أحمد الديين يطالب بالتصدي للمحاولة السلطوية الجديدة لتنقيح الدستور عبر طلب إعادة تفسير عدد من مواده
زاوية الكتابكتب يناير 25, 2011, 1:05 ص 903 مشاهدات 0
عالم اليوم
تنقيح الدستور بإعادة تفسيره!
كتب احمد الديين
يبدو أنّ الطرف الحكومي ما أن يُدخل الكويت في أزمة سياسية حتى يعدّ عدّته لإدخالها مجددا في أزمة أخرى أسوأ منها، وهذا ليس عبثا غير مقصود، وإنما هو جزء من مخطط سلطوي متواصل لم يتوقف يوما يهدف إلى تقليص الهامش الديمقراطي إلى أدنى حدّ ممكن!
وضمن هذا السياق جاء الطلب الحكومي الجديد الموجّه إلى المحكمة الدستورية لطلب تفسير المواد 50 و100 و111 و163 من الدستور... والقصد من هذا الطلب الحكومي الجديد محاولة فرض المزيد من التحصين لرئيس مجلس الوزراء تجاه المساءلة الدستورية، وهو المبالغ في تحصينه أصلا.
فمن المعروف أنّ المذكرة التفسيرية للدستور قد نصّت على أنّ الدستور قد قدّر “ضرورة الحذر من المبالغة في ضمانات السلطة التنفيذية، وذلك مخافة أن تطغى هذه الضمانات على شعبية الحكم، أو تضيّع في التطبيق جوهر المسؤولية الوزارية التي هي جماع الكلمة في النظام البرلماني”، كما نصّت المذكرة التفسيرية للدستور على أنّ “رئيس مجلس الوزراء الذي يصل تبرم مجلس الأمة به ومعارضته لسياساته حدّ تعريض المجلس نفسه للحلّ، وتعريض أعضائه أنفسهم لخوض معركة انتخابية مريرة، ليس من الصالح العام تحصينه أكثر من ذلك أو كفالة بقائه في الحكم إلى أبعد من هذا المدى”... ومع ذلك كله ها هي الحكومة تحاول تحصين نفسها وقبل ذاك تحاول أن تحصّن رئيسها أكثر مما هو محصّن تجاه المساءلة الدستورية من خلال طلب التفسير الجديد لعدد من مواد الدستور، أو بالأحرى طلب إعادة تفسيرها على نحو مواتٍ للمفهوم السلطوي غير الديمقراطي، إذ سبق تفسير هذه المواد في المذكرة التفسيرية للدستور، بل سبق تفسير المادة 100 من المحكمة الدستورية ذاتها بناءً على طلب تفسير حكومي، وكأنّ المطلوب تفسير إعادة تفسير تفسيرها!
وللعلم فقد سبق أن نظرت المحكمة الدستورية 12 طلبا سابقا بتفسير مواد دستورية، كان 11 طلبا تفسيريا منها مقدما من الطرف الحكومي لتفسير أو إعادة تفسير مواد مهمة وأحكام أساسية في الدستور، بينما لم يتقدّم مجلس الأمة في المقابل إلا بطلب وحيد لتفسير مادة إجرائية بناء على خلاف حول كيفية احتساب الغالبية النيابية في التصويت على انتخاب رئيس مجلس الأمة في العام 1996، وهذا يعني أنّ الطرف الحكومي كان ولا يزال عاقد العزم على تنقيح الدستور من خلال إعادة تفسيره مرات ومرات، بعدما اكتشف صعوبة تحقيق هذا الهدف السلطوي وفق الإجراءات المنصوص عليها في الدستور لتنقيحه.
ولا أزال أذكر تلك الأزمة الشهيرة في العام 1995، التي افتعلها الطرف الحكومي عندما تقدّم بطلب تفسير المادة 71 من الدستور في شأن صحة عرض المراسيم بقوانين الصادرة خلال التعطيل غير الدستوري للحياة النيابية على مجلس الأمة بعد عودة العمل بالدستور، بهدف تحصين تلك المراسيم بقوانين غير دستورية تجاه السلطة التشريعية، وحينذاك اعترض غالبية النواب والقوى السياسية على ذلك الطلب الحكومي بقوة، ما أجبر الحكومة على التراجع وترك طلبها.
واليوم فإنّ النواب الحريصين على النظام الدستوري، وإن لم يشكلوا غالبية مجلس الأمة، وكذلك القوى السياسية، والقوى الشبابية التي ساهمت في التحرك الشعبي الأخير، مطالبون جميعا بالتصدي للمحاولة السلطوية الجديدة لتنقيح الدستور عبر طلب إعادة تفسير عدد من مواده... فنحن الآن لسنا أمام مشكلة دستورية فنية تتصل بتفسير نصّ دستوري ملتبس، وإنما نحن أمام حلقة جديدة من حلقات النهج السلطوي، الذي يحاول أن يعرقل ويعيق التطور الديمقراطي المستحق والطبيعي للمجتمع الكويتي، ولا بد من مواجهة هذا النهج والعمل على تفكيك حلقاته واحدة بعد الأخرى.
تعليقات