خالد الحميدي بعد ان عدد أسبقية كتب الاقتصاد الاسلامي يطالب ان يدرس هذا الاقتصاد في الجامعات
الاقتصاد الآنأكتوبر 14, 2011, 6:17 م 442 مشاهدات 0
بيَّنت في المقال السابق أن الاقتصاد الإسلامي ليس علماً، بل مذهباً يتصف بالواقعية والأخلاقية، ويهدف إلى تحقيق العدالة. ويرتكز هذا المذهب على: مجموعة الأصول العامة والأحكام الثابتة المستخرجة من القرآن الكريم والسُنّة النبوية، وتجارب وأقوال السلف وما وثقوه في مصادرهم من شروحات. كما أن لـ 'منطقة الفراغ' في التشريع، التي بيَّنتها في مقال سابق، التي تركها الشارع لأرباب الاجتهاد، تضمن، على قاعدة الأصول والأحكام، صياغة الحلول الملائمة لكل بيئة وكل عصر.. هذا الاقتصاد سيبقى يُعاند حتى يعود لمكانته، بعد غياب لم يكن لقصور في أصالته بل لقصور في قدرات أبنائه.
فالمسلمون، على مرّ التاريخ، اهتموا بالاقتصاد، وألّفوا فيه المؤلفات، وأضافوا الإضافات القيِّمة، فكانوا السبَّاقين، في تأسيس 'مذهب اقتصادي' أسس لعلم الاقتصاد، من خلال تأصيل 'مبادئ اقتصاد إسلامي' متميّز ومتفرّد، يصلح لكل زمان ومكان.
ويمكن هنا ذكر بعض الأَعْلاَم: كأبي يوسف (182هـ)، الذي كان أول من وضع القواعد والمبادئ المنظمة لمالية الدولة في كتابه 'الخراج'، الذي أصبح دستوراً لكل من أراد أن يدرس علم المالية. ومحمد الشيباني (189هـ)، الذي كان أول من عالج جزئيات وكليات موارد 'الكسب' بالتصنيف. ويحيى القرشي (203هـ)، الذي اعتبر كتابه 'الخراج' ديواناً من دواوين الاقتصاد الإسلامي، عالج فيه كافة الموضوعات المالية المتعلقة بالمسلم وبغير المسلم. وابن سلَّام (224هـ) الذي يُعتبر كتابه 'الأموال' مما لم يؤلَّف مثله في بابه، فكان، ولا يزال، مرجعاً في كل ما يتعلق بالنظام المالي في الإسلام، ويكفي أنه حسم فيه أن الشريعة الإسلامية قد قرَّرت مبدأ قيام الدولة بالمشروعات والمرافق العامة، هذا المبدأ الذي تفاوتت آراء علماء الاقتصاد الحديث في مدى صحته حتى انتهت إلى إقراره، ولكن، بعد أكثر من عشرة قرون! والجاحظ البصري (255هـ) في كتابه الفريد 'التبصرة في التجارة'، بيَّن فيه القيمة الحقيقية للتجارة، وكيفية التمييز بين أحسن السلع وأردئها، وفيه عظيم النفع سواء للتاجر أو المستهلك. ويحيى الأندلسي (289هـ) في كتابه: 'أحكام السوق'، الذي اشتمل على أخبار القيم الاجتماعية والاقتصادية في إفريقيا والأندلس. وأبو الفضل جعفر الدمشقي 'أبو الاقتصاد العربي'، الذي عاش في القرنين الخامس والسادس الهجريين، في كتابه 'الإشارة إلى محاسن التجارة' الذي تناول فيه العديد من المسائل الاقتصادية، مثل: مبدأ تقسيم العمل، والمقايضة وعيوبها، وأسباب نشوء العملة وضرورتها، وطرق تكوين رأس المال، وقانون العرض والطلب.. وهذا الكتاب تُرجم إلى الألمانية، ويصفه الدكتور قبلان كيروز بأنه: 'الدراسة الوحيدة في أصول مهنة التجارة، والوحيد الذي عني فيه صاحبه بالشأن الاقتصادي، كشأن قائم بذاته'، فكان الدمشقي المفكر الاقتصادي المسلم الذي تناول مسائل اقتصادية رئيسية بمنهج علمي واضح، قبل أن يولد 'آدم سميث' المعروف بأبي الاقتصاد، وبما يقرب من ستة قرون! وكان لتقي الدين المقريزي (845هـ)، اهتمام بالمشكلات الاقتصادية، خاصة تاريخ المجاعات في مصر وأسبابها، وبَيَّنَ قيمة النحاس، كنقد حلَّ محل الذهب والفضة لارتفاع أثمانهما. أما ابن خلدون (808هـ)، فقد أثبتت آراؤه التي دونها في 'المقدمة'، أنه سبق غيره في مسائل عديدة تتصل بالاقتصاد، وقد شهد له الغربيون بذلك، فقد سبق العلامة الألماني 'فردريك ليست'، في أن الدولة تمر بأدوار، أو دورات اقتصادية مختلفة، كما عرض لنظرية الاقتصاد الحر، وكذلك، لمشكلة السُكّان، قبل أن يعرف العالم نظرية 'مالتوس' بعدة قرون.
وغيرهم كُثر، كالماوردي (450هـ) في 'الأحكام السلطانية'، وابن تيمية (728هـ) في مؤلفاته المتنوعة.. عرضوا في مؤلفاتهم ومصنفاتهم، ما يؤكد وجود 'مذهب اقتصادي إسلامي'، من منطلق الفكر الإسلامي ذاته، وقد سبق بعضهم، في كثير من الجوانب، النظريات الحديثة في الاقتصاد.
أردت من هذا المقال أن أسأل: لماذا أغلبية الجامعات العربية، تعتمد على آراء الغربيين، القدامى والمحدثين، وكذلك على آراء المستشرقين، في تدريس مادة الاقتصاد؟ أليس من العار أن يُدرَّس اقتصادنا في جامعات أوروبا وأمريكا، بينما نتجاهله نحن؟ ولو دُرِّس في جامعاتنا لما قامت شبهة اتهام الإسلام بالقصور في المجال الاقتصادي. ليس من العيب أن ندرس النظريات الغربية، فالفكر الإسلامي، فكر منفتح وليس منغلقاً، ومن المفترض أن يقف أي عَالم على سائر ألوان الفكر، بغض النظر عن مصادره واتجاهاته، لنقده، أو الاستفادة منه، ولإجراء الدراسات المقارنة بين هذا الفكر وذاك، ليعرف الناس قيمة تراثنا، خاصة في العلوم التي تتصل بوجودنا، كالتشريعات بشتى فروعها، ولكن، العيب في أن يكون ذلك على حساب تجاهلنا لتراثنا القيِّم في شتى العلوم الذي نهل منه الأوروبيون، غربيون وشرقيون، وزيَّن أرفف مكتباتهم!
تعليقات