النابلسي يحلل اسباب صعود التيار الديني الكويتي في الانتخابات

زاوية الكتاب

كتب 835 مشاهدات 0



الجريدة

لماذا صعد التيار الديني الكويتي في الانتخابات؟

د. شاكر النابلسي

قلنا في مقالنا السابق في الأسبوع الماضي، إنه لا أحد ينكر أن الانتخابات التشريعية الكويتية جزء لا يتجزأ من الانتخابات التشريعية التونسية، والمغربية، والمصرية، وستكون جزءاً من أي انتخابات تشريعية أخرى في أي بلد عربي اجتازه الربيع العربي الهادئ، أو الهادر على السواء.
وكانت الكويت من البلدان العربية التي اجتازها الربيع العربي الهادئ لعراقة الحياة الديمقراطية فيها منذ الاستقلال عام 1961 وإنشاء أول برلمان خليجي عام 1962، ومن أوائل البرلمانات العربية عامة.
أين المفاجأة؟ وما الغرابة فيما حصل؟ بُهت معظم الناس في الشارع العربي، للنجاح الساحق الذي حققه التيار الديني الكويتي، إذ حقق التيار الديني الفوز بـ34 مقعداً من أصل خمسين. مقارنة بعشرين مقعداً في البرلمان السابق، وهو إن دلَّ على شيء فإنما يدل على ما جرى في تونس، والمغرب، ومصر، من أن الشارع العربي شارع ديني بطبعه، وأن الانتخابات إذا توافرت فيها الشفافية، والنزاهة، والنظافة، فإن الحظ الأكبر سيكون للتيار الديني الذي فاز في السابق فوزاً ساحقاً في انتخابات ماضية، ولم تُعلن النتائج الحقيقية والصادقة لهذه الانتخابات، نتيجة للتزوير الذي كان يتم في مناسبات عدة. وما نتائج اليوم غير تحصيل حاصل، وتغيير هذه النتائج لن يكون في المستقبل القريب بقرارات رسمية- كما هي الحال في كوتة المرأة- ولكن بالتربية الليبرالية، وبمزيد من الانفتاح على معرفة العالم، وعلمه، وقيمه.
ما الدرس المفيد لليبرالية؟ إن الدرس المفيد والرشيد، الذي يجب أن يتعلمه الليبراليون من درس النجاح الساحق للتيار الديني في الانتخابات التشريعية التونسية، والمغربية، والمصرية، هو الدرس نفسه الذي تعلمه الفرنسيون الليبراليون في القرن الثامن عشر، وهو أن التغيير صعبٌ وقاسٍ، ويجب أن يؤخذ بالتدرج البطيء جداً، وأن قلب المجتمع العربي بين ليلة وضحاها، من مجتمع ديني متشدد وقبلي متعصب، إلى مجتمع حديث وحداثي وليبرالي، أمر خرافي، ولن يتم، وإن تمَّ بهذه السرعة التي يتصورها ويسعى إليها كثير من الليبراليين الطفوليين من غير المفكرين والمثقفين العميقين “الذين لا يستخدمون المحاجّات العقلانية، ولكنهم يهاجمون الدين بشكل مقذع وبذيء انطلاقاً من مواقع إباحية وفوضوية وعبثية، ولا يشكلون تهديداً حقيقياً للتيار الديني”. (هاشم صالح، “معارك التنويريين والأصوليين في أوروبا”، ص190)، فهذا يعني انكسارا للمجتمع القائم بكل مقاييسه، وقيمه الدينية والقبلية التقليدية المتشددة، ففي القرن الثامن عشر، وقبل اندلاع الثورة الفرنسية، كان الفيلسوف الفرنسي دينس ديدرو (1713- 1784) قد أدرك ذلك وفهمه، من خلال تأجيله نشر كتبه وأفكاره العاصفة إلى ما بعد موته، ولكي يكون المجتمع الفرنسي جاهزاً وقابلاً لمثل هذه الأفكار الثورية الليبرالية الجديدة.
