المطالبات النيابية برحيل ناصر المحمد هي برأي باسل الجاسر هي صورة جديدة من صور الفساد الكريهة ؟!
زاوية الكتابكتب مارس 5, 2011, 11:07 م 426 مشاهدات 0
الفساد والتردي.. الدخول والمواجهة
الأحد 6 مارس 2011 - الأنباء
لا شك أننا في الكويت نعاني الأمرين تحت وطأة التردي وانتشار للفساد في معظم مناحي الدولة وتحولهما الى حالة مستحكمة تواجه كل الكويتيين، ولا أعتقد أن هناك من يكابر وينكر هذه الحالة، واليوم فإنني سأقوم بعرض سريع لأهم فصول ولوج هذا الفساد وبعضا من أهم أسباب انتشاره في معظم وزارات وزوايا هذا الوطن العزيز وبات يؤرق ويزعج أهله الكرام. وبادئ ذي بدء فإن هذا الدخول للفساد لم يكن وليد أو نتاج اليوم أو الأمس القريب بل ولا المتوسط (أي عشر سنوات مضت) ولكنها حالة بدأت أول فصولها منذ ثمانية أو تسعة عشر عاما وتحديدا في العام 92 بعد أن اكتسح ممثلو الأحزاب والتيارات السياسية لتلك الانتخابات تحت شعار المحاسبة عن أسباب سقوط الكويت بتلك السرعة بيد الطاغية وتشكيل لجنة للتحقيق بهذا الأمر لمحاسبة المسؤولين.
إلا أنهم وبمجرد إعلان النتائج تحولت لجنة التحقيق إلى لجنة تقصي وضاع تقريرها.. وبدلا منها طلعت علينا أول حكومة شعبية في الكويت فطل علينا الفساد معها بكل صوره وأشكاله، الذي أعتقد جازما بأنه ما كان ليكون بهذه الصورة البشعة لولا دخول التيارات والأحزاب السياسية للحكومة على ذاك النطاق الواسع عبر ست وزارات ما شكل أكثر من ثلث مقاعد مجلس الوزراء ما جعل التفاؤل يسود إبان تلك الفترة بين أوساط النخب بالكويت بل اننا سمعنا وإلى فترة لاحقة ولمدة طويلة عن أقوى حكومة مرت على الكويت..وما شابه من أوصاف تمجيدية لم يكن لها ما يسندها أو يؤكدها على أرض الواقع العملي بل على العكس تماما فقد كانت المؤشرات كلها تناقض هذه الآمال والأماني منها على سبيل المثال لا الحصر دخول الفساد والمحسوبية على نطاق واسع في تلك الوزارات التي تولاها ممثلو الأحزاب والتيارات السياسية على وجه الخصوص الذين جاءوا على حصان الاستقلالية باتخاذ القرار في وزاراتهم على اعتبار أنهم رجال دولة وليسوا موظفين كبارا، ما فتح أكثر تلك الوزارات للتعامل معها كمزارع لأحزابهم فتوغلت المحسوبية باقتدار على حساب الحق وحقوق العاملين في تلك الوزارات، مع أن هذه الاستقلالية منحت لإحداث القفزات في هذه الوزارات وخدماتها للإمام، ولكنها تحولت لقفزات للخلف..ومن ثم صار هذا النهج نهجا يحتذى بالوزارات الأخرى حتى تعالى المثل الكويتي الشهير ليعانق عنان السماء «من صادها عشا عياله» الذي صار عنوانا بارزا لتلك المرحلة وما أعقبها وللأسف الشديد ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وهذا الوضع وهذه الممارسات أدت إلى أمرين رئيسيين الأول هو توريثهم لخيبة أمل كبيرة لشريحة واسعة من جمهور الناخبين الذين تساموا على مصالحهم الشخصية من أجل تحقيق المصلحة العامة للوطن إلا أنهم صدموا وجعلوهم يتحولون لغير مبالين بالمصلحة العامة ومهتمين بمصالحهم الذاتية، وسمعت أحدهم يقول أنا مسؤول عن تحقيق مصلحتي أما الكويت فلها رب يحقق مصالحها ما أفسد الرأي العام وأساء للوعي لديه، والأمر الثاني أدى إلى تراجع وتواري سيادة القانون وتحول «لطوفة هبيطة» وما عادت تسند أصحاب الحقوق ولا يستطيعون الاعتماد عليه.
