نجاة عبدالقادر الجاسم تروي لنا جانبا من طريق تأسيس الحكم في الكويت

زاوية الكتاب

كتب 6631 مشاهدات 0



 
طريق تأسيس الحكم في الكويت  
 
كتب أ.د. نجاة عبدالقادر الجاسم

جذبت الكويت البلدة الآمنة المستقرة الكثير من المهاجرين من البلدان المجاورة فزاد عدد سكانها، فكان لابد من اختيار من يديرها ويحل الخلافات التي قد تظهر بين أهلها، فكانت الخطوة الأولى في طريق تأسيس الحكم في الكويت حين اختار الأهالي المرحوم صباح بن جابر الذي تميز بصفات دفعت الأهالي إلى اختياره وكما يقول المرحوم الشيخ يوسف بن عيسى القناعي «فإن الجماعة ما اختارته وقدمته إلا لانه أمثلهم عقلا وأحسنهم سيرة وأقربهم باتباع الحق» ويضيف «وقد أصابوا الرأي» أما عن تاريخ هذا الاختيار فإن الآراء تتعدد وتختلف والذي أراه هو مطلع القرن الثامن عشر لأسباب كثيرة ليس مجالها هذا المقال ومنذ ذلك الاختيار أصبح يعرف باسم «الشيخ صباح بن جابر».
ولقد اشترط عليهم ان يطبق العقوبات على الوجيه والبسيط، وطلب منهم الطاعة في الحق، أما الأهالي فقد طلبوا منه التشاور فلا يبت بأمر ما إلا بعد سماع رأيهم فوافق، فكانت الشورى أهم قواعد الحكم في الكويت وهي قبل كل شيء قاعدة أساسية للحكم في الإسلام.
لقد سار المرحوم الشيخ صباح على هذا النهج. وكما يقول الشيخ المرحوم عبدالعزيز الرشيد كان الحاكم يستشير وجهاء القوم فيما ينتابه من المهمات وفيما يحفظ البلد من طوارئ الحدثان ويحميها من هجمات الأعداء وليس له الرفض ولا الخيار بعد ان يستقر رأيهم على أمر لأن السلطة الحقيقية لهم وإنما يعطى اسم الرئاسة تفضلا.
وتؤكد الكثير من الوقائع التاريخية أهمية التشاور بالنسبة لنظام الحكم في الكويت الذي حرص معظم حكام الكويت على الالتزام به وكان من أهم عوامل نمو الكويت واستقرارها، وفي الوقت نفسه كان أهل الكويت يرفضون ويعترضون إذا لاحظوا ابتعاد الحاكم عن هذا النهج لذلك كانت حركة عام 1921 التي نتج عنها مجلس الشورى ثم الحركة الإصلاحية في عام 1938 والتي أسفرت عنها نتائج ذات تأثير فاعل وفعال في تاريخ الكويت الحديث والمعاصر فكان المجلس التشريعي الأول يوليو- ديسمبر 1938 ثم المجلس التشريعي الثاني ديسمبر 1938 – مارس 1939 ثم نشاط الرأي العام الكويتي في الخمسينيات، والشاهد هنا ان طريقة اختيار الحاكم الأول هي القاعدة الأساسية لما نحن عليه اليوم وإذا كان وجود المجالس المنتخبة تعني اشراك الشعب في الحكم فإن هذا لم يكن يعني إلغاء المستشار القريب من السلطة ولذلك فإن حسن اختيار المستشار من أهم أسس الاستقرار، فإذا كان مخلصا- أمينا نزيها يخشى الله عز وجل صارت الأمور في طريقها الصحيح أما إذا كان غير ذلك، فإننا نسأل الله سبحانه وتعالى السلامة!
لقد شهد القرن الثامن عشر ثم التاسع عشر نمو الكويت وتطورها ويجد الباحث الكثير من المعلومات عن هذه الفترة والمتعلقة بالنواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لكن هناك قضية هامة لا نجد تفاصيلها كما نريد وهي المرتبطة بالتشاور وأسلوبه وقضاياه وبالأخص خلال القرن الثامن عشر والتاسع عشر حيث تقل المعلومات، بالرغم من تأكيد الأدلة التاريخية على انتهاج حكام الكويت كما أشرنا هذا النهج. عموما فإن المرحوم عبدالعزيز الرشيد وثّق أسماء مجموعة من المستشارين لحكام الكويت خلال القرن الثامن عشر والتاسع عشر وكما قال عنهم كانوا بمثابة وزراء وهم من عائلة القناعات التي تنتمي لقبيلة السهول وموطنها الأصلي القصب في نجد وقد هاجرت مجموعة منهم في أواخر القرن السابع عشر بسبب القحط والجفاف وهي الفترة التي شهدت هجرة الكثير من القبائل والعشائر، حيث توجه بعض القناعات إلى مدينة الزبارة في قطر والبعض الآخر إلى البحرين مجموعة وأخرى إلى البصرة بينما ظلت ولا تزال مجموعة منهم في نجد، والشاهد ان القناعات بعد فترة إقامة في الزبارة هاجروا منها مثل غيرهم من المهاجرين واستقر بهم المقام في الكويت وكان ذلك في العقد الأول أو الثاني من القرن الثامن عشر (1710 - 1720).
ولقد جاء في المخطوطة التي نسخها المرحوم ياسين بن عثمان القناعي وهي بعنوان «التيسير في نظم العمريطي في فقه الشافعية ما يلي تم الكتاب على يد الفقير ياسين بن عثمان بن سري الجناعي نسبا والشافعي مذهبا والقرين مولدا».
