قبل فوات الأوان
زاوية الكتابداهم القحطاني يوجه نداءا للمعنيين قبل هدم سوق الأحمدي
كتب يناير 31, 2011, 10:20 م 4647 مشاهدات 0
في الوقت الذي تحتفل فيه دولة الكويت بالذكرى الخمسون لاستقلالها من الاجنبي والذكرى العشرون لتحريرها من العربي تعيش مدينة الاحمدي وضعا لم تعشه منذ انشاءها قبل واحد وسبعين عاما ففضلا عن اضطرار نحو 200 عائلة لمغادرتها قسرا بسبب مشكلة تسرب الغاز للمنازل لاسباب تتعلق بسوء الانتاج الذي أثر على مكامن النفط, فاليوم يودع الاحمديون سوق الأحمدي العريق والمشمول بقانون الآثار حيث من المقرر ان يكون اليوم الاثنين الحادي والثلاثين اليوم الأخير لتشغيله وسط تجاهل واسع من الجهات الحكومية والشعبية ومن وسائل الاعلام رغم عظم الحدث.
ورغم ان الدول العريقة تقيم احتفالا وداعيا حين يتم هدم معلما اثريا الا ان سوق الاحمدي سيغادر هذا العالم بصمت مخجل لنا جميعا الا اذا قررت جهة ما كالجمعية التاريخية او مركز العمل التطوعي القيام بحفل وداعي في الموقع نفسه يتم فيه تقديم سيرة تاريخية عن هذا المعلم الأثري المهم.
ندم كثيرون من المهتمين بالتراث الكويتي على هدم بعض المعالم الكويتية في غفلة من الزمن ومنها مجسم الكرة الأرضية في ثانوية الشويخ قبل تحويلها الى جامعه ولهذا فالفرصة لا تزال متاحه من اجل العمل على الابقاء على جزء صغير من السوق للأجيال الحالية والمقبلة قبل تحويله بشكل نهائي للمستثمر الذي سيعيد بنائه بشكل عصري وهنا نطلب من الشاب المجتهد محمد المرزوق رئيس مجلس ادارة التمدين العقارية احد اصحاب فكرة مدينة الحرير والرجل صاحب الرؤية الذي وقف وراء انجاز مشاريع مجمعات الكوت والمنشر و360 ان يأخذ هذا الطلب بعين الإعتبار اذا ما صحت الأنباء عن قيام شركة التمدين ببناء سوق الأحمدي الجديد.
وهكذا سيغيب المكان الذي نما مع نمو الكويت الحديثة وكان مزارا لأهل الكويت حينما كانت 'الكشته' الى مدينة الأحمدي ' في الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي مشوارا يحرص عليه الجميع لمشاهدة تلك المدينة الخضراء وللتمتع في التسوق في سوق الاحمدي الفخم حينها والذي كان يضم متاجر حديثه فرضها وجود جالية بريطانية تسكن المدينة الى درجة ان بعض المحلات كانت تبيع حينها كرات الجولف في وقت كانت مدينة الكويت تفتقد فيه الى وجود ابسط السلع الكمالية.
هنا في هذا الممر ترددت ضحكات وصدحت اصوات وولدت ذكريات فرحه وأخرى حزينه وهنا في هذا المحل تجمعت نساء لنيل احدث وسائل المكياج في مجتمع كان لا يزال يعتبر استخدام الديرم تطورا مذهلا, وهنا في هذا المطعم تجاور أناس مختلفين جاؤوا لطلب الرزق من اصقاع العالم.
وهنا في زوايا هذا السوق العريق بدأت حكايات حب وأنتهت أخرى فكانت مشاهد لا تزال حية نابضه في مخيلة من عاشها حينما يمر قرب أماكن ولادتها.
وهنا بائع الخضرة الايراني عباس وهو يصفق للاولاد الصغار وهم يرددون بعفوية ' يسقط السادات ويعيش الخميني ' كتأييد فطري من الكويتيين للثورة الاسلامية في ايران في بداياتها وكرفض لزيارة رئيس عربي لإسرائيل قبل أن تنقلب الأوضاع ونجد عباس يلاحق الصبية أنفسهم بغضب ويردد 'مالون . . مالون' أي ملعون عندما بدأوا يشتمون الخميني ويمدحون صدام حسين مع بدايات ما مان يعرف حينذاك بتصدي حامي البوابة الشرقية للفرس المجوس.
وهنا كان مطعم 'ويمبي' رمز التقدم و'الكشخه' فالشباب لا يكتمل عيدهم إلا حينما كانوا يرددون وبصوت واثق وفخور وعيونهم على بنات صغار بجانبهم ' همبرغر بالبيض والجبن والكشب' فيرد الكاشير المصري 'فلوسك كام? ' لتذهب حصة كبيرة من العيدية في البطن.
وهنا محل الغربللي لبيع الكماليات وعشرات الأسئلة التي كان يتلقاها البائع الهندي الرزين من الصبيان عن كرات الجولف البيضاء الساحره لهم والغامضه خصوصا وهو يرد عليهم ويدفعهم الى خارج المحل 'بليز ذس إز نت فور تشلدرن '. فيغادرون بهدوء بينما يرقبهم هو وهو يهز رأسه بسبب تغير زبائن سوق الأحمدي من العمال في شركة النفط من بريطانيين وجنسيات محدوده إلى زبائن من مختلف الأعمار والجنسيات وخصوصا من الصبيان الصغار المشاغبين.
