ماجرى مؤخرا نكسة حقيقية عكست قصورا حكوميا فاضحا وتساقطت معه مناعة الحكومة أمام مطالب النقابات، وكشفت شهوة كثيرين من خارج الحكومة للتصعيد والتخريب ..مختصر مقال جاسم بودي

زاوية الكتاب

كتب 649 مشاهدات 0



 حديث الهيبة

هل تكون خطوة صاحب السمو الامير بداية النهاية لتراجع هيبة السلطة؟
قبل الاجابة عن السؤال لا بد من التذكير بان لكل مرحلة انتقالية ظروفها وخصوصياتها، وتحديدا في الكويت التي شهدت في الاعوام الـ17 الماضية مراحل انتقالية خارجية وداخلية كبيرة كانت كفيلة بزعزعة مقومات الوطن، ان لم يكن الوجود نفسه، لولا عناية الله وحكمة القيادة ومساعدة الاصدقاء ووعي الكويتيين.
اليوم، تعبر الكويت عنق الزجاجة بعد استرخاء التهديد الخارجي واستتباب الوضع الداخلي نتيجة لذلك، مع ما يعنيه الأمر من ضرورة الانصراف الى مواكبة تطلعات الكويتيين في بناء مستقبل افضل، مستفيدين من ظروف مالية قد لا تتكرر.
ترتيب البيت الداخلي لم يكن بالسهولة التي بدا عليها، لكن طبيعة الكويت والكويتيين تدفع بتجاوز الامور حرصا على استمرار العجلة في الدوران ما دامت الثوابت واضحة واهمها الالتفاف حول الدستور والاسرة والنظام الديموقراطي والحريات. ولنكن صريحين اكثر فان ترتيب بيتنا الداخلي لم ينته بحسم موضوع الامارة بعد رحيل المغفور له الشيخ جابر الاحمد بل هو عملية دائمة ومستمرة ينبغي ان تســـــتـــــمر كـــــي يســــتعــــيد النظام السياسي العام رونقه الحضاري وتستقيم ادارة السلطة بعد سلسلة المطبات التي اعترضتها من داخل وخارج.
في اطار هذا الحراك، حصل ما حصل من محاولات للتعايش بين المجلس والحكومة على اسس الاوضاع السابقة، فاثبتت التطورات على الارض ان ذلك مستحيل، وان تغييرا واصلاحا كبيرين لا بد ان يتحققا لمواكبة العهد الجديد.
تغير المجلس وتغيرت حكومات في مسيرة البحث عن صيغة جديدة للتعاون لا التعايش، لكن شيئا لم يتغير في طبيعة الازمات نتيجة لتدخل السلطات في اعمال بعضها البعض وبحث كل سلطة عن اوراق قوة اضافية من مختلف المصادر والجهات، رسمية وشعبية.
بحثت كل سلطة للاسف الشديد عن اوراق دعم لعملها ولوكان ذلك على حساب المصلحة العامة، ولا نريد ان نذكر هنا بتضحية الحكومة بوزراء اكفاء وبرامج متقدمة فقط من اجل استرضاء المجلس وبتضحية المجلس، بآمال المواطنين في التعاون لاقرار مشاريع التنمية فقط من اجل تحقيق انتصارات على الحكومة...وفي الحالتين انتصر التخلف وخسر الكويتيون.
بصراحة اكثر، لم يؤد تراجع الحكومة وتنازلها في هذه القضية او تلك الى ما كانت تصبو اليه من استقامة للعلاقة مع المجلس، فكل تراجع يقابل بهجوم جديد، وكل تنازل يقابل بمطلب جديد. هذا الامر ادى ايضا الى تشجيع المجتمع النقابي والعمالي على اعتماد سياسة «الهجوم المطلبي» لتحصيل ما يمكن تحصيله بالضغط والتهديد ما دامت هذه السياسة نجحت بين المجلس والحكومة، من دون التوقف عند مصالح الناس الحيوية في قطاعات حساسة مثل الصحة والتعليم والموانئ والمواصلات والنفط وغيرها من الامور التي تمس مباشرة كل بيت في الكويت.
تصرفت الحكومة مع هذه المطالب تماما كما تصرفت مع المجلس. رفض سريع من دون دراسات موضوعية للرفض... ثم قبول اسرع باكثر مما طرح سابقا وايضا من دون دراسات موضوعية، اللهم الا حيازة الرضا وعبور المرحلة بشعار «الهون ابرك ما يكون».
تساقطت مناعة الحكومة امام مطالب الموظفين والنقابات كما تتساقط حجارة الدومينو المصفوفة بانتظام. تصعيد فتهديد فندوة فاعتصام يتصدره نواب فاضراب ... فاذعان للمطالب بل لأكثر منها. وقد تكون حكومتنا الأسرع على مستوى العالم في مساعدتها للنقابات والتجمعات على التشكل لانها عندما تذعن للتهديد والاضراب تحفز مجاميع اخرى في قطاعات اخرى على التجمع وتشكيل نقابة او هيئة او رابطة ثم اصدار البيان الرقم واحد بالتصعيد فالتهديد فالاضراب، ثم تقيم مأدبة عشاء عامة احتفالا بتحقيق مطالبها.
نرجو الا يفهم احد اننا ضد تحقيق المطالب العادلة للموظفين والعمال فهم يستحقون كل الخير، لكننا نتمنى ان تفهم الحكومة ان الشارع غير المجلس وان ما يجوز (ولو خطأ) مع البرلمان لا يجوز ابدا مع حركة شارع تموج خارج اطار التوقعات احيانا، ولا يمكن ضبطها باقالة وزير او تدويره.
ما نريده ويريده بالطبع اخواننا الذين يعملون في مختلف القطاعات الوظيفية والمهنية، ان تبادر الحكومة للنظر في مطالبهم واوضاعهم من دون ان ينبهها الى ذلك بيان او تحرك، وان تجري بالاتفاق مع المعنيين الدراسات اللازمة والموضوعية لدعم حقوقهم المالية والوظيفية بما يليق بهم مقارنة مع ما يحصل عليه نظراؤهم في دول اخرى لا تتمتع حتى بالوفرة المالية الموجودة في الكويت، وان تحقق مطالبهم ليس منّة او منحة منها بل لان ذلك في صلب واجبها كسلطة منوط بها العمل على كل ما من شأنه الدفاع عن حقوق الكويتيين ومصالحهم... اما ما جرى في الايام السابقة فكان نكسة حقيقية عكست قصورا فاضحا في ادارة شؤون الناس من قبل الحكومة وتحديدا من قبل وزراء ضيقي الآفاق، كما كشفت شهوة كثيرين من خارج الحكومة للتصعيد والتخريب على مصالح الناس من خلال التحريض على الاضرابات ولو طالت القطاع الطبي.
في ظل هذه الصورة اتى قرار صاحب السمو الامير باجراء الدراسات اللازمة لبحث زيادات الاجور والرواتب لجميع الموظفين وليس للقطاعات التي تملك كوادر، معيدا للمساواة اعتبارها وواضعا حدا للتراجع الحكومي المستمر في ادارة السلطة ومهدئا من شهوة الاضرابات التي كادت تشل البلاد في حال تعممت.
عود الى السؤال: هل تكون خطوة صاحب السمو بداية النهاية لتراجع هيبة السلطة؟
الجواب ليس عند صاحب السمو وحده.

جاسم بودي


 

الراى

تعليقات

اكتب تعليقك