إيران تجيد فن اكتساب العداوات.. فحوي مقالة حسن علي كرم

الوطن

إيران وفن اكتساب العداوات..!!

حسن علي كرم

عادة لاتخرج التصريحات الرسمية للمسؤولين الكويتيين أو الايرانيين عن اطار المجاملة. ووصف علاقة البلدين بانها ممتازة. ويضيفون على هذا «الكليشيه» كليشية أخرى بقولهم حرص البلدين على تطوير العلاقات بما يعزز المصالح المشتركة.. الخ.
علاقة الكويت بإيران في كل المراحل السابقة في عهد الشاه، وفي العهد الحالي بنيت على اساس من التوازن وتجنيب الصدامات هذه السياسة العاقلة والحذرة من الكويت مع الجارة إيران لم تكن لتوجد الا لكون الكويت مدركة ان لا سبيل لتجنب المشاكل مع الجيران الا من خلال التوازن او مسك العصا من الوسط وحتى في اصعب الظروف التي مرت بها المنطقة أبان الحرب العراقية الايرانية حرصت الكويت على بقاء الحد الأدنى من التوازنات فالكويت كدولة صغيرة وفي زاوية ضيقة ومحصورة بين ثلاث دول عملاقة بالنسبة لحجمها ليس من سبيل لعدم اكتساب العداوات الا بتجنب المحاور، ولعل سياسة التوازن وتجنب المحاور أيضاً لم تحم الكويت عن التحرشات والمضايقات بل ومن العدوان المباشر كالغزو العراقي الغاشم.
لقد تجرعت الكويت الكثير من المرارة من الجيران ومازالت واذا كانت قد احتمت بالمظلة الدولية لاسيما مع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا بعد جريمة الغزو العراقي فذلك لانه لا امان ولا ثقة يمكن ان يقيها عن اي عدوان آخر او حتى اقل من ذلك الا من خلال الاحتماء بالمظلة الدولية لذلك فمن يعيب على الكويت وجود القوات الامريكية او البريطانية على اراضيها عليه اولا ضمان امن الكويت من اطماع الجيران ثم يرهف بما شاء..!!
للكويت وإيران حدود مائية مشتركة وهي حدود الجرف القاري وعلى حزام هذه الحدود يوجد حقل غاز نفطي مشترك يفترض ان تكون الدولتان (الكويت وإيران) ومعها الشريك الثالث المملكة العربية السعودية قد انتهت من تحديد هذه الحدود منذ مدة ليست بالقصيرة الا ان مماطلات ومراوغات الجارة ايران قد جعلت من مشكلة الحدود هذه كقصة الف ليلة وليلة ففي كل لقاء او اجتماع بين المسؤولين في البلدين تخرج الينا إيران بقصة جديدة كي تعرقل حسم الحدود وتأجيله حتى فاض الصبر بوزير خارجيتنا السابق الشيخ الدكتور محمد الصباح الذي قال ان الجرف القاري شوكة في خاصرة الكويت. الا ان تفاجئنا إيران وعلى لسان مسؤول نفطي وهو رئيس شركة نفط الجرف القاري الايرانية الحكومية «إن إيران ستطق منفردة مشروع تطوير شامل لحقل (أراس) البحري للغاز في الخليج ما لم تستجب الكويت لعرض تطوير مشترك» لايران %5 من حصة هذا الحقل الذي تطلق عليه الكويت حقل الدرة وباقي الحصة يقع ضمن الجرف القاري الكويتي السعودي. إيران تفرض على الكويت الشراكة في استثمار هذا الحقل في الوقت الذي تراوغ فيه على تحديد الحدود!! فاي فهم او انتاج مشترك للحقل اذا لم يتم تحديد حق كل طرف في الحدود المرسومة اليه فيلتزم بها ثم كيف يتم الاستثمار الثنائي وهناك طرف ثالث شريك في المصلحة؟!!
باعتقادي ان مشكلة إيران ليست مع الكويت بقدر ما يوجد هنالك في الداخل الايراني صراع بين اطراف السلطة ينعكس او يصدر الى الخارج، فإيران الثورة حتى هذه اللحظة رغم مرور مايناهز الثلاثة عقود على نجاحها (الثورة) مازالت تفتقد للقرار المركزي فالسلطات هناك متضاربة وبالتالي القرارات تصدر متضاربة فلا قرار مركزيا هناك ولا سلطة مركزية ولا مرجعية للقرار وفق القرار ممكن ان يتم بسهولة. فعلى قضية الخلاف على الحدود المائية المشتركة الإيرانية الكويتية لوزارة الخارجية الإيرانية رأي ولمجلس الشورى الإيراني رأي مخالف وللحرس الثوري رأي ثالث ولرئيس الجمهورية رأي رابع ولمرشد الثورة رأياً أخيراً.
وعليه فعندما يهدد رئيس شركة نفط الجرف القاري الايرانية محمود زير كجيان زاده بان إيران ستمضي قدماً في جهودها لتطوير حقل أراس (الدرة) من جانب واحد هذا يدل على ان القرار ليس سياسياً يأخذ في الحسبان حسن الجوار وانما قرار انفرادي دون الاعتبار للمشاكل العالقة بين البلدين..!!
إيران قد تستطيع ان تنفذ ارادتها ولكن من المؤكد أننا تستطيع ان تنفذ ارادتها على خلاف رضا الجيران. وتحتفظ في ذات الوقت بالصداقة وبالعلاقة الطبيعية..!!
مشكلة إيران النفطية ليست مع الكويت، فثمة مشاكل حدودية عالقة مع العراق. ومشاكل مماثلة مع الدول المطلة على بحر قزوين (بحر خزر) في الشمال.
من الممكن الوصول الى حل يرضي كافة الاطراف ذات المصلحة بالحقل البحري المشترك (الكويت، السعودية وايران) اذا تلاقت تلك الاطراف على طاولة الحوار. والتفاهم بقلب مفتوح والحرص على عدم المساس بالعلاقة الجوارية دون ماحاجة لرفع سيف التهديد واستعراض العضلات..
الكويت اول من دعا منذ سنوات طويلة الى حل الجرف القاري وايران هي التي كانت تتنصل، فلماذا الآن تذكرت الحقل واخذت تهدد ولماذا القفز على المسألة الاهم وهي تحديد الجرف القاري.؟!!
دبلوماسية إيران.. دبلوماسية الدراويش!!

حسن علي كرم