وهنا كان محل الحلويات والبسبوسه التي كان البائع الهندي الجنسية جون ذو الملامح الخجوله يبيع قطع منها بمئة فلس رحمة بقلوب الصبيان وهم يشاهدون أصناف الحلويات من خلال 'الفاترينا ' قبل أن يغلق محله قبيل أن يشهد محله ركودا شديدا حينما بدأت الوجوه الشامية تتزايد في سوق الأحمدي منتصف الثمانينات من القرن الماضي فيفتح مطعم غدير البستان نافذه نحو عالم الكباب والعرايس والحمص ويفتح محل شامي آخر بجانبه للحلويات فيتحول المزاج العام من المطاعم الهندية الى المطاعم السورية' كهبه' ارتبطت بزيادة المداخيل النفطية قبل ان تعود الامور للتوازن بين المطاعم السورية والهندية عبر مطعم' المنطقة العاشره' أو مطعم عبدالله وهو ذلك الفتى الهندي النحيل الذي بدأ عاملا بسيطا قبل أن يتحول خلال 15 سنة الى صاحب مطاعم عده لديه القدره لأن يدفع دعما للجمعيات التعاونية قدره 70 ألف دينار. مقابل الحصول على حق إستثمار مطعم هندي وهو التوازن الذي جعل زبائن تلك المرحلة يتمتعون برفاهية شراء الوجبات في أي فالفلوس متوفره وإنشاء المطاعم بأنواعها لا يكاد يتوقف والنفط في مدينة النفط الأحمدي يبدأ بتوزيع كرمه غير المحدود للأقربين منه.
وهنا في سوق الأحمدي مركز سلطان والذي جعل للتسوق في ذلك الزمان طعما فالمكان عصري وحديث والكويت لم تكن تعرف هذا القدر من الفخامة والذرابه في الأسواق المركزية فالبضائع لم تعد متكدسة وخدمة الزبون وتدليعه نسبيا في ذلك الوقت بمفاهيم أميركية ذات طعم عربي جعلت مرتادي سوق الأحمدي في الثمانينات من القرن الماضي وخصوصا من موظفي شركة النفط الكويت حديثي الزواج يشعرون بالتميز لوجود مثل هذا السوق في مدينتهم فالأسواق على مر التاريخ لم تكن مجرد أماكن لبيع البضائع بل كانت وفي سوق الأحمدي كذلك مفاصل لتحولات إجتماعية لا يمكن للمرء الا أن يشعر بالألم والخذلان وهو يرى ثقافات وتحولات وذكريات تنهش وتقبر من دون أن يكون هناك من يبقي على شيء بسيط من هذا السوق ولو كان المبنى الذي يضم الخباز الإيراني الذي كانت للسوالف عنده قبيل وصول الدور في الطابور الطويل طعما لا ينسى تماما كطعم الخبز الإيراني في الكويت حينما كان بالفعل خبزا.
وهنا في هذا السوق مرت جحافل جيش الغدر العراقي فأختفت ضحكات الصغار وتحول السوق النابض بالحياة والفرح والبهجه الى مكان موحش وبغيض ليس فقط للكويتيين بل حتى لجنود الإحتلال فالمقاومة التي ولدت بعفوية في مدينة الأحمدي أو النداء كما كان يسميها الإحتلال بإدعاء أن النداء صدر من أهاليها للوحدة الإندماجية مع العراق هذه المقاومة وجدت في سوق الأحمدي المكان الأفضل لإصطياد الجنود العراقيين بسبب تصميم السوق والذي جاء على شكل هلال مقوس وهكذا جاء النداء الحقيقي من الأحمدي.
وهنا في محل الستلايت تجمع الشباب وكبار السن لاحقا من أجل الحصول على فرصة إقتناء طبق لاقط يتيح مشاهدة قنوات فضائية لم يكن يحلم بها الإنسان من قبل خصوصا أن الكويتيين شاهدوا قنوات السي ان ان وام بي سي والفضائية المصرية لسنوات عده بعد التحرير مجانا وعبر بث أرضي وبدعم من وزارة الإعلام وهكذا ولم تفلح فتاوى عده في منع نشاهدة الستلايت هذا حينما كانت قنوات الستلايت تبث بنظام الأنالوغ وتقتصر على نحو 20 قناة أما حين دخل الستلايت عالم البث الرقمي (الديجتل) فقد أصبح الرافضين للستلايت من زبائن هذا المحل الصغير بعد أن ظهرت قنوات دينية ومحافظة تلهي بعض المشاهدين الحالمين قليلا عن القنوات اللبنانية التي نقلت جرأة بعض صبايا بيروت إلى العالم فكانت العبارة الأشهره للتي رددت كثيرا . . .مالك إلا هيفاء. . حتى في الأحمدي.
وهنا فتح محل للأنترنت فكانت نافذه لشباب الأحمدي ولرجالها لمشاهدة عالم سحري لم يستطع شعب في العالم مقاومته فكان الإزدحام لافتا عند هذا المحل خصوصا في عطلة نهاية الاسبوع وكان لافتا ان البعض يدخل ويخرج مخفيا اطراف وجهه بالغتره أو كما يقال بالعامية 'متلطم' خشية من ان يتهم بمشاهدة الصور الجنسية والتشاتنغ حينما كان الأنتر عمل مشبوه قبل أن تتغير الأحوال ويحمل الكويتيون جميعهم تقريبا بما فيهم الفتيات والنساء وحتى 'الشياب' الأنترنت في جيوبهم ويصبح جاتنغ mirc برنامج الدردشه المشبوه في بدايات الأنترنت مقبولا اجتماعيا حين اتخذ اشكالا متنوعه كالواتس اب وتويتر والبلوق .
هدم سوق الأحمدي يوم ليس كمثله يوم فلك يا هذا المكان الحبيب كل تحية ووداعا لزواياك وممراتك فأنت مثل كل شيء جميل في عالمنا الرأسمالي المتوحش لا تستطيع مقاومة غول التنمية وبريق المكسب . . . . فإنا لله وإنا إليه لراجعون .
تعليقات