وعلى المدى المتوسط وإزاء ما يشبه الفراغ أخذ الكثير من المواطنين وأصحاب الحقوق يبحثون عن انتماءاتهم القبلية والعرقية والطائفية ليحتموا فيها ويستندوا اليها بعد أن ضعفت سيادة القانون لكي لا تنتهك حقوقهم القانونية جراء ما أحدثته تلك الهجمة الحزبية على الحقوق فوجدنا الكثيرين منهم يرفعون قضايا بالمحاكم لإضافة لقب جديد لم يكن موجودا بأسمائهم المدونة في المستندات الرسمية ليؤكدوا انتماءهم القبلي أو العرقي أو الطائفي (وهي قضايا تقدر بالآلاف حتى انها باتت عبئا ثقيلا على محاكم الوطن) وهذا الوضع أحدث حالة مقيتة من الاصطفاف القبلي والطائفي الذي صرنا نراه بوضوح بالشارع الكويتي، وبما أن أكثر النواب في مجلس الأمة يسوسهم الشارع ولا يسوسونه فقد وجدنا أكثر تجليات هذا الاصطفاف في قاعة عبدالله السالم عبر صور متكررة لهذا الاصطفاف المقيت الذي قسم المجتمع الواحد لأقسام..ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وتوسعت دائرة الفساد أكثر وأكثر بالتقادم ومرور الدولة بحالة الجمود بالأعوام ما بين 2000و2005 (تقريبا) حتى وجدنا ميزانية لدعم وتعزيز ميزانية العلاج بالخارج قدرها نصف مليار دينار لدفع نفقات علاج لمواطنين أكثرهم تقرر لهم السفر للعلاج بالخارج مع خمسة وستة مرافقين بعيدا عن اللجان الطبية المختصة..!
عبر كشوف يقدمها هذا النائب أو ذاك ممن هم موجودون الآن أو ما يمثلون امتدادا لهم ويطالبون بالإصلاح، بل وتوقفت التنمية منذ أتت أقوى حكومة بتاريخ الكويت (بحسب البعض).. وبتنا نعتمد على البنى التحتية الموجودة من مرحلة ما قبل الغزو من كهرباء وماء وصحة ومطار.. حتى وصلنا لأن نهدد ككويتيين بانقطاع الكهرباء عنا بالصيف بالرغم من أننا نسدد وبانتظام الفواتير.
ووصل مريضنا لعدم حصوله على سرير في غرفة خاصة ولتأجيل عمليته الجراحية لأشهر بسبب الضغط.. بل اننا كدولة منذ 92 لم تكن لدينا خطة لا سنوية ولا خمسية ولا غيره، وكل ما لدينا برنامج يفرضه الدستور تقدمه الحكومة لمجلس الأمة بداية كل فصل تشريعي متضمن مجموعة أمنيات وآمال يتكرر بتكرار المناسبة حتى أتى الوزير السابق د إسماعيل الشطي ممثل «حدس» بإلغاء وزارة التخطيط.. ورأينا عمليات التلاعب الكبرى مثل الداو ومشروع المصفاة الرابعة التي قسمت لعشرات المناقصات ليستطيع ان يأكل منها أكبر قدر من الفاسدين.. وغيرها الكثير والكثير من مظاهر وصور الفساد القبيحة والتردي المزعج الذي لا يؤدي، في حال استمر إلا للمزيد من الفساد والتردي.
والغريب أنه وعلى الرغم من كل هذا الفساد وصوره بل وبراويزه وشهرته التي بلغت الآفاق لم يقل أحد من السادة النواب الذين يطالبون بالإصلاح الآن شيئا عن عدم التعاون مع الحكومات المتعاقبة ولم نسمع أن أحدا يريد أن يستجوب أو يلوح حتى باستجواب رئيس الوزراء... ولم نسمع أن أحدا سيذهب أو يهدد بالذهاب للشارع وما شابهه من دعوات، ما شكل صورة إضافية من صور الفساد المزعج لرقابة مجلس الأمة..هذه لمحة سريعة وعابرة لمسيرة الفساد والتردي وبعض من صوره.
