ناصر المطيري يكتب عن ' السحر العماني' مع إيران !
زاوية الكتابكتب أغسطس 27, 2013, 12:31 م 3455 مشاهدات 0
السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان بدأ أمس زيارة رسمية إلى طهران وهو بذلك يُعد أول زعيم في العالم يزور إيران في عهد الرئيس الجديد حسن روحاني، وهذه الزيارة السلطانية بمدلولها العميق تتجاوز حدود كونها زيارة بروتوكولية لأنها تحمل مضموناً سياسيا خاصاً بخصوصية السياسة العمانية في التعامل مع الملفات الإقليمية.
سلطنة عمان تنفرد بعلاقة سياسية استثنائية وخاصة مع إيران ليست كباقي شقيقاتها في منظومة دول مجلس التعاون الخليجية، وتنطلق هذه العلاقات من إرث سياسي وعوامل تاريخية وجغرافية ومصالح استراتيجية مشتركة.
جغرافيا يكفي أن نلحظ التجاور الجيوسياسي على ضفتي الخليج حيث تتقاسم ايران وسلطنة عمان ضفتي مضيق هرمز الشريان الحيوي الضيق للخليج.
جيرة العمانيين بإيران تحمل في ثناياها أحداثاً تاريخية تمتد إلى أيام مالك بن فهر الدوسري الأزدي الذي طرد الفرس من الأراضي العمانية بعد انهيار سد مأرب وهكذا اجتمعت الجغرافيا والتاريخ ولغة المصالح المشتركة لتشكل «نموذجا» ينظر إليه كحالة استثنائية قائمة بين إيران وسلطنة عمان.
وتاريخياً أيضاً السلطان قابوس يشعر بأنه مدين لإيران أيام حكم الشاه، التي بادرت للاعتراف بشرعية الحكومة عندما تسلم السلطة عام 1970. وكان لتدخلها العسكري المباشر الدور الحاسم في القضاء على ثورة ظفار، وهذا ما انعكس إيجابيا وترجم في أكثر من طريقة. بحيث وضع الثقة المتبادلة، والاطمئنان بين الدولتين، وبإمكانية التعايش بينهما.
عام 1979 سقط الشاه، وجاء الخميني ليقلب الأمور رأسا على عقب، ويثبّت نظاماً إسلامياً في المنطقة التي لم تألفه، بل وزادت مشاعر الكراهية والعداء، تمثلت بشعار تصدير الثورة الى الخارج، واندلاع الحرب بين بغداد وطهران من 1980 الى 1988، وقيام تكتل خليجي وعربي بوجهها، إزاء ذلك كانت كل البلدان الخليجية تناصر وتقف مع نظام صدام في الحرب، باستثناء السلطنة التي اتجهت الى سياسة عقلانية، وكان لها دور ايجابي ومؤثر في حل الخلافات، حيث استطاعت ان تمسك العصا من الوسط، وفي عز الحرب العراقية ــ الإيرانية زار وزير الخارجية العماني طهران، ووقع معها مسودة تفاهم للتعاون السياسي والاقتصادي، وتحولت عُمان الى «ملاذ آمن» وفتح قنوات للحوار بين الخصوم.
وفي تسعينيات القرن الماضي كانت نكبة احتلال القوات العراقية للكويت وما تبع ذلك من زلزال عالمي قلب خريطة القوى العالمية وانفراد الولايات المتحدة بقيادة العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وتواكب ذلك مع نجاح التحالف الدولي لتحرير الكويت ومن ثم اسقاط صدام حسين واحتلال أمريكا للعراق لتبدأ المواجهة بين طهران وواشنطن، في كل ذلك كانت دول الخليج تحت المظلة الأمريكية وتدور في فلكها مع بعض العلاقات الدبلوماسية العادية والمحدودة مع ايران، والسؤال هنا : ماهو موقع سلطنة عمان وموقفها في ظل ذلك كله وهل كانت ضمن السرب الخليجي أم غردت خارجه؟
وبرصد حركة السياسة العمانية في هذا الصدد وجدنا أنها تلخصت بعدد من الخطوات الخاصة التي جعلت من السلطنة تمتاز بعلاقتها الاستثنائية مع ايران وتنفرد بها عن باقي دول مجلس التعاون، وتلك الخطوات تتمثل فيما يلي :
أولاً رفضت رسمياً المشاركة في مشروع مظلة الدفاع الأميركية لحماية أمن الخليج، وتبنت طرح اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون وايران، و ابتعدت السلطنة عن سياسة المحاور والاستقطاب، ونأت بنفسها عن كل أشكال المواجهات السياسية والاعلامية، والتزمت سياسة الهدوء من دون ضجيج.
ثانياً دعت مسقط الى قيام تفاهم أميركي ـ ايراني من شأنه ضمان أمن الخليج وحماية المصالح الأميركية رسخت العلاقات بينها وبين ايران بزيارات على جميع المستويات (رؤساء الدول ـ لجان مشتركة ـ توقيع اتفاقيات ـ تعاون عسكري) وهو ما أوجد حالة استثنائية بالكامل غابت عن المسرح الخليجي.
ووقعت عمان اتفاقية للتعاون الأمني مع ايران عام 2009 من ضمن سبع اتفاقيات، واشتركت في مشروع استغلال حقل غاز كيش، الذي يحتوي على احتياطي قدره 48 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي سيؤدي الى توفير احتياجات عمان من الغاز بدلاً من استيراده.
خلاصة هذا الإرث التاريخي والجغرافي والسياسي هو «الخلطة السحرية «العمانية الخاصة التي توجتها رؤية السلطان قابوس المتميزة والرامية للعب دور اقليمي متفرد يعزف لحنه السياسي الخاص، الأمر الذي منح السلطنة استقلالاً في القرار السياسي في اطار المحيط الإقليمي.
ناصر المطيري
تعليقات