د. مبارك الذروة يسأل القبيلة إلى أين، ويحذر من أن قيمنا الأصيلة تعيش على جرف هار خطير
زاوية الكتابكتب أغسطس 24, 2011, 12:14 ص 899 مشاهدات 0
الراى
القبيلة... إلى أين؟
د. مبارك الذروه
كثيرون هم الذين يعتقدون أن القبيلة العربية تتعارض قيمها وبناؤها العام مع متطلبات الوطن. فهل حقاً يقف هذا المكون الفريد أمام عجلة التنمية ولماذا؟
يتحدث بعض العلماء عن القرية أو الريف وقيمه المتماسكة ووشائجه المتلاحمة والتي تكاد تفقد في مجتمع المدينة الصاخب، وهذا ما أثار جزءا منه المفكر العراقي علي الوردي رحمه الله في العديد من كتاباته.
لندع القبيلة جانبا ونتحدث عن آثار العرف السائد بين أفرادها... فالوفاء والولاء لأبناء العمومة هو لازم قيمي عند ابن القبيلة، لكنه يعتبر غير جائز ولا ينسجم في الدولة الحديثة، وضمن مفاهيم تتعلق بالوطن والمواطنة حيث الولاء للقانون والسيادة للنظام.
تفكك النسيج القبلي والعائلي بعد ظهورالنفط، وخروج الناس من وحداتهم الصغرى الريفية والقروية والعشائرية إلى الرحاب الأوسع حيث مجتمع النظم والقانون والعقاب، وحيث التعددية العرقية والمذهبية والقبلية أيضاً، هذا التفكك هل هو شكلي ظاهري، أم تجاوزه إلى البنى الهيكلية والأطر الثقافية للفكر القبلي؟ بمعنى آخر... هل حقاً ساهمت القبيلة في عمليات التغير الاجتماعي عبر التاريخ؟ ففي الكويت واكبت مجموعات كبيرة من أبناء القبائل التحولات الاقتصادية، فبعد أن كانت تجارتهم رعي الإبل والغنم، وغير ذاك من بيع ومقايضة مستلزمات الصحراء التجارية، نجدهم بعد خروج النفط وظهور شركاتها النفطية الأجنبية قد تحولوا إلى تجار ومستثمرين وملاك عقار ومستوردين للعديد من السلع والمنتجات الأخرى... من شبه الجزيرة ومن بلاد الهند وما وراء البحار.
لا يمكن أن يتعايش مجتمع من المجتمعات بأفراده وأنساقه البشرية المتنوعة من دون إزالة الحواجز العرقية والقبلية والمذهبية، ومن الغباء وسوء الفهم أن نتهم بالتجني على الموروث القبلي والشعبي الذي نعتز به... بل إن الأمم تبني حاضرها ومستقبلها على ماضيها الجميل وموروثاته النبيلة. لكن هناك ثمة عادات سيئة علقت بالقبيلة وأساءت إليها ربما بسبب الظروف المعيشية أو السياسية، أو بسبب ظروف الصراع الذي كان سائداً قبل تشكيل هوية الدولة الحديثة.
من تلك العادات والقيم التي نتمنى من النخب الثقافية معالجتها بشفافية وشجاعة قيم الاعتزاز بحروب مضت وتولت بين القبائل العربية في شبه الجزيرة... لان إثارتها في المواقع الإلكترونية سيؤجج نار الفتنة ويذكي أوارها، وأولى من ذلك شكر الله على نعمة الأمن والأمان وانتهاء عهود العدوان والسلب بين القبائل... والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها!
فالحمد الله اليوم أبناء القبائل متعلمون ومثقفون وقد انخرطوا وانصهروا في بوتقة واحدة لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى.
ولا بد إذا من نبذ العادات السيئة التي تنطلق من مبدأ انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، لتصل إلى قاعدة المسلم اخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه. ففي عهود الفتن وعبر التاريخ تظهر مفاهيم الرجعية والانتهازية وتفتيت النسيج الاجتماعي. ونحن حين ندعو إلى التخلص من بعض العادات القبلية السيئة فإننا أيضاً وبالمقابل نؤكد على أهمية هذا المكون المهم في تنمية الوطن كغيره من المكونات الفاعلة الأخرى.
ان التفكير أو الحديث عن (إعادة انتاج تأثير القبيلة) لصالح بناء الدولة الوطنية، أو القومية، وبرامج التنمية والتحديث، لا يمكن أن يتجاهل الإعلام والتقنيات الحديثة، بما في ذلك شبكات الاتصال الاجتماعي وأنواعها المختلفة، والفضائيات عابرة الدول والقارات ومخترقة العادات وناشرة القيم القبلية والعرقية والقانونية أيضاً!
