شيعة الكويت:

زاوية الكتاب

بين التحالفات السياسية والحقوق المدنية

كتب 4172 مشاهدات 0


الأقليات في أي بقعة من العالم تحركها جملة من الديناميكيات التي قد تنفصل عما يحرك الأغلبية، وهذه القاعدة تكون أكثر صحة وواقعية في الأنظمة الشمولية وغير الديمقراطية، بحيث تنمو عكسيا مع اتساع هامش الحريات وتساوي الفرص بين المواطنين.

وقد لا يقتصر القمع والتهميش على أجهزة الدولة أو توجهات السلطة، فهنالك ما هو أسوأ من ذلك، وهو القمع المؤصل اجتماعيا من خلال وجود صور نمطية سلبية لدى أغلبية ما –أو أصحاب الصوت العالي فيها- في بقعة معينة تجاه الأقلية، تنعكس في صورة اقصاء مبرر ومقنن يستهدف الحريات المدنية والدينية للاقليات في ظل خطاب مفعم بالكراهية والتخوين ينتج حالة تضطر فيها الأقليات لاثبات حسن السير والسلوك عند أي مباشرة للشأن العام أو  أي محاولة لكسب مساحات أكبر من الحريات الخاصة بالأقلية نفسها، والأمثلة كثيرة للتدليل على ذلك، فألمانيا النازية قامت على نظام انتخابي اشتمل على الاقتراع العام الحر والشفاف، ولكنه أنتج نظاما ومجتمعا أنتج أحد أبشع الفظاعات في تاريخ البشرية ضد الأقليات في الوطن نفسه وضد الشعوب الأخرى.
هذه الحقيقة لها تطبيقات واقعية في الساحة الكويتية، فعلى الرغم من التطور النوعي الذي اشتهر به المجتمع الكويتي وخصوصا على الجانب السياسي، الا أن الأقلية المذهبية كانت ولازالت تعاني من شعور عميق بالغبن والتمييز وصل درجة عالية في بعض المفاصل التاريخية، وعبرت عنه هذه الأقلية على استحياء في لحظات معينة، وبصخب شديد في لحظات أخرى.

في محاولتهم للامتزاج في النسيج العام للدولة والمجتمع، كان الشيعة أمام خيارات تتعلق بالجهة التي يجب التحالف معها لتحقيق أعلى درجات المواطنة والسلم الاجتماعي، فكانت أن مالت الكفة تجاه السلطة ابتداء، باعتبار توفير السلطة وتكفلها بالحد الأدنى من الأجواء الراعية لممارسة الطقوس الدينية الخاصة بالطائفة، بالاضافة لافساح المجال للازدهار الاقتصادي لدى الطبقة الثرية في الطائفة، وزد على ذلك الالتباس السلبي الذي ميز نظرة بعض القوى الاجتماعية التي سعت لتطوير الحياة السياسية في الكويت بالشيعة عموما وذوي الأصول الفارسية منهم خصوصا، ولكن هذا التحالف مع السلطة شهد انقلابا كبيرا مع تحول بعض القوى الشيعية الفاعلة لصفوف المعارضة في ظروف معينة، وما لبثت هذه القوى نفسها أن أعادت تموضعها في يمين السلطة مسترجعة أواصر التحالف التاريخي مع الحكم ورموزه في ظل أزمة التأبين وتوابعها.

العنصر الغائب أو المغيب في خضم الحراك السياسي للطائفة كان ولازال في النتائج العملية التي ترتبت على تحالفات الحركات السياسية الشيعية سواء مع السلطة أو المعارضة، والنقاش هنا يتعدى مسألة توزير شخص هنا أو تعيين شخص هناك، فالأسئلة لازالت مطروحة حول ترسيخ ثقافة المواطنة التي تكرس الحقوق المدنية للأفراد والجماعات، فالكثير من جمهور الشيعة يتساءل عن ماهية النتائج التي يمكن للمواطن البسيط تلمسها من مجمل الفعل السياسي الشيعي، فلازالت التعيينات تتم ضمن إطار الترضيات والتحالفات الآنية حتى بات تعيين وزير شيعي أو اثنين بحد أقصى من لوازم التشكيل الحكومي لا لاعتبارات الكفاءة بل لضرورات شكلية محضة، ولازالت أمور بسيطة استخراج ترخيص لمسجد شيعي في أي منطقة من مناطق الكويت مسألة عويصة يعلمها تماما كل من قام باستخراج ترخيص كهذا أو من لازال ينتظر دوره.

لقد آن الأوان لمراجعة شاملة للمسيرة السياسية للطائفة، مراجعة لا تهدف خلق حالة من العزل أو تكريس تقسيماتنا الطائفية بكل إرثها التعيس، بل تستهدف ترشيد الممارسة السياسية لشريحة مهمة من شرائح المجتمع الكويتي، لتساهم مع بقية الشرائح في خلق حالة من المواطنة الصالحة يكون قاسمها الشعور بالانتماء والمساواة، وبدونها سنكمل الدوران في حلقاتنا المفرغة والملونة بالتعصب والكراهية .. والتخوين!   
 
 
د. سليمان ابراهيم الخضاري
طبيب وأستاذ جامعي كويتي

 

الآن - كتب: د.سليمان الخضاري

تعليقات

اكتب تعليقك