حصاد عقد في البيئة الأمنية الخليجية

عربي و دولي

2838 مشاهدات 0


 كمبتدأ، الهدوء يعرف حين التعرض للعاصفة، وفي الخليج العربي جاء عام 2000م بعد عواصف حرب الخليج الأولى والثانية، فقفزت العائدات النفطية من 70 مليار دولار في 1999م، إلى 140 مليار دولار عام 2000م. وسويت قضايا حدودية خليجية عدة، كما ضعف نظام البعث في العراق، ووصل إلى السلطة في طهران الإصلاحي خاتمي، فرعى علاقات حسنة مع دول مجلس التعاون. ثم هبت عاصفة (11/9) لتتحول إلى إعصار تحملته بشقّ الأنفس بيوت الشعر الخليجية المثبتة أطنابها في الرمال. وقد رافق ذلك الإعصار عشرة أحداث رسمت في الخليج العربي ملامح العقد الأول من القرن الجديد.
1. هجمات 11 سبتمبر 2001م: يصف التقرير الاستراتيجي الخليجي سنة 2001م (بالسنة الصعبة) ففي نصفها الأول شهدنا تفاعلات إقليمية إيجابية، من عائدات نفطية سخية إلى نهاية للقضايا الحدودية الخليجية، والاتفاق الأمني السعودي الإيراني والإصلاحات السياسية في البحرين وإعادة انتخاب خاتمي. لتنتكس البيئة الأمنية في خريف ذلك العام إلى النقيض، فقد أصبحت دول الخليج في عين العاصفة كمصدر للإرهاب، فتراجع الرخاء وقفزت الاعتبارات الأمنية للواجهة، وتعرضنا لهجوم إعلامي غربي شرس، وتم سحب القرار المحلي لصالح المشهد الدولي الجديد.
2. الغزو الأميركي لأفغانستان في 2001م: شنته الولايات المتحدة لتدمير تنظيم القاعدة وكان من نتائجه على الخليج: (أ) جاء المنطق الاستبدادي القائم على القوة لمكافحة الإرهاب، كمحاور الارتكاز التي أمكن الانطلاق منها لمد المظلة الأميركية على المنطقة. (ب) اعتمدت واشنطن عقيدة بوش «Bush Doctrine» التي لا تميز بين المنظمات الإرهابية والحكومات، فكانت سيفا مسلطا على رقاب حكومات خليجية عدة (جـ) أكد الغزو أن لتصورات واشنطن ودورها الجيوستراتيجي ثقلاً أساسياً في تشكيل أية خطة تخص أمن الشرق الأوسط وأمن الخليج العربي. (د) انتشار الأعمال الإرهابية في الخليج تحت توقيع القاعدة بمختلف مسمياتها بحجة محاربة التواجد الغربي.       
3. حرب تحرير العراق 2003م: تمت لتقويض نظام البعث، وفرض الديمقراطية ونزع أسلحة الدمار الشامل، لكنها خلفت تأثيرات منها: (أ) خلقت إحساسا منخفضا بالخطر، بعد الإطاحة بالنظام البعثي. (ب) ميل ميزان القوى في النظام الإقليمي لصالح إيران. (جـ) توسع شبكات الإرهاب نحو العراق بدل أفغانستان. (د) انتقال التأثيرات الطائفية إلى دول الخليج. (هـ) سحب القوات الأميركية من السعودية ليكون العراق محور منظومة العلاقات الأميركية في المنطقة. (و). تأصل الخوف من إمكانية تشكيل إقليم شيعي يتمدد من خلاله النفوذ الإيراني إلى الخليج. (ز). خلق سقوط البعث ذريعة للتملص من الالتزامات الدولية تجاه دول الخليج. (ح). قوبل نظام الحكم الليبرالي العراقي، بتوجس من نظم الحكم المحافظة في الخليج. (ط). تراجع الأهمية الاستراتيجية لدول الخليج من خلال التفسير البترولي الأميركي للمنطقة.  
4 . غياب الآباء المؤسسين: كان قيام مجلس التعاون نقلة ذهنية وحضارية لرجال كانوا آنئذ يعلمون أنهم يصنعون التاريخ. وقد شهد العقد غياب المؤسسين للمشروع الوحدوي، فقد توفي أمير البحرين الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، عام 1999م، والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات في 2004م، ثم الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود في 2005م، وأمير دولة الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح في 2006م. ولم يغب مجلس التعاون بغيابهم، لكن العواصم الخليجية أظهرت بعد المؤسسين نزعة أقل تسامحا في قضايا السيادة القُطرية، كما ظهرت فروق بيّنة في السياسة الخارجية لدول المجلس، كما وصلت إلى وسائل الإعلام خلافات خليجية كانت في عُرف المؤسسين من خفايا البيت الخليجي حتى يتم تجاوزها.     
5 . التقلبات الاقتصادية: (أ) في 4 ديسمبر 2007م صدر إعلان الدوحة لقيام السوق الخليجية المشتركة على أن يُعامَل مواطنو دول المجلس في أي دولة من الدول الأعضاء نفس معاملة مواطنيها في كافة المجالات الاقتصادية، لكنها خطوة لم تخلُ من المعوقات التي منها غياب التوعية بالسوق المشتركة ومتطلباتها وفوائدها، وبطء توحيد القوانين والنظم. ثم قضايا الجمارك واقتسام مردودها. (ب) أدت الأزمة المالية العالمية في‏2008م إلى فقدان أسواق الأسهم لنصف تريليون دولار من قيمتها السوقية خلال عام. كما ضربت القطاع العقاري بعنف، وتعرضت بعض المصارف الخليجية لأزمات سرحت نتيجته العديد من موظفيها الخليجيين. (جـ) وصل سعر النفط إلى 34 دولارا في شتاء 2008م متراجعا بشدة عن سعره في صيف العام نفسه وهو 147.3 دولار للبرميل. (د) نتيجة التضخم ارتفعت البطالة في الخليج إلى مستويات وصلت في عام 2010م إلى %11.
 6. الأمن الجماعي الخليجي: في نهاية 2000م تم توقيع اتفاقية الدفاع المشترك لمجلس التعاون في البحرين لدعم الأمن الجماعي، رافقها خطوات عدة أبرزها: (أ) تشغيل مشروع حزام التعاون في ديسمبر 2001م لربط مراكز عمليات القوات الجوية. (ب) مشروع الاتصالات المؤمنة في منتصف 2000م. (جـ) اعتماد الاستراتيجية العسكرية في قمة الكويت الـ30 في ديسمبر 2009م. (د) تطوير قوة درع الجزيرة من خلال توحيد القيادة في حفر الباطن وعودة وحدات المناورة إلى بلدانها.
       