ومن هذه الكتب “الخواطر الفلسفية”، و”رسالة حول الصم والبكم”، و”رسالة عن العميان”، وغيرها، والمجتمع العربي الآن، ومع حمله للتيار الديني إلى المجالس الشعبية والبرلمانات، وكما سبق إلى النقابات وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني، يقوم بعملية تفريغ ثقة وأمل في التيار الديني لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه الدكتاتوريات القروسطية المنهارة السابقة. وهو ما تمَّ في فرنسا في القرن الثامن عشر، حيث أفرغ الشارع الفرنسي آماله وطموحاته وثقته بالتيار الديني الكاثوليكي في ذلك الحين، ضد المفكرين الليبراليين من أمثال فولتير وروسو وديدرو وغيرهم. وعندما فشل التيار المحافظ والمتشدد عن تحقيق الآمال والطموحات المرجوة، كانت الثورة الفرنسية العارمة 1789. ومن المحتمل أن تقوم ثورات ليبرالية عارمة مرة أخرى في تونس، والمغرب، وليبيا، ومصر، واليمن، والبحرين، إن لم يُحقق التيار الديني العدل، والإحسان، والرفاه للشعب، الذي أوصل وحمل هذا التيار إلى المؤسسات الدستورية في هذه البلدان، وسلَّم لها حكم البلاد.
وبدون هذا التفريغ، لن يكون في عقل وصدر الشارع العربي مستقبلاً متسع للفكر والقيم والطموحات والآمال الليبرالية، التي يوعد بها التيار الليبرالي العربي (هناك ليبرالية عربية خاصة بالعالم العربي، لها ملامحها، وقيمها المختلفة عن الليبرالية الغربية، وعن الليبرالية الشرق آسيوية، ولا مجال للخوض فيها الآن، ولكن علينا تجنب الخلط بين مختلف الليبراليات في العالم في العصر الحديث). مستقبلاً. وهو تصديق لقول هيغل الذي كثيراً ما رددناه دون وعي تام به، وهو أن “التجاوز شرط التحقيق”، ولو طبقنا هذا القول على الحال العربية الآن، لوجدنا أن طريق الليبرالية تبدأ من خلف التيار الديني، الذي يشق هذه الطريق، ويمهدها، وليس من أمامه كما يظن بعض الليبراليين الطفوليين.
لا تكافؤ بين موازين قوى التيار الديني والليبرالية! يقول المفكر السوري الفرنسي هاشم صالح في كتابه “معارك التنويريين والأصوليين في أوروبا”: “لم تكن موازين القوى في فرنسا في القرن الثامن عشر بين الحزب الديني الكاثوليكي، وبين الحزب الفلسفي [فولتير، وروسو، وديدرو] متكافئة على الإطلاق. وأن الفكر إذ لم يجد قاعدة مادية تسنده وتترجمه كمؤسسات راسخة على أرض الواقع، فإنه يتبخر ويزول، وإذا لم يجد طبقة اجتماعية صاعدة تتبناه فإنه يذوي أو يموت في أرضه، فالفكر لا يقف معلقاً في الفراغ”. (ص 189 -191).
ومعنى هذا: 1- أن موازين القوى بين التيار الديني العربي والقوى الليبرالية لم تكن متكافئة، من نواحٍ عدة أهمها المادية، والسياسية، والاجتماعية، والإعلامية.
2- أن التيار الديني العربي، وجد أمامه داعمين ماليين كثيرين، منهم الدول الحاكمة التي كانت تفضِّل التيار الديني على الليبراليين، والمنظمات الاجتماعية المالية، وبعض البنوك، ورجال الأعمال، الذين كانوا يمدون التيار الديني بالمال، والمساعدة.
3- لم يجد التيار الليبرالي من يساعده على ترجمته إلى مؤسسات كمؤسسات المجتمع المدني المختلفة، بينما وجد التيار الديني من يترجمه إلى جمعيات دينية وخيرية… إلخ. ويتيح له المناسبات الوطنية والدينية والصلوات لكي يبث رسالته، ويتواصل مع الناس.
4- كذلك فإن الطبقة الاجتماعية الصاعدة، كانت إلى جانب التيار الديني، لكي لا تُتهم بالكفر، والإلحاد، وترك الدين. وأخيراً، فإن الحقيقة التي يتعامى عنها معظم المراقبين والمحللين السياسيين في العالم العربي، هي أن الشارع العربي عامة شارع ديني وقبلي وتقليدي جداً. وأن التيار الليبرالي ينحصر في فئة قليلة من المثقفين والأكاديميين، الذين لا شعبية عارمة لهم في الشارع العربي، تمكنهم من الفوز الساحق في أي انتخابات نزيهة وشفافة، ونظيفة، خالية من تدخل السلطات، وخالية من التزوير.
* كاتب أردني

تعليقات

اكتب تعليقك