الرشوة ليست جديدة في العمل السياسي، بل المشكلة برأى خالد القحص أنه استقر في يقين الحكومة ان لكل انسان سعراً

زاوية الكتاب

كتب 684 مشاهدات 0


الوطن


هل لكل انسان سعر؟!

د.خالد القحص


الخبر الذي نشرته الزميلة القبس على صدر صفحتها الأولى في عددها الصادر يوم السبت الماضي، والمتعلق بوجود معلومات متواترة عن «مبالغ دفعت لنواب بالملايين، وصل بعضها (نقداً) الى مصارف احتارت في كيفية التعاطي مع هذه الأموال التي تدخل حسابات نواب أو مقربين منهم، وهي لا تمت لمداخيلهم المعتادة بصلة. حتى ان أحد النواب تراكمت في حسابه مبالغ وصلت الى 17 مليون دينار، وآخر جمع نحو 8 ملايين في أيام قليلة»، هذا الخبر حرك المياه المتحركة أصلاً في المشهد السياسي الكويتي، وبل المجتمع الكويتي ككل. وبدأت بفتح (أو اعادة فتح) موضوع الفساد السياسي في العمل البرلماني الكويتي، ومدى تأثير المال السياسي على المؤسسة التشريعية، وعلى نوابها، وعلى (وهذا هو الأهم) مواقفهم تحت قبة البرلمان، خاصة ونحن نرى أداء ومواقف تثير الريبة والشك، وربما الامتعاض، خاصة مع تحول البرلمان الى ادارة ملحقة بمجلس الوزراء.
الرشوة – بزعمي – في المشهد السياسي ليست بجديدة، بل ربما صاحب وجودها وجود العمل السياسي نفسه بالكويت. ليست هذه المشكلة، ولكن المشكلة بنظري هي في استشرائها بصورة يجعلها القاعدة، وبتكرار ممجوج، والمشكلة هي في سكوت المجتمع، مؤسسات وأفراداً، عنه، والمشكلة ان الفقير يرتشي والغني يرتشي. المشكلة باختصار أنه غدا ثقافة مجتمعية مسيطرة في الفترة الحالية، واستقر في يقين الحكومة ان لكل انسان سعراً، وهذه مسألة خطيرة، تتجاوز الموقف الفردي، والذي يتعلق بشخص يدفع وآخر يقبض، لتصبح مؤشراً على الفساد الذي يلقي بظلاله على المجتمع، ويكون ارهاصة لما ستؤول اليه الأمور، والتي لن تكون أفضل – بطبيعة الحال.
ولقد كتبت مقالاً في منتصف شهر يوليو الماضي بعنوان «وشروه بثمن بخس» أتحدث فيه عن ظاهرة شراء ذمم الأفراد، وقلت فيما قلت».. انه من الخطورة بمكان ان يسمح المجتمع –أي مجتمع– «بتسليع» البشر، أي بجعل الانسان سلعة تباع وتشترى، كما يشتري أحدنا حذاءه. هذا هو سوق النخاسة الجديد... ولا تظنوا ان الأمر مقصور على الفقراء حين يبيعون ذممهم، ومبادئهم، بل يتعداه ليشمل الأغنياء، وذوي الحسب والنسب».
ولذا حسناً فعل النائب أحمد السعدون حين وجه سؤالاً لوزير المالية مصطفى الشمالي حول ما نشر في صحيفة القبس بشأن ما تعيشه بعض البنوك من حالة ارتباك بشأن مبالغ دفعت لنواب بالملايين. ان المؤسسة البرلمانية، وهي المؤسسة التي يتطلع اليها المجتمع لكي تقوم بدورها الرقابي والتشريعي، ان اصابها الفساد، خاصة بهذا الشكل الممجوج، فاننا بذلك، نمهد الأمور لحصول ما لا يتمناه أحد للمجتمع، والتاريخ القريب للتجارب المثيلة يؤكد ذلك.
أشخاص نعرفهم، ونعرف تاريخهم الدراسي والاجتماعي والاقتصادي، بحكم القرابة والمصاهرة والجيرة والصداقة، ليس لديهم ما يفيض عن حاجتهم، بل حالهم كحال أغلب الأسر الكويتية، ترتبط حياتهم بالراتب، وتدور معه حيث دار، ولديهم أقساط، كما هو حال أغلبنا، وظيفته حكومية عادية، ثم يفكر بدخول مجلس الأمة، واذا ما قدر الله له النجاح (و ربما حتى قبل ذلك)، فانك تجد تغيراً واضحاً، بل جذرياً في حياته، خاصة في الجانب المادي الصرف، وربما اشترى عمارة، وظهرت له مزرعة هنا، أو قسيمة صناعية هناك، وما خفي كان أعظم! في هذه الحالة فانك لا تحتاج الى عملية حسابية معقدة، والى قانون من أين لك هذا، ولا تقارير لجنة الشفافية، فرائحة الفساد السياسي تزكم الأنوف، لأنه حين تبدأ ثروته بالنماء بحيث يكون له أرصدة ضخمة بمئات الألوف، أو الملايين، ثم تربطها بمواقفه السياسية، والتي عادة ما تكون متوافقة الى حد التطابق مع المواقف الحكومية، فانه يحق لك التساؤل، وربما حتى اتهامه بالتكسب غير المشروع من منصبه ووظيفته.
يقولون في علم تحليل الشخصيات ان الذي يفكر بعقلية المطرقة، ينظر للناس على أنهم مسامير. الحكومة تفكر بعقلية التاجر، فتنظر للناس على أنهم سلع.. ربما نحن سلع فعلا.. من يدري!

د. خالد القحص

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك