عن المخاوف من 'دينية' دولة تونس- يكتب الزيد

زاوية الكتاب

الجميع ينتظر ويترقب إدارة حزب النهضة للحكومة الجديدة

كتب 1399 مشاهدات 0

رجب اردوغان وراشد الغنوشي

تونس النموذج ( ٢ )
 

زايد الزيد

بسبب استحواذ حزب النهضة على العدد الأكبر من مقاعد البرلمان مقارنة بحصص الأحزاب الأخرى ، ولأن حزب النهضة حزب ذو صبغة اسلامية ، فإن التخوف من تحويل تونس إلى دولة دينية ، جاء من عدة اتجاهات، في الخارج والداخل ، فالخارج يخشى دائما من تصدير  الارهاب ، أما تخوفات الداخل التونسي ، وهواجسه من الدولة الدينية ، فكثيرة ومتعددة ، اهمها الخوف من الانقضاض على الحريات العامة والخاصة وبالتالي تبددها او تلاشيها على ارض الواقع ، وكذلك الخوف من اقصاء الأغلبية للأقلية من كل مواقع الشأن العام في الدولة ، حدث هذا في سودان البشير ، وفي ايران الاسلامية وفي دولة طالبان الأفغانية !

لكن المطلع على أدبيات حزب النهضة منذ ان كان يسمى في السابق ' حركة الاتجاه الاسلامي ' ، يرى أن الفقهين الاجتماعي والسياسي متقدمان جدا في اطروحات الحزب ، فالتركيز في المحاولات التجديدية في الفقهين السياسي والاجتماعي للحزب دائما تنصب على مقاصد الشريعة ، كما انه اكثر الأحزاب الاسلامية  بعدا عن المدرسة الظاهرية ( النصية ) ، ان لم يكن منبت الصلة عنها تماما ، وهي المدرسية التي تصيغ الأحكام وفق ظواهر النصوص ، وليس وفق معانيها أو مقاصدها أو أهدافها ، وبرأيي المتواضع ان هذه المدرسة ( المدرسة الظاهرية ) ساهمت بتأخير حركة الاجتهاد في الفقه الاسلامي الى درجة اوصلته للجمود ، ذلك ان معظم الحركات والأحزاب الاسلامية السياسية المعاصرة متأثرة بالمدرسة الظاهرية ، وان بأشكال متفاوتة ، بينما حركة الاتجاه الاسلامي والتي أصبحت لاحقا حزب النهضة ، كانت استثناء من هذا الجمود !

لذلك ليس غريبا أبدا أن تجد التلازم بين تجربة حزب العدالة والتنمية التركي في الحكم ، وبين تأثر هذا الحزب بكتب الشيخ راشد الغنوشي ، يبلغ حدا كبيرا ! لذا فربما القلة في العالم العربي تعرف ان كتب الشيخ الغنوشي تترجم بشغف إلى اللغة التركية ، حيث شهدت منذ سنوات  ولاتزال تشهد رواجا كبيرا في أوساط النخبة التركية وعامتها على حد سواء ، واذا وضعنا نصب أعيننا نتاج تجربة حزب العدالة والتنمية على الأرض التركية ، بعد ان تسلمت فيها ادارة الدولة ، واذا علمنا ان زعيم حزب العدالة والتنمية طيب رجب اردوغان شخصيا  متأثر إلى حد بعيد باطروحات الشيخ الغنوشي ، وخاصة ما يتصل منها بالفقهين السياسي والاجتماعي ،  اذا وضعنا في الاعتبار كل ماسبق ، وأضفنا إليها التطمينات التي بشر بها الغنوشي المجتمع التونسي ' بعد ' ظهور النتائج ، والخطوات العملية التي اتخذها الحزب في التشاور مع الفرقاء السياسيين ، بغرض تشكيل حكومة ائتلافية لبناء البلد الذي أنهكه الاستبداد والفساد ، ربما جاز لنا أن نتوقع كيف سيكون عليه شكل الدولة التونسية ، ان استمر حزب النهضة في تسلم ادارتها في المرحلة المقبلة ، أو كان على الأقل شريكا مؤثرا في ادارتها .

أيضا لايمكن التقليل أبدا من مسألة ابتعاد الشيخ الغنوشي عن الترشح في الانتخابات التشريعية ، وهو مايعني حكما ، ابتعاده عن قيادة دفة  الحكومة ، وايضا اعلانه عدم ترشحه لانتخابات الرئاسة ، واصراره على تكرار القول : ان الثورة كانت من عمل الشباب ، وان ادارة الدولة يجب ان تكون من حق الشباب ايضا وبيدهم ! كما لايمكن أيضا التقليل أبدا من مسألة اعتبرها في غاية الأهمية ، وهي غياب روح الانتقام والتشفي في خطابات أعضاء حزب النهضة وفي مسلكياتهم ، من كل مايرمز إلى المرحلة السابقة برمتها ، بسياسييها ومؤسساتها ، رغم الظلم الذي حاق بكل كوادر الحزب من قتل وتعذيب وتشريد وتشويه للسمعة ومحاربة في الرزق بحرمانهم من الحصول على أعمال تؤمن لهم لقمة العيش ، طيلة العقود الثلاثة الماضية !

اليوم ، الكل يتطلع بشغف لتونس الجديدة ، والبعض يأمل نجاح اسلامييها في تقديم انموذجا للحكم الرشيد ، والبعض الآخر يتمنى فشلهم ، ولكن السياسة وادارة الدول لاتقاس بالتمنيات والآمال ، والاسلاميون في تونس امام تجربة ليست بالهينة ، وربما ستكون رائدة في المنطقة ، والجميع ينتظر ويترقب ..

النهار- مقال يفرض نفسه

تعليقات

اكتب تعليقك