الأزمة السورية امتداد للحرب العراقية - الإيرانية.. بنظر حامد الحمود

زاوية الكتاب

كتب 708 مشاهدات 0


القبس

هل انتهت الحرب العراقية – الإيرانية؟

د. حامد الحمود

 

لماذا تدوم حروب العرب حتى أكثر من الحروب العالمية؟ لأن مسبباتها مزيج معقد من الطائفية والانتماءات، ثم التدخلات الإقليمية والدولية!

عندما نشبت الحرب الأهلية اللبنانية في أبريل 1975، لم يتوقع أن تستمر إلى عقد ونصف العقد من الزمان إلى توقيع اتفاق الطائف عام 1990. في بداياتها، ظن الكثير من اللبنانيين أنها ستدوم أشهراً، وربما سنوات قليلة. بعضهم تأخر كثيراً في تغيير نمط حياته، فخسر مستقبله. وعندما بدأت الحرب العراقية - الإيرانية في سبتمبر 1980، رأى كذلك بعض الإيرانيين والعراقيين أنها مناوشات حدودية، لن تدوم أكثر من سنة، ولكنها استمرت إلى أغسطس عام 1988، ليقبل الإمام الخميني بوقفها، واصفاً هذا القبول بتجرع السم.

هذا بينما دامت الحرب العالمية الأولى أربع سنوات، والثانية خمس سنوات. مما يطرح التساؤل المؤلم: لماذا تستمر الحروب فيما بيننا نحن العرب والمسلمين إلى هذا المدى من السنين؟ الجواب عن ذلك بلا شك، لأن مسبباتها مزيج معقد من العقد الطائفية والانتماءات الدينية المحلية والتطلعات الاستراتيجية المحلية والدولية. فحروبنا في كثير من الأحيان هي ناتج لتراكم تظلمات وأحقاد تاريخية دينية، تتحول فيها ساحات القتال إلى فرص لنيل الشهادة لدى الضعفاء، وإلى انتصارات ونفوذ لدى الأقوياء. والأهم من ذلك أنها تدوم طويلاً، لأنها تتحول إلى حروب بالوكالة، بمعنى أن الفريقين المتقاتلين، وحتى دولتيهما، يصبحان مدفوعين للاستمرار بتأييد من قوى خارجية.

أستعيد ظروف هاتين الحربين: اللبنانية، والعراقية - الإيرانية، وما ولدت هذه الأخيرة من غزو للكويت واحتلال للعراق، لكونهما أقسى الحروب التي شهدتها المنطقة، كخلفية لمعرفة مسببات الحرب الأهلية السورية، التي دخلت عامها الثالث، وبلغت ذروة وحشيتها الشهر الماضي، الذي فقد فيه نحو سبعة آلاف سوري. وقد بدأت هذه الأحداث في سوريا «سلمية.. سلمية»، ثم تحولت إلى قتل من جهة النظام إلى شعبه. ثم قتل متبادل لم يكن يتوقع أن يدوم إلى سنتين. وهناك مؤشرات على الأرض تدل على أنها قد تدوم إلى سنوات عديدة مقبلة. فالقوى المتحاربة لا تستطيع أن تحسم هذا الصراع، ولكن المعاناة والآلام تتزايد يوماً بعد يوم. فقد أصبح ربع سكان سوريا البالغ عددهم نحو عشرين مليوناً مهجرين بين الداخل والخارج. ولقد وصلت أحوال بعضهم إلى أن أصبح يقتات على الحشائش. فقد نقلت وكالة الصحافة الفرنسية، أخيراً، أنه «في بعض قوى الشمال السوري يجمع سوريون الأعشاب على أنواعها من الحقول ليقتاتوا بها مع عائلاتهم ويشربون مياه الأمطار بعدما نزحوا من منازلهم إلى أماكن أكثر أمناً».

ستدخل الحرب الأهلية السورية عامها الرابع بالتأكيد، لكون رئاسة الأسد ستستمر إلى عام 2014، وقد تستمر لسنوات أخرى. ولا نعلم ما تشحنه إلينا من أحقاد متجددة وحروب أخرى قد تمتد إلى الدول المجاورة. وقد زادت من الحساسيات الطائفية في المجتمعات العربية والإسلامية إلى درجة مخيفة. إنها تعيد أجواء الحرب العراقية - الإيرانية المحمّلة بكراهيات عمياء ونبش مريض للتاريخ. لقد تحوّلت أرض سوريا إلى جهنم لشعبها، وأرض شهادة ووعد بالجنة لجهاديين من السنة والشيعة، فالديموقراطية والعدالة الاجتماعية أصبحتا مشروعاً ثانوياً لبعض المتحاربين. لهؤلاء أصبحت الحرب مشروعاً أخروياً خلاصياً، فعيون هؤلاء ليس على المستقبل أو الحياة، وإنما على الشهادة وما بعدها.

لم يكن يتوقع أن تبدي إيران هذا الحماس، وتوفر هذا الدعم اللامحدود للنظام السوري. فنظام الأسد لم يكن إلا نسخة من نظام صدام الذي حاربته. ويبدو أن هذه الحرب الدائرة في سوريا قد أصبحت امتداداً للحرب العراقية - الإيرانية. فالتحالفات هي كما كانت. وتحول هويتها من ثورة على الاستبداد إلى حرب طائفية ستقضي على آمال السوريين. وستكون سوريا دار حرب دائمة لن تُعرف نهايتها. وكما صرّح وزير خارجية بريطانيا بأن الوضع في سوريا من الخطورة، ليكون الكارثة الأكبر في القرن الواحد والعشرين.

القبس

تعليقات

اكتب تعليقك