وهذه المسيرة لم يكن سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد حاضرا أو مشاركا أو شاهدا عليها إلا أنه جاء ليصلح ما أفسده الدهر والأحزاب والتيارات السياسية وبعض النواب الذين كانوا حاضرين عليه ومشاركين في فاعلية فيه واستفادوا وأفادوا أتباعهم ومحاسبيهم منه، وشهودا عليه.
بيد أنهم وعندما جاء سمو الرئيس بالعام 2006 يريد أن يبدأ في عملية الإصلاح قالوا بالبداية انه إصلاحي ورجل دولة وكالوا له المديح الذي لم يكن له موجب أو مبرر آنذاك لأنه وببساطة لا يزال في بداية المشوار ولم تكن لديه خطة ولا برنامج عمل واضح المعالم وكل ما لديه هو مجموعة من الأماني والآمال وعمل دءوب لتشخيص وتحديد مكامن الفساد والخلل ومع ذلك كالوا له المديح على أمل أن يراعيهم ويراعي مصالحهم، إلا أنه وبمجرد ما ان بدأ ببعض الخطوات الإصلاحية التي منها: وقف التعديات على أملاك الدولة وتنظيم عملية العلاج بالخارج وإلغاء الداو والمصفاة الرابعة وإقصاء حدس عن وزارة النفط ووضع خطة شاملة للتنمية والبدء بتنفيذها.
(وكل هذا وغيره ليس هو الإصلاح المنشود ولكنها خطوات لا شك أنها كبيرة على الطريق...)، ومع ذلك وجدنا هذه الهجمات غير المسبوقة في تاريخ تجربتنا الديموقراطية على مر العقود حتى رأينا الاستجوابات توجه لرئيس الوزراء بالجملة وعن أمور تدخل ضمن اختصاص الوزراء المعنيين فيها بتجاوز ممجوج لمقتضيات الدستور والمذكرة التفسيرية بل إنهم يريدون منع الحكومة من ممارسة حقها الدستوري باللجوء للمحكمة الدستورية واعتبروا ممارستها لحقها الدستوري تفريغا للدستور مشكلين بذلك صورة جديدة من صور الفساد القبيح بل صورتين، الأولى بتنصيب أنفسهم مفسرين للدستور بخلاف الجهة التي عينها الدستور وهي المحكمة الدستورية، والثانية هي رفع الفيتو الذي لا وجود له بالدستور ومنع الحكومة من ممارسة حقوقها الدستورية التي رسمها الدستور.. وتحول رجل الإصلاح ورجل الدولة وفي بحر سنتين أو ثلاث الى ضعيف وليست لديه المقدرة ويجب عليه الرحيل!
والحقيقة التي يجب أن يدركها أهل الكويت جميعا هي أن هذه الهجمة التي يمارسها بعض السادة أعضاء مجلس الأمة والتي تدعو لرحيل سمو الشيخ ناصر المحمد عن رئاسة الوزراء لا تأتي لرغبة في الإصلاح أو سعيا وراء تحقيقه بل على العكس تماما فهي تأتي في إطار صورة جديدة من صور الفساد الكريهة، ولتأكيد ما أرمي اليه فهاهي مطالباتهم وشعاراتهم المضللة غير المنطقية والمخالفة للدستور التي احتجوا بها بالأمس جميعها تتحقق بمناسبة أفراح الكويت من سحب طلب التفسير إلى سحب الدعاوى والقضايا المرفوعة من الإدعاء العام ومن وزارة الإعلام بل وحتى القضايا التي رفعها سمو الرئيس بصفته الشخصية ومع ذلك فهاهم مازالوا يطالبون برحيل سموه.
