أن ما يجري الآن يقود البلاد الى ضغوط تضخمية من شأنها التأثير سلبا على المستوى المعيشي براي الدكتور عباس المجرن

الاقتصاد الآن

399 مشاهدات 0


الأهداف الاستراتيجية لخطة التنمية هي زيادة الناتج المحلي، وتحفيز القطاع الخاص بما يمكنه في نهاية المطاف من قيادة قاطرة النمو الاقتصادي، وتحقيق التنمية البشرية وتوفير فرص العمل المنتجة، وتوسيع مجالات البحث العلمي والتطوير التقني وتحسين مستوى وفعالية الإدارة الحكومية، وترسيخ مقومات المجتمع الصالح، كل هذه الأهداف الطموحة في اتجاه والسياسات العامة الراهنة وما يجري على أرض الواقع في اتجاه آخر.

اللجنة الاستشارية لبحث التطورات الاقتصادية، التي كلفها صاحب السمو في منتصف شهر أغسطس الماضي تقديم مقترحات تقود الى اعتماد حزمة من الاجراءات تكفل تصحيح مسار الموازنة العامة للدولة، وتفعيل دور القطاع الخاص في تحمل مسؤولياته في المساهمة الفاعلة في النشاط الاقتصادي ومعالجة سائر الاختلالات التي تعوق الاقتصاد الوطني، وهي الاختلالات التي باتت كما قال سموه «تشكل عبئا ثقيلا وهاجسا حقيقيا يهدد مستقبل البلاد وقدرتها على تنفيذ برامجها ومواجهة التزاماتها المالية المختلفة»، هذه اللجنة الاستشارية أنجزت عملها في أجواء لا تحسد عليها، اصطدمت خلالها بصخرة سياسات عامة ترسخ كل يوم المزيد من الاختلالات في الموازنة العامة والمزيد من اضعاف الدور الاقتصادي للقطاع الخاص.

في كلمته، التي تفضل بها في افتتاح اعمال هذه اللجنة الاستشارية، والتي تضمنت تشخيصا واعيا للأسباب التي أدت الى انحراف المسيرة الاقتصادية للبلاد، حذر صاحب السمو من الظواهر السلبية المعززة لتلك الاختلالات، وفي مقدمتها «سوء استغلال الفوائض المالية وعدم استثمارها في الوجهة الصحيحة»، و»استمرار مظاهر الهدر الاستهلاكي غير المسؤول والإفراط في زيادة الإنفاق الجاري غير المنتج»، ولكن ما يجري على أرض الواقع يعزز انحراف المسيرة ويهدد مستقبل الاقتصاد الوطني، بل ومستقبل الكويت برمته من تداعيات لا يعلم نهاياتها إلا الله.

في مناقشات عدة مع أصدقاء متابعين للشأن العام، رأى بعضهم أن السياسات العامة الراهنة قد يكون من بين أهدافها استخدام الموازنة العامة قناة لاعادة توزيع الثروة النفطية، من خلال زيادة الانفاق على بند الرواتب والأجور والمزايا الوظيفية التي بلغت نسبتها في أحدث ميزانية عامة معلنة 65 في المئة من جملة المصروفات (الباب الأول والخامس) وهي مصروفات يذهب جانب منها الى موظفين ذوي انتاجية متدنية بسبب ما يعانيه القطاع العام من بطالة مقنعة، بينما رأى آخرون أن زيادة الإنفاق الجاري على البابين الأول والخامس قد تكون مقدمة لسياسات ترشيدية تزمع الحكومة إطلاقها قريبا، وتتضمن خفض الدعم والإعانات التي تقدمها الدولة للعديد من السلع والخدمات، وفرض ضرائب على الدخل وأخرى على القيمة المضافة، وتكون الدولة بذلك قد استعادت باليد اليسرى ما أنفقته باليد اليمنى على الكوادر الوظيفية المستحدثة، وعلى الزيادات في الرواتب والعلاوات.

تبقى كل هذه تكهنات، أما الحقائق الراسخة التي لا تقبل الجدل فهي ثلاث، الأولى: أن ما يجري الآن يقود البلاد الى ضغوط تضخمية من شأنها التأثير سلبا على المستوى المعيشي للعاملين في القطاع الخاص، مما يخلق ضغوطا بالتتابع على هذا القطاع لرفع الأجور فتزيد تكاليفه وتقل قدرته التنافسية، ومن ثم يضعف دوره في النشاط الاقتصادي، والحقيقة الثانية أن القطاع الحكومي والعام سيصبح – وهو حقا كذلك – أكثر جاذبية للخريجين الجدد، ومن ثم زيادة عزوفهم عن العمل في القطاع الخاص، أما الحقيقة الثالثة فهي أن البلاد قد تواجه معضلة في توفير المخصصات اللازمة لاستمرار الانفاق على بنود الموازنة العامة، وفي مقدمتها الأجور والمرتبات إذا ما ترتب على أزمة اقتصادية عالمية مقبلة انخفاض حاد في سعر النفط. وفي ظل أي من تلك الحقائق الثلاث مجتمعة أو على حدة فإن الكويت تكون في واد والأهداف الاستراتيجية لخطة التنمية في واد آخر.

الآن - جريدة الجريده

تعليقات

اكتب تعليقك