الوحدة الخليجية: هل أقتربنا أم أبتعدنا عنها 30 عاما?

عربي و دولي

2344 مشاهدات 0


 بمناسبة عقد أول مؤتمر يدعو للوحدة الخليجية والجزيرة العربية في الكويت تحت رعاية نائب رئيس مجلس الوزراء ووزيرا للخارجية الشيخ الدكتور محمد صباح السالم الصباح في الفترة 24-26 يناير 2011م تحت شعار (وحدتنا أمننا ) يصبح من الضروري ان نتتبع التعاون الخليجي قبل قيام المجلس وآفاق التعاون المقبلة .
لاشك ان شعوب الخليج تنتمي لنفس التاريخ ونفس الجغرافيا  لذا  صمد مجلس التعاون لدول الخليج العربية كأنجح منظمة إقليمية في الشرق الأوسط.لكن ليس من الدقة ان نقول ان المجلس هو تجربة التعاون الوحيدة بين شعوبه، فقد سبقها تعاون لو نظرنا اليه خلال القرنين الماضيين فقط، لوجدنا انه قد تم  بمنهجية وانتظام في ثلاثة اشكال:
1. التعاون من خلال سلطات الحماية البريطانية،
فقد كان هناك الكثير من الاتفاقيات والمعاهدات والمؤتمرات التي ربطت شيوخ  المنطقة فيما بينهم.هذا التعاون القسري كان خطوة توحيد كبيرة بين عرب كانت الخلافات وحلها سمت الاتصال الغالبة  بينهم .
2.التعاون التكافلي تحت الحماية البريطانية 
وأوضح صوره كانت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وشجعته بريطانيا بقوة ،فالأفكار التي كانت تهب على جنوب الخليج من الكويت كانت البديل الأفضل لرياح القومية الناصريةكما كانت بريطانيا تريد أن تستقطب جامعة الكويت الطلبة الخليجيين بدلاً من جامعة القاهرة.
3.التعاون من خلال المؤسسات الخليجية بعد الاستقلال. 
فقد دخلت دول الخليج الست طرفاً قائماً بذاته في مؤتمر طهران الذي عقد 1971م، للتوفيق بين شركات النفط صاحبة الامتياز وبين دول الخليج بشان الأسعار.كما كان هناك اتفاقيات ثنائية للتعاون الاقتصادي والتربوي والإعلامي ، أما التعاون الجماعي فقد شمل ما يزيد على 20مؤسسة منها الحوض الجاف ،  بنك الخليج الدولي ، وكالة أنباء الخليج، جهاز تلفزيون الخليج،وغيرها .
 
أما التعاون المؤسسي الاوضح تحقق من خلال مجلس التعاون، الذي بدأ خطواته في مايو 1976م بدعوة من الشيخ جابر الأحمد رحمه الله إلى إنشاء وحدة خليجية بهدف تحقيق التعاون في جميع المجالات، تلاها  دعوات للوحدة نادت بها بقية دول المجلس، ثم اللقاء على هامش مؤتمر القمة العربية، في الأردن عام 1980م و لقاء مؤتمر القمة الاسلامي في جدة 1981م ، واخيرا المؤتمر التأسيسي في أبو ظبي  في مايو 1981م .  وإن من الوفاء ان نقف احتراما لشخصيات ظهرت بالغة المهابة امام نافذة التاريخ الواسعة .وهم لاباء المؤسسين من قادتنا الذين تستعصي انجازاتهم على الاختزال، و الذين رحلوا عنا  سائلين الله الذي وسعت رحمته كل شي ان يحسن مثواهم ، وان يمتع بالصحة والعافية من لا يزال منهم على قيد الحياة ، فقد  كانت النقلة الذهنية والحضارية  التي  قاموا بها  صناعة جديدة لتاريخ المنطقة. وهي نقلة حين نقرأها في  ثنايا قراراتهم وبياناتهم  التي صدرت حين قيام المجلس،نجدها تستمد مفرداتها من قاموس ذهني سطوره حب الخير لابناء الخليج .
 
