استبعاد (الغرفة) عن لجنة الأسعار يظن أحمد الديين أنه تراجع لدور النخبة التجارية في الكويت

زاوية الكتاب

كتب 525 مشاهدات 0


                                          اضمحلال دور النخبة التجارية! 
 
كتب أحمد الديين
 

بغض النظر عن الدوافع والمبررات، التي تقف وراء قرار وزير التجارة والصناعة أحمد باقر باستبعاد غرفة تجارة وصناعة الكويت من المشاركة في عضوية اللجنة الاستشارية للإشراف على أسعار السلع وتحديد أسعارها، التي شكّلها أخيراً وأشرك فيها أطرافاً أخرى مثل: جمعية المحاسبين والمراجعين الكويتية، والجمعية الاقتصادية الكويتية، فإنّ استبعاد غرفة التجارة من المشاركة في عضوية مثل هذه اللجنة أمر مثير للاستغراب... فالغرفة أياً كان موقفها تجاه ارتفاع الأسعار ومعارضتها تحديدها، إلا أنّها تبقى الجهة الأساسية، التي تمثّل التجار، وهي وهم أطراف ذات صلة مباشرة بعمل هذه اللجنة!
وفي ظني أنّ استبعاد غرفة تجارة وصناعة الكويت عن المشاركة في لجنة الأسعار يعكس بدرجة أو بأخرى حقيقة تراجع دور وتأثير النخبة التجارية في الكويت.
فقد كانت الطبقة التجارية قبل النفط قوة اقتصادية تحرك اقتصاد الإمارة وتموّل مصروفاتها، وكانت بالتالي تمتلك دوراً سياسياً يتناسب مع دورها الاقتصادي... وعندما أُبعدت عن مركز القرار السياسي نجدها تحركت احتجاجاً ومطالبةً، وهذا ما يفسر قرار تجار اللؤلؤ البارزين بمغادرة الكويت إلى البحرين وجزيرة جنّة في عهد الشيخ مبارك الصباح احتجاجاً على الضرائب المرهقة لتمويل الحملات الحربية، ومبادرة الشيخ إلى استرضائهم لإدراكه التأثير السلبي لمغادرتهم على اقتصاد الإمارة... وكذلك مطالبة التجار وأهل الكويت أواخر عهد الشيخ سالم المبارك، خصوصاً بعد وفاته في العام 1921 بإقامة مجلس للشورى... وبعدها قيادتهم الحركة المطالبة بانتخاب مجلس تشريعي ووضع دستور للبلاد في العام 1938، ودور التجار في ذلك المجلس.
ولاحقاً بعد قمع «حركة المجلس» في العام 1939 ونشوب الحرب العالمية الثانية وتحوّل الكويت إلى بلد منتج ومصدّر للنفط تراجع دور النشاطات الاقتصادية التقليدية، وتراجع دور الطبقة التجارية، وضعف اعتماد الحكم عليهم في تمويل اقتصاد الإمارة وميزانيتها... وفي الخمسينيات، ومع تولي الشيخ عبداللّه السالم مسند الإمارة أُعيد بعض الاعتبار إلى دور التجار، وانطلقت بمبادراتهم وبدعم الحاكم ومشاركة الدولة عملية تكوين الصروح الجديدة للاقتصاد الوطني الكويتي: بنك الكويت الوطني، وشركة الخطوط الجوية الكويتية قبل أن تصبح مؤسسة عامة، وشركة الصناعات الوطنية، ولاحقاً البنوك الأخرى وشركات التأمين، وتكوين القطاع المشترك، الذي جمع القطاعين العام والخاص، في شركة ناقلات النفط، وشركة البترول الوطنية الكويتية وغيرها قبل أن تمتلك الدولة كامل أسهم العديد من شركات القطاع المشترك... واستعادت النخبة التجارية مكانتها في الحياة العامة، وفي تلك الفترة تأسست غرفة التجارة.
وبعد الاستقلال شاركت النخبة التجارية بفعالية في انتخابات المجلس التأسيسي وعضويته ووضعت بصماتها التحديثية على مشروع دستور البلاد، واستمر هذا الدور في مجلس الأمة الأول، الذي ترأسه أول الأمر عبدالعزيز الصقر رئيس غرفة التجارة، وتشكّلت الحكومة الثالثة أواخر العام 1964 الشهيرة بحكومة التجار، التي سرعان ما سقطت بفعل تحريك بعض أقطاب الأسرة لمجاميع من النواب، الذين منعوا الوزراء
من أداء القسم الدستوري خلال أزمة المادة 131 الشهيرة... وبعدها استقال عبدالعزيز الصقر من رئاسة مجلس الأمة، ولاحقاً استقال نواب المعارضة الوطنية الثمانية من عضوية المجلس، وتشكلت جبهة المعارضة، التي خاضت انتخابات مجلس الأمة الثاني، حيث بادرت أطراف من السلطة إلى تزويرها لمنع مرشحي المعارضة من الفوز بغالبية مقاعد المجلس، مثلما كان متوقعاً.
ولاحقاً ضعفت المشاركة النشطة للنخبة التجارية في الانتخابات وعضوية مجلس الأمة، واقتصرت على بعض المشاركات الفردية، ولكن الدور التقليدي للنخبة التجارية استمر قائماً ومؤثراً، وشاركت أطراف منها في الحكومات المتعاقبة طوال عقد السبعينيات، بما في ذلك فترة الانقلاب الأول على الدستور... وفي أوسط السبعينيات تكرست توجهات أخرى بديلة للحكم في اعتماده على الجماعات الدينية، وتراجع مع مرور الوقت الدور السياسي والنفوذ التقليدي للنخبة التجارية، الذي ربما كانت آخر مظاهره إلقاء عبدالعزيز الصقر الكلمة الممثلة للقطاعات الشعبية في مؤتمر جدة خلال الاحتلال.
وبعد التحرير شهدت غرفة التجارة استقطابات جديدة، بل شهدت الطبقة التجارية ككل استقطابات وتحولات في مراكز مصالحها ومواقفها، ولعلّ هذه التحولات تكرست أكثر بعد وفاة الرموز التاريخية للنخبة التجارية ومؤسسي الغرفة: عبدالعزيز الصقر، وحمود النصف... ومع مرور الوقت اختصر الحكم علاقته مع الطبقة التجارية في أطراف معينة منها، واقتصرت هذه العلاقة على الجانب الاقتصادي وحده في المناقصات وتوزيع أملاك الدولة، في الوقت، الذي اضمحل فيه دور النخبة التجارية أو كاد يختفي... إلى أن جاء اليوم، الذي يستبعد فيه وزير التجارة غرفة التجارة من المشاركة في عضوية لجنة استشارية ذات صلة مباشرة باختصاصاتها!

عالم اليوم

تعليقات

اكتب تعليقك