واليوم هناك عشرات القنوات والمواقع والمجلات التي تخاطب الموروث الشعبي القبلي، وتبحث في مدلولات الشعر الشعبي ونقده، ثم تخوض في أنواع الإبل وأسمائها وأنواعها، وتميز القبائل باقتنائها ومهرجاناتها وغير ذلك مما هو مشاهد ومعروف، ناهيك عن نبش الماضي لاستخراج التاريخ بقصصه وبطولاته وغزواته من دون مراعاة لحساسيات الزمن الراهن وتبعاته، وقد وصل الأمر لدرجة أنك تجد من هم أبعد الناس عن القبيلة يستثمر أمواله في برامج تخاطب روحها ووجدانها! يبدو لي أن هناك من يرى أن النهوض الحقيقي هو ما يمس الجانب الحضاري للقبيلة وليس الشكلي الظاهري. فالمطلوب أن يتجه أبناء القبيلة على توجيه قنواتهم الفضائية وممتلكاتهم الإعلامية لأولويات المرحلة التاريخية التي تعيشها الأمة، وتوجه بفهم نحو برامج التنمية وتطوير رأس المال البشري. القبائل اليوم لديها عقول وإمكانيات هائلة، وهي قادرة على تقديم الخير الكثير لأوطانها في كل مكان. لماذا يراد لأبناء القبائل ان يكونوا فقط شعراء ورعاة إبل؟ معذرة لا بد من التصريح الدقيق! أين الوجه الآخر التنموي الفاعل لابن القبيلة؟
والمقصود... أن القبيلة كأحد أهم مكونات المجتمع اليوم قادرة على أن تقدم الكثير للوطن العربي في حالات السلم وفي حالات الحرب!
ومن ناحية أخرى فإننا ندعو بقية مكونات المجتمع الأخرى العائلية الحضرية والمذهبية الشيعية أو السنية والحزبية بقواها كافة وتكتلاتها إلى التخلص والتطهير من أدران التعصب والتقليد والعودة إلى الالتفاف حول الجسد العام للأمة... «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
فانعكاسات الحمية الجاهلية على المجتمع وقطاعات الدولة جداً باهظة التكاليف حيث تؤدي الى المحسوبية والظلم الاجتماعي والاداري وأكل أموال الناس بالباطل، وفي بعض الدول أدت إلى الثأر والانتقام! ومن المحزن أن تجد في دولة الدستور والقانون قطاعات حكومية متعددة تتكدس فيها فئة واحدة من فئات المجتمع يصعب معها التعيين لغيرها، وإذا تأملت قيادات ذلك القطاع ستفاجأ أنه من جنس موظفيه! والحقيقة أن جميع الأنساق البشرية ووحدات المجتمع وطبقاتها تعيش في دوامة تخلف تلك القيم المدمرة لمفهوم الدولة الحديثة وليس أدل على ذلك من فضيحة الـ 25 مليون دينارالأخيرة التي نشرتها الزميلة «القبس» والتي تعد إهانة بالغة لأهم مؤسسة في الدولة... فمن هم اطراف هذه الرشوة الملعونة، ومن المسؤول أمام الله أولاً ثم أمام الشعب والتاريخ؟
الحمية الجاهلية لها صور أخرى، فلو ان مواطنين اثنين تقدما إلى جهة معينة يقرر شأنها مسؤول ينتسب إلى قبيلة أو عائلة أو مذهب أحدهما، لوقف معه باسم الولاء والانتماء دون النظر إلى الكفاءة والقانون... وهذا بالطبع في الأغلب الأعم.
تامل وزارات الدولة اليوم، لو طلب منك تمرير أجهزة الحكومة على ذهنك وتفصيل كل وزارة قبيلة وعائلة ومذهب... ستجد العجب العجاب، وستدرك حينها أننا لا نزال في مرحلة المهد التنموي، وبيننا وبين النهوض كما بين عودة النظام الكويتي إلى سابق عهده!
هناك حلول كثيرة أفقية ورأسية، وعادة ما تكون الحلول الأفقية بطيئة كونها تخرج من رحم المجتمع، خلافاً للرأسية التي تقوم بها الدولة!
هنا تلعب مؤسسات المجتمع المدني دورها في حركة التنوير والوعي الاجتماعي، ويؤدي الإعلام رسالته في نقل الفكر العام والعقل الجمعي للأمة إلى هاجس الدولة الحديثة ومنطق التنمية.
نحن ندرك أن في كل مجتمع هناك من يحاول أن يتكسب ويخرق السفينة من أجل مصالح فردية ضيقة وهو بذلك يهدر طاقات أمة ويدمر لحمة وطن، وهناك في المقابل من يدرك أهمية التعايش بين أنساق المجتمع كافة مهما اختلفت بناها الهيكلية أو أطرها الثقافية والمذهبية. فالتعايش والتعارف والتعاون هي سمات المجتمعات المتحضرة التي تستخدم العقل بدلاً من السلاح، والكلمة الحرة النبيلة بدلاً من التجريح الانفعالي البائس!
فأين رجالات الفكر والدين والثقافة والإعلام من منع خراق سفينة الكويت والأخذ بأيديهم، وأين نحن من نشر مفاهيم العدل ومنع الظلم والمساواة ونشر قيم السلام والمحبة ورد العدوان؟!
الكويت اليوم لا ينهار اقتصادها فحسب بل أيضاً قيمها الأصيلة وعاداتها الكريمة تعاني هي الاخرى من شروخ جدرانية تعيش على جرف هار خطير.
د. مبارك عبدالله الذروة
تعليقات