نسبه التوطين في القطاع المصرفي الإماراتي ادنى من 20% وبعض المصارف لايوجد بها مواطن بقلم علي عبيد

الاقتصاد الآن

1144 مشاهدات 0


كان اتصالاً مفاجئاً ذلك الذي تلقاه الطالب الإماراتي الذي يدرس في الولايات المتحدة الأميركية من إدارة الجامعة التي يدرس في إحدى كلياتها، فقد أخبرته الإدارة أن مسؤولاً من أحد البنوك الأميركية التي لها فروع في دول الخليج سيزور الجامعة، وأنه يرغب في مقابلة الطلبة الخليجيين الذين يدرسون هذا التخصص.
يقول الصديق الذي يروي لنا هذه الحكاية إن أفكاراً كثيرة راودته بعد هذه المكالمة، وإن أغلب تلك الأفكار أخذت منحى سلبياً مرتبطاً بما في عقله الباطن عن الاستعمار والإمبريالية، وما يشاع عن تجنيد الطلبة العرب الذين يدرسون في الخارج، وما إلى ذلك من الشكوك التي يمكن أن تراود شاباً حديث التخرج في منتصف السبعينات من القرن الماضي، يحمل في عقله الكثير من الأفكار ذات الحس الوطني المتأثر بالمد القومي العربي الذي ساد المنطقة إبان الستينات، والذي يمكن أن يؤدي إلى التشكيك في اتصال مثل هذا، مع أنه هو من اختار الدراسة في الولايات المتحدة ولم يفرض عليه ذلك أحد، ورغم هذه الأفكار، ذهب لمقابلة المسؤول الذي زار الجامعة والتقى الطلبة الخليجيين الذين كانوا يدرسون فيها، وقدم لهم عروضاً للعمل في فروع البنك في بلدانهم بعد التخرج، إذا رغبوا في ذلك.
يواصل الصديق الذي يسترجع حكاية مرّ عليها أكثر من ثلاثة عقود حتى الآن، فيقول إنه طوى صفحة تلك المقابلة، ومضى يكمل دراسته، حتى فوجئ في السنة الأخيرة منها باتصال من البنك هذه المرة، يعرض عليه السفر إلى مدينة نيويورك لمقابلة مسؤول آخر هناك، وبمنطق الطالب الذي يودع أيام الدراسة وافق على العرض، خاصة وأن البنك سيتحمل مصاريف السفر والإقامة.
وهكذا سافر إلى نيويورك، حيث قابل المسؤول الذي جدد عرض العمل الذي سبق أن قدمه له المسؤول الذي زار الولاية التي كان يدرس فيها، الأمر الذي يعني أن البنك جاد في عرضه، وأنه لا يفعل هذا من باب الدعاية لنفسه كما يمكن أن يتبادر إلى الذهن.
غادر صديقنا الولايات المتحدة الأميركية، وأكمل إجازته الصيفية في إحدى العواصم الأوروبية، قبل أن يعود إلى أرض الوطن، حيث قرر أن يتصل بالبنك ليختبر جديته، فوجده يعرض عليه العمل فيه فعلًا، هو ومجموعة من أبناء الإمارات الذين كانوا يدرسون في الولايات المتحدة، وقد تضمن العرض إرسالهم إلى إحدى الدول الأوروبية، في دورة للتدرب على العمل المصرفي.
يقول هذا الصديق إنه سأل عن الفائدة التي سيجنيها البنك من الصرف عليهم إذا ما قرروا ترك العمل بعد عودتهم من الدورة، فكانت الإجابة أن هذا الأمر لا يشكل أهمية لدى البنك، إذ يكفيه أن يكون قد ساهم في إعداد بعض أبناء البلد، واستقطابهم للعمل في القطاع المصرفي!
وهذا ما حدث فعلًا، إذ التحق مجموعة منهم بالبنك، وسافروا إلى تلك الدولة الأوروبية، ثم عادوا فتلقوا تدريباً داخلياً في مختلف أقسام البنك الداخلية، وتدرجوا في المناصب الإدارية حتى وصل بعضهم أعلاها، وأصبحوا من أعلام العمل المصرفي في الدولة، وتلقى بعضهم عروضاً مغرية في بنوك أخرى، فانتقل إليها.
سألت الصديق الذي تقاعد بعد سنوات من العمل في القطاع المصرفي عما إذا كان قد اتصل بهم، أو بأحد من الطلبة بعدهم، أيٌّ من المصارف الوطنية أو قدم لهم عرضاً مشابهاً، فكانت إجابته بالنفي المصحوب بابتسامة لها دلالتها. لذلك سقت هذه الحكاية، ليس بغرض الإشادة بالبنك الأجنبي الذي بادر إلى الاستثمار في إعداد بعض العناصر المواطنة للعمل المصرفي، واستقطابهم وهم على مقاعد الدراسة الجامعية، وإنما لأتساءل عما فعلته البنوك الوطنية لاستقطاب هذه العناصر وإعدادها، من باب الإحساس بالمسؤولية الوطنية، وليس لمجرد تحقيق نسبة التوطين المفروضة عليها من الدولة.
ربما يتضح جانب من الإجابة في التصريح الذي أدلى به معالي أحمد حميد الطاير، رئيس لجنة تنمية الموارد البشرية في القطاع المصرفي والمالي، خلال افتتاح المعرض الوطني الثالث عشر للتوظيف في القطاع المصرفي والمالي والحكومي، أواخر شهر فبراير من هذا العام، حين قال إن «نسب التوطين في القطاع المصرفي والمالي لا تزال دون المستهدَف بنسب كثيرة، إذ أن أكثر من 40 صرافة تخلو من المواطنين، وتقل نسبة التوطين لدى ثلث المصارف عن 20%».
وقد أكدت هذا الدراسة التي أعدتها اللجنة ونشرتها أواخر شهر نوفمبر الماضي، حيث أشارت إلى انخفاض عدد المواطنين في البنوك العاملة في الدولة بواقع 305 مواطنين ومواطنات خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، ما أدى إلى تراجع المواطنين بنسبة 0.8%. وأشارت الدراسة إلى أن 914 مواطناً ومواطنة قدموا استقالاتهم من وظائفهم في البنوك خلال الفترة نفسها، لافتة إلى انخفاض عدد المواطنين العاملين في القطاع المصرفي وقطاعات التأمين والصرافة والتمويل بواقع 174 مواطناً ومواطنة، وبنسبة بلغت 1.25%.
ما يحدث في القطاع المصرفي والمالي ليس إلا مثالاً لما يحدث في قطاعات كثيرة، من المفترَض أن يكون لها دور في استقطاب المواطنين وتأهيلهم للعمل فيها، وإن كان هذا لا يقلل من الدور الذي تقوم به بعض المؤسسات في هذا الجانب، لكنه دور يبقى منقوصاً في ظل عدم وجود سياسة عامة تلتزم بها كل المؤسسات الاتحادية والمحلية التي تقع عليها المسؤولية الكبرى في النهوض بهذه المهمة، تماماً مثلما فعل ذلك البنك الأجنبي قبل أكثر من عقود ثلاثة ليستحق منا هذه الشهادة والإشادة، فنحن أولى من الأجنبي بالاستثمار في المواطن، لأن الاستثمار في المواطن استثمار في الوطن.

البيان الإماراتية

تعليقات

اكتب تعليقك