، وفرطنا في حق الأمة علينا. وتحذيري من هذا الغزو، هو تبصير للأمة بالمخاطر التي تتهددها نتيجة هذا التهور، وهو حماية لها من الفتنة التي يخشي أن يتطاير شررها، وتندلع نارها، فتأكل الأخضر واليابس. والعاقل من يتفادي الشر قبل وقوعه.

والله من وراء القصد، وهو الهادي إلي سواء السبيل.

 

القاهرة: الآن

تعليقات

اكتب تعليقك