تحميل رئيس الوزراء بشخصه، أو بالتضامن مع حكومته، مشاكل الكويت ظلم فادح برأى نايف اللافي
زاوية الكتابكتب يوليو 14, 2011, 12:36 ص 1339 مشاهدات 0
الجريدة
حول الدعوة إلى رحيل سمو رئيس مجلس الوزراء
نايف بندر اللافي
حول الدعوة إلى رحيل سمو رئيس مجلس الوزراء
أعلن أحد التكتلات الرئيسة في مجلس الأمة وبكل وضوح أنه يسعى إلى إسقاط سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد ورحيله، كما تتناقل الصحف بعض الدعوات، ومنها لكتّاب محسوبين على هذا التكتل، المطالبة برئيس وزراء شعبي.
ويسوق هذا الحل أو الحلان: تغيير رئيس الوزراء بشخصه وتعيين رئيس وزراء شعبي، على أنهما العلاج الناجح لمشاكل الكويت، فهذا التغيير سيؤدي إلى القضاء على الفساد والرشوة، والمضي في التنمية، وعلاج الترهل الإداري في الدولة، ومعالجة الخلل الهيكلي في الميزانية، وسينخفض الباب الأول في الميزانية تلقائيا إلى أقل من ربع الميزانية الحكومية بعد أن كاد أن يلتهمها بالكامل. كما سيتطور التعليم والصحة، وستنتهي الوساطة والمحسوبية، وسيعف أعضاء مجلس الأمة عن المطالبة بتعيين المحسوبين عليهم وزراء وقيادات في الحكومة، وسيخلون المجال أمام الرئيس الجديد لتعيين من يرى فيه الكفاءة للمنصب الحكومي، كما ستنتهي الطائفية والقبلية، ولن نرى المساجلات والخلافات داخل مجلس الأمة ولا الاستجوابات أو التأزيم، كما ستتغير أخبار الصحف فلا نقرأ إلا ما يسر من أخبار، وربما ستتحسن حرارة الطقس صيفاً وسينزل المطر في الشتاء.
لا شك أن تحميل سمو رئيس الوزراء بشخصه، أو بالتضامن مع حكومته، مشاكل الكويت هو ظلم فادح وخطأ في تشخيص أسباب المشكلة لا يؤدي إلا إلى الدوران في حلقة مفرغة، ولا بد لنا إن أردنا إصلاحا من وقفة جادة مع النفس، لا تقف عند مظاهر المشكلة بل تغوص في أسبابها الدفينة كي تستنبط الحلول الناجعة. لا شك أن نظامنا الديمقراطي الحالي، الذي لا يعطي الحكومة أغلبية ثابتة داخل البرلمان، لا يسمح لأي حكومة بالعمل ولا الإنجاز، ولا أعتقد أن أي حكومة في العالم، مهما كان رئيسها وأعضاؤها، قادرة على العمل والإنتاج، وهي تأتي إلى جلسات برلمان تتغير أهواؤه وبرامجه كل يوم، ويميل مع ميلان الريح لا تحكمه برامج ولا كتل ثابتة ولا طلبات محددة.
وأنا هنا لا ألقي اللوم على أعضاء مجلس الأمة، ولكن أخطّئ النظام العام نفسه، ولمزيد من التوضيح يجب أن نتفق جميعاً على أن أهم إنجاز يسعى إليه أي عضو مجلس أمة في أي دورة برلمانية، هو أن يعاد انتخابه في الدورة التي تليها. هذه هي الحقيقة، وهذه هي طبيعة الأشياء، وأي تحليل لا ينطلق من هذا الواقع، ولا يسلم بهذه النتيجة، لن يصل إلى أي هدف؛ لذا يحرص كل عضو مجلس أمة على إرضاء ناخبيه، وهؤلاء بدورهم يريدون لأنفسهم الأفضل، كالكوادر والمسميات الوظيفية والإسكان والعلاج في الخارج وقبول الأبناء في معاهد الدراسة العليا والوظائف الحكومية.
كما يريد هؤلاء الناخبون لوطنهم الأفضل، كالقضاء على الفساد والمحسوبية، وإحلال العدل وتكافؤ الفرص، وتطبيق القانون وضبط المصروفات والمستقبل الأفضل للوطن، وهم فوق هذين المطلبين المتناقضين غير مستعدين للتنازل عن أي منهما؛ لهذا نرى مجلس الأمة بالمجمل يأخذ باليمين ما يعطي بالشمال، ويعد نهاراً ويلحس وعده ليلاً، فنجده أشد الساعين في «الواسطة» والاستثناء من القانون والتدخل في التعيينات والتشكيلات الوزارية، وفي نفس الوقت أشد الخصوم في الأسئلة البرلمانية والاستجوابات والتهديد بحجب الثقة عند عدم تطبيق القانون.
