الرد الخليجي على تفاهمات إيران-أمريكا

زاوية الكتاب

كتب 8755 مشاهدات 0


 أثارت التطورات والغزل السياسي 'الخفيف' بين إيران والولايات المتحدة على مدى الأيام الماضية ثائرتنا بمنطقة الخليج العربي، وراح منظرونا ومحللونا واختصاصيو المؤامرات لدينا يغوصون في عمق هذا التطور الجديد بالعلاقات، وتدور ردود أفعالنا حول أن هذا التفاهم سيكون على حسابنا وعلى حساب جزرنا الإماراتية وعلى حساب استقرار البحرين وإطلاق يد إيران ببلداننا واعترافا بها كقوة عسكرية مستقرة نسبيا بمعايير المنطقة المهترئة حروبا ودمارا. ومن ثم فإنها ستلعب دورا مهيمنا كشرطي لمنطقة الخليج يمكن أن يحفظ الاستقرار وبالتالي المصالح الأمريكية، ناهيك عن أن إيران سوق تجاري كبير مقارنة بالأسواق الخليجية، وإذا ما سارت الأمور تجاه رفع أو تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، فإن ذلك يسيل لعاب الشركات الغربية التي ستسارع تجاه الأسواق الإيرانية.

ويأتي هذا التوجس الخليجي العربي من هذا التطور المفاجئ بالعلاقات بين أمريكا وإيران متزامنا مع معطيات عدة:

يتزامن هذا التطور مع ضعف لإدارة أوباما بسياسته الخارجية وتردد في كيفية التعاطي مع الملف السوري، والتهديد بضرب نظام بشار ثم التراجع بشكل أظهر الولايات المتحدة الأمريكية على أنها ليست دولة عظمى يمكن الاعتماد عليها لمساعدة حلفائها وقت الأزمات. وتذكر التقارير أن اتفاق جنيف بين موسكو وواشنطن لم يكن اتفاق أسلحة كيماوية وحسب، بل هو اتفاق شامل لنقل السلطة وتخفيف-وليس إنهاء- الاقتتال بسوريا وترتيبات ما بعد مرحلة الأسد منتصف العام المقبل. فليس صدفة أن الانتهاء من التخلص من الأسلحة الكيماوية هو منتصف العام القادم وهي نفس الفترة التي تنتهي فيها ولاية الأسد الرئاسية.

تشير التقارير إلى أن التقارب الإيراني-الأمريكي –لو كتب له التطور- سيضمن ترتيب الوضع السوري العام القادم بتفاهم إيران-أمريكي-روسي، فإيران لا تريد أن تخرج خالية الوفاض بعد كل ما قدمته لبقاء النظام السوري، وأمريكا لا يمكنها ترتيب الوضع السوري واللبناني –بل وحتى العراقي المتفجر- بعد رحيل الأسد دون مساعدة إيران، فلهما في ذلك سجل تعاون سابق ناجح بأفغانستان وأثناء حرب إسقاط صدام.

كما يتزامن هذا الهاجس مع فشل إسرائيلي دبلوماسي يقوده بامتياز رئيس الوزراء بنجامين نتنياهو الذي بدا كالأهوج المفلس الذي ليس لديه ما يقوله للعالم بنيويورك سوى أن 'روحاني ذئب بجلد حمل'، فلا سلام مع الفلسطينيين، ولا وقف للمستوطنات وتهويد القدس وانتهاكات حقوق الشعب الفلسطيني، ولم يلق نتنياهو النجومية التي لقيها أثناء زيارته السابقة التي استقبله فيها الكونجرس الذي ألقى فيه خطابا تحذيريا من قنبلة إيران النووية القادمة وسط مقاطعات تصفيق حادة بلغت تسعا وعشرين مرة. هذه المرة، لم يستقبل الكونجرس نتنياهو، ولم يكن نجم نيويورك بجماعاتها اليهودية المؤيدة لإسرائيل، فقد كان الرئيس الإيراني حسن روحاني نجم الأمم المتحدة دون منازع، فقد مهد للزيارة بتهنئة اليهود بعيدهم، وبإدانة الهولوكست الذي كان ينكره سلفه أحمدي نجاد، وبتقارير إيجابية ولقاءات إعلامية أمريكية ليست معه وحسب- بل حتى مع العضو اليهودي الوحيد بالبرلمان الإيراني الذي يشيد بوضع اليهود في إيران وبالديمقراطية الإيرانية. الفشل الإسرائيلي والفتور بين أوباما ونتنياهو يعني أن إسرائيل لم تعد قادرة على كبح التقارب الإيراني-الأمريكي كما في السابق.

كما يفرض التقارب الإيراني-الأمريكي نفسه وسط غياب أي دور عربي بالمنطقة، فمصر مشغولة بترتيب أوضاعها بعد ثورتها، والعراق تمزقه حروبه الطائفية وفشل إدارته في استقرار البلاد، وسوريا تتفتت إنسانا وبلدا، من جانب آخر، صار الأتراك كبالع الموس في حيرة من الحليف الأطلسي الأمريكي، وفي توترات داخلية وتخبطات في السياسة الخارجية.

تزامن الخوف الخليجي من أن يكون التقارب الإيراني-الأمريكي على حسابنا مع نشر صحيفة نيويورك تايمز لخريطة تعيد تقسيم المنطقة لدول جديدة على أسس طائفية وعرقية، وهو ما تسعى له إسرائيل ويقوم بتنفيذ هذه الخريطة أدواتها من أحزاب سياسية تقوم على أساس الدين أو الطائفة.

لكن ما العمل؟

لم نتفاجأ بعالم السياسة من تقارب إيراني-أمريكي، بل فنتهيأ لتقارب إيراني-إسرائيلي ففي عالم السياسة كل شيء ممكن، وعلينا أن نبارك من حيث المبدأ أي تقارب بين إيران والعالم الخارجي بما يزيل التوتر بالمنطقة ويبعد عنها شبح الحروب ويحفظ سلامة شعوبها العربية والإيرانية، لكن الاكتفاء بذلك يعد نوعا من الرومانسية التي لا تعرفها السياسة. فالواقع أننا لا نستطيع أن نفرض التباعد الأمريكي عن إيران، ولا أن نصيغ أجندة 'التفاهمات' بينهما –سواء على حسابنا أو على حساب غيرنا، لكن ما نستطيع أن نعمل عليه -وبسرعة قبل فوات الأوان- هو خلق 'تفاهمات' بيننا، وأن نسارع إلى ترجمة الكونفيدرالية الخليجية التي تعزز من موقفنا تجاه أي تفاهمات على حسابنا، فمن العبط السياسي مطالبة أمريكا أن تغير من نهجها المصلحي، ولا أن نطالب إيران بأن تتوقف عن براجماتيتها المصلحية بعيدا عن الأخلاق والجيرة 'الإسلامية'، وبدلا من الاكتفاء بالتفرج، علينا بالفعل، وهو فعل ممكن لو صحت النوايا وصدقت الإرادة.

الرد المطلوب على أي تفاهمات إيرانية-أمريكية هو بتفاهمات خليجية-خليجية، بدلا من اللطم ومطاردة السراب السياسي بأن يقدم الآخرون مصالحنا قبل مصالحهم. فهل تفوتنا الفرصة، ويمر القطار ونحن بالانتظار!!؟

كتب سعد بن طفلة (الشرق القطرية والمدى العراقية)

تعليقات

اكتب تعليقك