وهنا يكمن السؤال البارز لماذا هذا الإصرار على رحيله؟ والبحث بين الفينة والأخرى عن قضايا ومواضيع جديدة؟ وهذا ما سأقوم بالإجابة عنه، وواقع الأمر أن هذا الإصرار يأتي لسببين رئيسيين، الأول هو عاجل ومقتضى ضرورة قصوى لأشخاصهم ومصالحهم الانتخابية وهو أنهم متضررون من عمليات الإصلاح التي يقوم بها سمو الرئيس وبات كثير من ناخبيهم يضغطون عليهم لأنهم اعتادوا السفر على حساب الدولة تحت بند العلاج بالخارج.. فمر عليهم صيفان والأمور لا تسير للانفراج بل تسير من سيء إلى الأسوأ بعد تلك الفترة الذهبية التي ترعرعوا وسمنوا وسمنت شعبيتهم فيها حتى التخمة وهي الفترة السوداء من عمر الفساد التي أشرت لها سابقا وقس عليها في أكثر الوزارات التي تقدم خدمات للمواطنين، أي ان استمرار إصلاحات سمو الرئيس إن تواصلت إلى انتخابات 2013، فستنجز الدولة جزءا مهما من خطة التنمية وسيؤدي الى انحسار شعبيتهم وسيقضي على هامش كبير من مساحة انتقاد أداء الحكومة أثناء الندوات الانتخابية عندما تتحقق بعض الانجازات التي سيلمسها المواطن وبالتالي سينتهي بهم الأمر للخسارة في هذه الانتخابات، فنجاحهم يعتمد في أكثر الأحيان على بؤر الفساد التي يقتات البعض عليها من جهة ومن جهة أخرى لن ترحمهم تلك الشريحة من الناخبين الذين يحرصون على مصالحهم الشخصية...ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أما السبب الثاني فهو آجل أو مرحلي..فهم عندما يتمكنون من خلع رئيس الوزراء فإن هذا فيه رسالة واضحة لرئيس الوزراء المقبل بضرورة الخضوع والخنوع لإرادتهم، وهذا لن يكون إلا على حساب الكويت وأهل الكويت ومستقبلهم ليتمكنوا من فتح أبواب الفساد التي أغلقت أو التي في طريقها للإغلاق ونعود من جديد لجولة جديدة من جولات الفساد لأنه (الرئيس المقبل) سيكون مضطرا لأن يرضيهم، وإرضاؤهم لن يتأتى إلا بفتح خزائن الدولة لهم ولناخبيهم وعلى حساب الكويت وأهل الكويت والإصلاح المنشود.
وتأسيسا على ما تقدم فإنني أضرع للباري عز وجل بأن يفتح بصر وبصيرة الكويتيين الذين أدرك رغبتهم الجامحة وآمالهم الكبار لتحقيق الإصلاح والقضاء على التردي والقفز بهذا الوطن لآفاق التقدم والازدهار والرقي..بأن يدركوا ما وراء هذه الدعوات الغريبة مثل الرحيل والذهاب للشارع، وأن يتصدوا لها ليس بالصمت وعدم المبالاة فقط ولكن بعالي الصوت، ويجب أن يسمعوهم استنكارهم لمثل هذه الدعوات، فسمو الرئيس جاء منذ ست سنوات ويقولون له ارحل فماذا نقول نحن كمواطنين لمن هو موجود منذ عشر وعشرين وثلاثين سنة؟ ولم نر إلا الفساد والتردي يكبر وتتسع دائرته أمام أعينهم ويشاركون فيه في أكثر الأحيان ولم يطالبوا آنذاك برحيل أحد، ولم يهددوا بالذهاب للشارع مثل اليوم...؟ أليس حريا بهم ألا يطلقوا مثل هذه الدعوات الآن بعد أن بدأنا نشاهد بعض الخطوات الإصلاحية التي بدأنا كمواطنين نلمسها؟ أليس أجدى وأحرى بهم أن يبادروا هم بالرحيل ولا يكونوا حجر عثرة في طريق خطوات الإصلاح التي بدأها سمو الرئيس؟!
باسل الجاسر
تعليقات