بل إن كثيرا من الأعضاء المحترمين يستخدمون التهديد بالاستجواب وطرح الثقة، تلك الأداة الدستورية العظيمة، في الحصول على المميزات الخاصة لهم ولناخبيهم، خارقين مبادئ القانون والعدالة الاجتماعية، ويصل الأمر إلى اختلاق المواجهات مع الحكومة وتصعيد الخلافات حتى يظهر البعض بمظهر الأبطال أمام الناخبين دون مراعاة لمصلحة الوطن التي غلبت عليها المصلحة الخاصة، وهل الاحتقان الطائفي والفئوي إلا بسبب خلط المصالح الخاصة بالوطنية؟ وهل التشكيلات الوزارية المتعددة خلال الفترة البسيطة الماضية إلا مظهر لهذا الخلل؟!
إن الحكومة في الكويت تولد مشوهة منذ اليوم الأول لتشكيلها، حيث يجب أن يراعي فيها سمو رئيس مجلس الوزراء، أو أي رئيس آخر، أن تكون ممثلة لعدد كاف من الكتل النيابية حتى يضمن لها القبول والقدرة على العمل، هذا وإلا لن تحصل على الثقة منذ اليوم الأول، إلا أن هذه الكتل التي لا يربطها حزب ولا يحكمها برنامج عمل، تتغير أولوياتها من يوم إلى آخر، كما أنها لا تستطيع أن تظهر بمظهر الداعم الدائم لحكومة تعلم مسبقاً بفشلها وسقوطها المحتم.
ويصل الأمر أن تستغل بعض الكتل ممثليها في مجلس الوزراء لمعرفة ما يدور داخله، ومحاولة قطع الطريق واستباق الخطط الحكومية لتسجيل النقاط، فيما يشبه مباراة لكرة القدم في بطولة ليس لها منظم ولا نهاية ولا كأس بل لا فائز، فالكل خاسرون إلا من استفاد شخصيا بضمان إعادة انتخابه، إذن فالجمود السياسي الذي نعيشه اليوم يدفع بأعضاء مجلس الأمة دفعاً للحرص على المصلحة الشخصية, ويواجه المخلص منهم القرار الصعب بأن يكون من القلة الساذجة المتفرجة على المسرحية الأليمة.
ثم نطالب الحكومة ويطالبها معنا السادة أعضاء مجلس الأمة بمحاسبة الفاسدين والضرب بيد من حديد على تجار المواد الغذائية الفاسدة ومهربي المخدرات والمعتدين على القانون، بينما يتسابق نفس السادة الأعضاء المحترمين لمنع الحكومة من تطبيق القانون ومحاسبة المفسدين كونهم محسوبين عليهم أو من ناخبيهم.
لن يعالج مشاكلنا رحيل سمو رئيس الوزراء ولا الإتيان برئيس وزراء شعبي، إننا أمام مشكلة هيكلية تتعلق بنظام الحكم الذي يجمع بين الرئاسي والبرلماني، والذي ربما كان مناسباً في الماضي إلا أنه بحاجة إلى التغيير الآن.
لا أدعو إلى تغيير الدستور، ليس تقديساً له ولكن خوفاً من أن يتم استغلال هذا التغيير لمصالح غير المصلحة العامة، ولا أرى أن السادة أعضاء مجلس الأمة الأفاضل، والذين وصلوا بحكم الوضع القائم وتأقلموا عليه، قادرين أو حتى راغبين في تغيير وضع يخدمهم في المقام الأول، ورغم وجود نسبة من بينهم من المستعدين للتضحية بمصالحهم، فإننا نتكلم عن المجموع وليس عن الأفراد.
كما أنني لا أتوقع شيئا يذكر من مؤسسات المجتمع المدني التي أراها عقيمة وغير قادرة حتى على تنفيذ أنشطتها الخاصة، أما الحركات الشبابية فالخطر كل الخطر في أن يبلغ بأعضائها اليأس حداً يجعلهم يتبنون قضية بخطورة تعديل الدستور، فليس الدستور مما يمكن تعديله بالهتافات والمظاهرات والخطب الرنانة، والتي سيرتقي على ظهرها كل صاحب مصلحة، وكل ناعق في بوق، وكل من يريد أن يصب الزيت على النار. إذن فأين الحل؟!
تعليقات