يقظة أميركا تقود حربا ضد اليمين الرجعي الذي يود تكديس الغنى في طبقة صغيرة بقلم روبرت رايش
الاقتصاد الآنديسمبر 14, 2011, 11:08 ص 866 مشاهدات 0
تشهد أميركا حرباً أساسية منذ تأسيسها، بين القوى التقدمية التي تدفعنا إلى الأمام، والقوى الرجعية التي تجرنا إلى الوراء.. ونحن ذاهبون إلى المعركة مرة أخرى.
ويؤمن التقدميون بالانفتاح وتكافؤ الفرص والتسامح، ويفترضون أننا سواسية في كل شيء، فجميعنا يستفيد من الاستثمارات العامة في المدارس، والرعاية الصحية، والبنية التحتية. وجميعنا يعيش حياة أفضل في ظل شبكات أمان قوية، وضوابط معقولة على وول ستريت والشركات التجارية الكبرى، ونظام ضريبة تصاعدي حقيقي. ويشعر التقدميون بالقلق عندما يصبح الأغنياء وأصحاب الامتيازات أقوياء بما يكفي، لتقويض الديمقراطية.
أما الرجعيون فيتخذون المواقف المعاكسة، إذ إن إريك كانتور وبول راين وريك بيري وميشيل باكمان، وغيرهم من منابر اليمين الجمهوري الحالي، ليسوا في حقيقتهم محافظين، وليس هدفهم الحفاظ على ما لدينا، بل إن هدفهم هو أن يجرونا إلى الوراء. يريد هؤلاء أن يعيدونا إلى عشرينات القرن الماضي، أي إلى ما قبل برنامج 'الضمان الاجتماعي'، والتأمين ضد البطالة، وقوانين العمل، والحد الأدنى للأجور، وبرنامجي 'ميدي كير' و'ميديك إيد'، وقوانين سلامة العمال، وقانون حماية البيئة، وقانون غلاس ستيغال، وقانون بورصة الأوراق المالية، وقانون حقوق التصويت.
وفي عشرينات القرن الماضي، كان وول ستريت بلا قيود، فازداد الأغنياء غنى، وغرق الآخرون جميعاً وعميقا في الديون، وأغلقت أميركا أبوابها في وجه المهاجرين.
وبدلا من الحفاظ على الاقتصاد، فإن هؤلاء الرجعيين يريدون إحياء الاقتصاد الكلاسيكي، العائد إلى عشرينات القرن الماضي، والذي كان يرى أن أفضل طريقة لمعالجة الانكماش الاقتصادي، هي الامتناع عن القيام بأي شيء إلى أن يتم تطهير النظام من الـ'عفن' (وهو ما قاله أندرو ميلون، وزير خزانة الرئيس الأميركي الأسبق هربرت هوفر، على نحو محتشم).
وفي الحقيقة، لو كان الأمر بيدهم لعادوا بنا إلى أواخر القرن التاسع عشر، أي ما قبل ضريبة الدخل الفيدرالية، وقوانين مكافحة الاحتكار، وقانون الغذاء والدواء النظيفين، والاحتياطي الفيدرالي. وهو الوقت الذي كان فيه البارونات اللصوص، وهم جبابرة السكك الحديدية والمال والنفط، يديرون البلاد. وهو زمن البؤس الموجع للأكثرية، والثروة المذهبة للعقل، للأقلية.
ولو أصغينا بعناية إلى اليمين الجمهوري الحالي، فإننا سنسمع الداروينية الاجتماعية نفسها، التي كان الأميركيون يجبرون على ابتلاعها منذ أكثر من قرن من الزمان، لتبرير صفاقة الظلم الاجتماعي في العصر الذهبي، وهي سياسة 'البقاء للأصلح'. فلا تساعدوا الفقراء أو العاطلين عن العمل أو أي شخص يمر بأوقات عصيبة، كما يقولون، لأن ذلك لن يؤدي إلا إلى التشجيع على الكسل، ولن تكون أميركا قوية، إلا إذا قمنا بمكافأة الأغنياء ومعاقبة المحتاجين.
لقد عاضد اليمين الرجعي السلطة ببطء، على مدى العقود الثلاثة الماضية، مع تكدس الدخل والثروة في الطبقة العليا. وفي أواخر سبعينات القرن الماضي، حصل أغنى 1% من الأميركيين على 9% من إجمالي الدخل، واستولوا على 18% من ثروات البلاد، وبحلول عام 2007، كانوا يملكون أكثر من 23% من إجمالي الدخل و35% من ثروات أميركا. وقد كان دخل المدراء التنفيذيين في سبعينات القرن الماضي، يفوق أجر العامل العادي بأربعين ضعفاً، أما اليوم فهو يفوق أجور العمال النموذجية بـ300 ضعف.
وقد أفضى تركز الدخل والثروة، إلى توليد ثقل سياسي عمل على تحرير وول ستريت من أي قيد، وخفض معدلات الضرائب العليا إلى النصف. كما مول ما يسمى بحركة حزب الشاي، واستحوذ على مجلس النواب والعديد من حكومات الولايات. وعبر سلسلة من التعيينات الرئاسية، تمكن أيضا من الاستحواذ على المحكمة العليا.
ويزعم كل من سكاليا وأليتو وتوماس وروبرتس (وفي كثير من الأحيان، كيندي)، أنهم فقهاء محافظون، إلا أنهم نشطاء قضائيون عازمون على إنهاء 75 عاما من الفقه، من خلال إعادة إحياء حقوق الولايات، والتعامل مع التعديل الثاني وكأن أميركا لا تزال تعتمد على الميليشيات المحلية، وتضييق شرط التجارة، وتسمية المال بـ'الخطاب' والشركات بـ'الشعب'.
بيد أن منحنى التاريخ الأميركي العظيم يكشف عن نمط لا لبس فيه، وهو أنه في كل مرة يتآمر فيها الامتياز والسلطة لجرنا إلى الوراء، فإن الشعب الأميركي يحتشد في نهاية المطاف ويسير إلى الأمام. وقد يتطلب الأمر، في بعض الأحيان، حدوث صدمة اقتصادية، مثل انفجار فقاعة مضاربة عملاقة، وفي أحيان أخرى، قد نصل ببساطة إلى نقطة تحول، تتحول عندها إحباطات الأميركيين العاديين إلى ردة فعل.
دعونا نلقي نظرة على الإصلاحات التقدمية في الفترة ما بين عامي 1900 و1916، وعلى 'النهج الجديد' في ثلاثينات القرن العشرين، وعلى النضال من أجل الحقوق المدنية في خمسينات وستينات القرن الماضي أيضا، وعلى توسيع الفرص للنساء والأقليات وذوي الاحتياجات الخاصة، والإصلاحات البيئية في سبعينات ذلك القرن.
في كل مرحلة من تلك المراحل، عملت القوى التقدمية على تجديد المثل التقدمية التي بنيت أميركا على أساسها، وكانت النتيجة إجراء إصلاح أساسي.
ولعل ذلك هو ما يشرع في الحدوث حالياً مرة أخرى، وفي جميع أنحاء أميركا.
تعليقات