كما ان من الوفاء أيضا أن نشيد بالدور الذي لعبه كل من أستلم منصب الامين العام لمجلس التعاون .  فقد دعي النظام الاساسي للمجلس الى (تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الاعضاء في جميع الميادين وصولا الى وحدته)وهي جمل لايعني قصرها قصر رؤيتها.  لكن المهمة الملقاة على عاتق الامين العام والامانه العامة لم تكن سهلة، فقد  كان من واجباتهم وضع استراتيجية الفكر السياسي لمجلس التعاون ،وكان عليهم ان يستندوا الى النظام الاساسي لتوحيد الانظمة والقوانين وجميع المجالات وصولا الى وحدة المنطقة، لكن النظام الاساسي لم يحدد نوع الوحدة ولا شكل الوحدة ولا آلية الوصول الى الوحدة . كما كبل النظام الاساسي يد الامانة العامة،مع ان الاصل في الامور هو ان يكون عملها عابرا لكافة السلطات الخليجية .
ولسنا بصدد ذكر الانجازات أو تعداد العقبات التي واجهت مسيرة مجلس التعاون فماضيه هو قاضيه ،لكننا سنقف عند بعض المنعطفات التاريخية التي مر بها المجلس :
وأولها :قيام المجلس نفسه ،حيث لم يكن قيام المجلس وفق قراءات متأثرة بالبعد الامني منفردا ، ولا وليدة رغبة سياسية  أو اقتصادية فحسب، بل استجابة لتحديات مشتركة واجهت دول المجلس جميعها . لذا تم تجاوز  صفة إطار التعاون المفرد الى  صيغة شاملة  للتعاون، وكمعاهدة مشتركة ليس لها صفة عدوانية . حيث كان على المؤسسين الاوائل اقناع المحيطين بنا انه نظام أقليمي فرعي لسد الثغرة في النظام الاقليمي العربي.
أما ثان المنعطفات فكان الحرب العراقية الايرانية،فقد سعى المجلس لتعريب القضية حين تم انشاء اللجنة العربية السباعية، كما  جعل الحرب على رأس جدول مؤتمر القمة الاسلامي، ثم نجح  في تدويل القضية وصدور قرارات منها  قرار مجلس الامن رقم 598  في 20 يوليو 1987م والذي توقف القتال بناء عليه .  
ثالثا :الغزو العراقي الغاشم وتحرير دولة الكويت ،حيث استطاع المجلس ترجمة المصير الواحد الى واقع حرر الكويت من الاحتلال العراقي،حيث عقدت قمة التحرير والتغيير في الدوحة 22 ديسمبر 1990م .وجاء فيها (ان سياسة المجلس تتمثل في الانسحاب الفوري التام بلا شروط، وعودة الشرعية ،لامساومة على الارض ولا مكافأة على العدوان، ولا ترتيبات مؤقتة أو حلول جزئية .)
 
لقد جاء المجلس كنقلة فكرية وحضارية على طريق العمل المشترك،وتجاوز العديد من المنعطفات التاريخية . ولازال هناك الكثير من الخطط في ذهن صانع القرار الخليجي لتطوير مجلس التعاون.  فهناك رؤية مملكة البحرين  وآراء خادم الحرمين الشريفين، وورقة دولة الكويت، ورؤية دولة قطر، وفكرة السلطان قابوس  في شأن  درع الجزيرة وما لدى دولة الامارات من مقترحات. 
وفي الوقت نفسه لن يغيب عنا قلة تفاعل المواطن الخليجي مع مسيرة المجلس، مصحوبة بكثيرمن النقد لبطء تحركه، وقلة الحماس لمنجزاته. يقابلها على الطرف الاخر مايفيد بأن المواطن الخليجي يريد من المجلس أن يكون حلف شمال الاطلسي،وفي الوقت نفسه أن يكون السوق الاوروبية المشتركة.وأن يركض  كما قيل قبل أن يحبو .
فمجلس التعاون والحالة كهذه ماهو الا حلقة من حلقات التطور التاريخي للتعاون الخليجي .
إن شرف الغاية يحتاج الى وضوح الرؤية،لكن المنظمة الاقليمية المسماة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، يمكن قرائتها من خلال التطور التاريخي لمسيرتها من جوانب عدة غير التي اردنا ان نراهن بها على المستقبل  : 
الجانب الاول يقول :إن مجلس التعاون هو نهاية التاريخ الخليجي –بعد إستعارة مفهوم  نهاية التاريخ  عند فرانسيس فوكوياما– فماسيأتي من تعاون خليجي مستقبلي  لن يخرج  عن ما  وصل اليه المجلس حاليا ، أوما يسمى في أدبيات المجلس (بالتكامل) (التكامل) بوتيرته الحالية  المتأنية المثخنة بقضايا السيادة و بتبعات إجراء تعديلات هيكلية، وتغيير في التشريعات، واستقصاء شامل لآثار كل خطوة مهما صغرت في العمل المشترك .
 
أما القراءة الثانية:  فهي إن المجلس مرحلة انتقالية أستنفذت  جل أغراضها  ووصلت الى الحدود القصوى للتحرك في دائرة التعاون المشترك . 
 
إن الوحدة الخليجية التي نص عليها النظام الأساسي في مادته الرابعة وهي كما أسلفنا  الرهان على المستقبل، توجب البت في رسم خريطة  قيامها،   فلتقم الوحدة  كخطوة للامام وليأتي التكامل الذي طال أمده  داخل إطار هذه الوحدة  .  أو فلنبحث عن صيغة اخرى وهياكل تعاون جديدة بديلة  لهذا المجلس الانتقالي .
إن الحذر من الاستغراق في التاريخ والابتعاد عن الواقع  يجبرنا  على ان يكون  المستقبل ومتطلباته هو مرجعيتنا الوحيدة .وقد نضطر في سبيل ذلك الى نسف العديد من القناعات شبه الراسخة ومنها حقنا في ان  نتسائل:
 هل أقتربنا أم أبتعدنا 30 عاما عن الوحدة الخليجية التي نص عليها النظام الأساسي في مادته الرابعة،و يصبوا اليها المواطن في دول مجلس التعاون؟  
 

الآن - د.ظافر محمد العجمي- المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك