التقنيات التي تعين الموظف المجمد على حماية نفسه وسمعته ومصدر رزقه حسب نصائح سعيد العضاضي

الاقتصاد الآن

423 مشاهدات 0


تطرقت في سلسلة مقالات سابقة إلى الوضع الإداري للمؤسسات العربية التي توصف في أغلبها بالمنظمات المحبطة القاتلة للإبداع والخانقة للمواهب. ففي المقال الأول بينت طريقة المنظمات العربية في إدارتها لموظفيها وبعدها المتعمد عن تطبيق الإدارة العلمية. وفي المقال الذي يليه عرضت أبرز ملامح المؤسسات العربية، ومنها شعور موظفيها بالغربة وأخذها شكل المنظمات المغلقة. وفي مقال ثالث عرضت بعض الآليات التي قد تعين الموظفين الذين يعلمون في هذه البيئات المحبطة، وقد قسمت ذلك إلى ثلاث مراحل: الأولى الانتقال إلى بيئة تحترم العقول والنفوس، فإن لم يستطع الموظف إلى ذلك سبيلا فليحاول التقاعد المبكر، فإن عجز فليأخذ على عاتقه مهمة الإصلاح وهذه مهمة قد تكلفة الكثير.


وفي هذا المقال أريد أن أخطو خطوة إلى الأمام وأبين وجهة نظري حيال التقنيات التي ينبغي على الموظف إتقانها إذا عجز عن النقل، أو التقاعد، أو الإصلاح، ولم يكن أمامه بديل سوى البقاء في عمله والرضا بما قسم الله له.


أقول - وبالله التوفيق - إن لم يستطع الموظف الابتعاد عن البيئة التي يعمل فيها فما عليه سوى التكيف مع الأوضاع المحيطة وقبول البيئة التنظيمية للمؤسسة التي يعمل فيها بكل عثراتها وسلبياتها، ولكن عليه أن يجيد عددا من التقنيات التي تعينه على حماية نفسه وسمعته ومصدر رزقه.


إن أول وأهم تقنية في رأيي للتكيف والعيش بسلام في أحضان المؤسسات المحبطة هو استثمار هالة الغموض. فعليك أن تحاول جاهدا أن تحيط نفسك بهالة من الغموض. فالغموض في هذه البيئات يعد قوة وهيبة، فلا تصرح بأهدافك الحقيقية، فمعرفة أهدافك ستكشف نمط شخصيتك وتكشف أسرارك ويمكن بعدها التنبؤ بسلوكك الوظيفي. والشخصية الغامضة في البيئات المحبطة ترسل رسالة إلى القيادة مفادها أنني زاهد فيما عندكم، وما بقائي بينكم إلا لحاجة في النفس يصعب عليكم معرفتها.

هالة الغموض هذه التي تصطنعها ستجعل رؤساءك في حالة من التعجب عن شخصيتك وقدراتك ودرجة ولائك، وهذه وإن كانت مقلقة بعض الشيء إلا أنها ستكسبك القوة ومهابة الجانب، خصوصا أنك تعلم أن رؤساءك في الأصل لا يثقون بك، ووجودك بينهم غير مرحب به، فمن الأفضل أن تكون قويا حتى يخشى جانبك من أن تكون ضعيفا فيطمع فيك وتكون كبش فداء. فالقيادات الشاذة - التي تتكاثر عادة في المنظمات المحبطة - تنال من صغار الموظفين وضُعفائهم من أجل إرهاب الأقوياء منهم. حاول أن تكون شخصية غامضة، فلا تعبر عما يجول في داخلك، وإن حاول أحد اجترارك إلى حديث قد يوضح معالم شخصيتك فعوض ذلك بابتسامة هادئة لا معنى لها ولا طعم فيها.

ولكي نفهم آلية تقمص الشخصية الغامضة في قطاع الأعمال سوف نستعين بالمثال الذي ضربه لنا ''كوهين'' صاحب فكرة الغموض الوظيفي. لقد شبه ''كوهين'' الغموض الوظيفي بالعروض السحرية التي يقوم بها البعض على خشبة المسرح. في هذه العروض يقوم الساحر بأداء بعض الحيل السحرية ما بين حيل كبيرة - كأن يجعل فيلا يختفي - أو حيل بسيطة وسهلة كإخفاء أوراق اللعب أو العملات. المهم هناء ليس حجم الحيلة بل الطريقة التي أديت بها، أو بمعنى أدق السر الذي يكمن وراء هذه الألاعيب. ولهذا فهم لا يخبروننا أبدا بطريقة أدائهم تلك الحيل، لأنهم يعلمون أنهم إن فعلوا فسيفقدون الهالة التي تحيط بهم. وكلنا نعرف أنهم ليسوا سحرة وكل ما يقومون به هو مجرد خداع لأبصارنا ولكن هذا لا يهم، فالمهم أنهم يستطيعون أن يقوموا بأعمال لا نستطيع نحن القيام بها، وهذا سر إعجابنا بهم والانبهار بعملهم. وهذا بالضبط ما نريد أن نمارسه في أعمالنا لتقمص الشخصية الغامضة في القطاعات المحبطة.

حاول أن تطبق مثل هذه الألاعيب التي بينها ''كوهين'' في المثال السابق، بمعنى اصطنع الألاعيب والأراجيف في البيئة المحبطة التي تعمل فيها، وحط أعمالك بهالة من الغموض. فعلى سبيل المثال لو طلبت الإدارة من موظفيها تطوير استراتيجية تسويقية فهذا عمل ضخم يحتاج إلى شهور من البحث والعصف الذهني. وكانت لديك استراتيجية قديمة مماثلة، فما عليك في هذه الحالة سوى أن تتعهد بإنجاز المطلوب في وقت قياسي، ولكن عليك أن تطلب المقابل، فالعمل التطوعي في البيئات المحبطة لا وجود له. وبعد أسابيع معدودة قدم مشروعك بكل ثقة، وليس هناك ما يدعو إلى أن تخبر من حولك بأن ما فعلته هو مجرد تحديث لاستراتيجية قديمة كنت قد أنهيتها قبل عدة سنوات. فبمجرد تقديم الاستراتيجية في وقت وجيز ستبهر من حولك، ومن تجرأ على أن يسألك عن سر تألقك فأرسل له ابتسامتك المعهودة، وكأنك تقول له لا تسألني ما ليس لك به علم، فالأمر أكبر منك. أليس عملا كهذا أشبه بالعروض السحرية التي يخدع السحرة بها أبصارنا على خشبة المسرح، فنتعجب منهم ويبهرنا صنيعهم؟ إن معرفة الناس سر أي عمل خارق تقوم به يفقد إعجابهم بك، كما أن تقدير الناس بأن في استطاعتهم أن يقوموا بما تقوم به يفقدك هالة الغموض التي تغطي نفسك بها، وبذا يقل انبهارهم بك وتفقد قوتك في بيئة لا تعترف إلا بالقوة.

الآن - الاقتصادية السعودية

تعليقات

اكتب تعليقك