والمعروف ان القرين الاسم القديم لكويت أما فيما يتعلق بتاريخ نسخ المخطوطة فإن المرحوم الشيخ يوسف القناعي يرى انه عام 1200هـ أي 1785م على أية حال نعود إلى الحديث عن المستشارين الذين ذكرهم المرحوم عبدالعزيز الرشيد وهم: المرحوم ياسين بن علي بن سري القناعي وكان من أخص أصدقاء المرحوم الشيخ عبدالله الصباح «عبدالله الأول» الحاكم الثاني وكان بمثابة الوزير والمستشار له، المرحوم سلطان بن باشق القناعي كان كذلك عند المرحوم الشيخ جابر الأول «1813- 1859» وكذلك المرحوم محمد بن حسين بن سري القناعي عند المرحوم الشيخ صباح بن جابر «صباح الثاني» «1859- 1866» وكذلك الحال بالنسبة للمرحوم التاجر محمد بن حمدان القناعي عند المرحوم الشيخ عبدالله بن صباح «عبدالله الثاني» «1866-1892».
والمرحوم سالم بن بدر بن محمد القناعي عند المرحوم الشيخ محمد الصباح «1892- 1896»، والمرحوم سالم كان تاجرا ونوخذه ثم هاجر إلى البصرة حيث وفقه الله ونمت ثروته وامتلك الكثير من المقاطعات الزراعية هناك فكانت له علاقات تجارية مع الهند والبحرين ومسقط وغيرها وكان كريما يهتم بالمحتاجين ولذلك منزله كان مفتوحا للضيافه، ولم ينقطع عن الوطن وخدمته وتشير إحدى الوثائق البريطانية انه كفل «ضمن» المرحوم الشيخ عبدالله الصباح في عام 1866 عندما أرسله والده المرحوم صباح إلى البصرة لحل مشكلة الأراضي الزراعية في الفاو والصوفية والخاصة بأسرة الصباح وما ان سجنه الوالي حتى انطلق المرحوم سالم البدر وكفله وأخرجه من السجن (راجع حول هذا الموضوع دراستنا «قضايا في التاريخ السياسي والاجتماعي لدولة الكويت»)، وقد ورد في الوثيقة أن «سالم بن بدر التاجر الكويتي المقيم في البصرة وله نفوذ فيها ضمن الشيخ عبدالله».
وعندما بدأت محاولات والي بغداد محمد نامق باشا فرض السيادة العثمانية الفعلية على الكويت وعلم المرحوم سالم ان وفدا من السلطة العثمانية سوف يزور الكويت للاطلاع على أحوالها أشار على المرحوم الشيخ عبدالله الذي تولى السلطة في العام نفسه بإغلاق الحوانيت وإخماد الحياة الاقتصادية فاستحسن الشيخ عبدالله هذا الرأي وكان لصالح الكويت «راجع عبدالله الحاتم من هنا بدأت الكويت» ومع ذلك لم يتردد والي بغداد عن محاولة الضغط على الشيخ لقبول تأسيس جمرك عثماني في الكويت.
وهناك حادثة ذكرها أيضا المرحوم عبدالله الحاتم في كتابه السابق الذكر توضح وفاء المرحوم الشيخ عبدالله الصباح وتشرح المكانة الكبيرة التي كان يحظى بها المرحوم سالم البدر القناعي عنده وذلك انه في أعقاب تعرض سالم البدر لأزمة مالية أوشك خلالها على الإفلاس طلب من الشيخين محمد وجراح اقراضه وحدد لهما المبلغ وذلك حتى يلغي حجز السلطات العثمانية في البصرة على مقاطعته هناك، ولكنهما رفضا عندئذ أبلغ سالم البدر الشيخ عبدالله الصباح الذي أثار غضبه موقفهما وأعد العدة للسفر إلى البصرة لرهن أراضي الفاو الزراعية الخاصة بأسرة الصباح وإعطاء سالم البدر ما يريد، عندئذ تراجع الشيخ محمد والشيخ جراح عن موقفهما.
وفي أعقاب تولي المرحوم الشيخ محمد الصباح الحكم «1892» ومع اشتداد الخلاف بينه وبين المرحوم الشيخ جراح من جهة مع المرحوم الشيخ مبارك من جهة أخرى كان الكثير من أهل الكويت من التجار والوجهاء يحاولون حل الخلافات ومن أولئك المرحوم سالم البدر الذي جعل للشيخ مبارك راتبا سنويا وقدره عشرة آلاف روبية كما ذكر المرحوم الشيخ يوسف القناعي في كتابه صفحات من تاريخ الكويت، وقال أيضا أنه لايعلم هل مجيء سالم البدر إلى الكويت بدعوة من آل الصباح أم بنفسه بحكم صداقته لهم، وأضاف بعد وفاة سالم البدر في عام 1894 عادت الخلافات بينهم.
رسائل كثيرة تصل من تاريخ الكويت تحتاج منا التفكر فيها والاستفادة منها، وأغلب الظن لو درسناها بتمعن ونية صادقة لأدركنا خطورة واقعنا وسوف يتردد الكثير منا أن يأتي أعمالا غير عادية وعليه ان يتوقف، نحن اليوم لايصلنا بتاريخنا وأحداثه سوى الأوراق التي نطلع عليها والتي هي بين ثنايا الكتب والوثائق من هنا وهناك ومع ذلك نشعر في كثير من الأحيان بالفخر وبعض الأحيان بالحزن ولكن يا ترى كيف سيكون حال الذين سيأتون من بعدنا وما هي مشاعرهم؟
 

عالم اليوم

تعليقات

اكتب تعليقك