7. انتكاسة نظرية الدفاع الذاتي: رافق التقدم في تفعيل الدفاع الذاتي الخليجي جهد عسكري غربي مضاد في إهانة مفتوحة لإعادتنا لحقبة الأحلاف العسكرية في الخمسينيات، وتمثل في: (أ) عسكرة الخليج العربي وإعادة انتشار القواعد الغربية، وظهور قواعد لقوى أجنبية لم يكن لها تواجد سابق. (ب) ضم معظم دول المجلس لهياكل عسكرية أطلسية كمبادرة اسطنبول. (جـ) انتشار بحري غربي تحت مسمى قوات الواجب المشتركة (CTF) والتي تضم 30 دولة معظمها أعضاء في حلف الناتو دون غطاء أممي.     
8 . صفقات التسلح الخليجي: نتيجة حسابات معقدة اختلطت فيها العوامل الداخلية بالخارجية، سجلت دول الخليج في نهاية هذا العقد أكبر عمليات إعادة التسلح في التاريخ، حيث عززت 4 دول خليجية تسليح جيوشها بـ 123 مليار دولار. وهي: (أ) لرفع قدرات القوات المسلحة في دول الخليج إلى مستوى نوعي جديد. (ب) لرفع الكلفة على إيران في سعيها للهيمنة على الخليج. (جـ) لتعزيز للعلاقات الأمنية مع الدول المصدرة للسلاح.       
9 . الطموح النووي الإيراني: هو أصل كل القلق والهاجس الأمني الخليجي الراهن. وقد تدثر الخطاب الخليجي خلال عقد كامل بالدبلوماسية، ونادى بها كحل للمماحكات بين طهران والغرب، لكن نهاية العقد شهدت تبني دول المجلس لمقولة: إذا كان سيفك قصيراً فأطِلْه بالتقدم خطوة، حيث ظهر التقرب الخليجي من الأزمة من خلال: (أ) تحميل إيران عدم الشفافية، وإظهار القلق البالغ تجاه ملفها النووي. (ب) لوم الغرب على استبعاد دول الخليج عن المشاركة في حل هذه الأزمة الممتدة.
10. أزمة الحوثيين: تحولت الأزمة في عام 2008م من قضية يمنية داخلية إلى همّ خليجي بعد محاولة الحوثيين نقل الصراع إلى الحدود السعودية، وقد أظهر الحدث هشاشة نظام الأمن الخليجي في جوانبه السياسية والاقتصادية والعسكرية فقد تم تجاهل اليمن حتى نمت حركة تمرد الحوثيين في الشمال، والحراك الانفصالي في الجنوب، وإرهاب القاعدة في كل اليمن. كما أظهرت ضرورة ضم اليمن إلى عجلة التنمية الخليجية حتى لا تتحول إلى بؤرة أزمات في خاصرة المجلس. كما أظهرت حاجة المجلس إلى إنشاء لواء تدخل سريع لمساندة القوات الخليجية في الظروف الطارئة.    
في العقد الماضي استغلت الولايات المتحدة أحداث 11 سبتمبر لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، التي كان منها بسط سيطرتها على منابع النفط في الخليج من خلال عسكرتها. وعندما حوصرت إيران أميركياً، سعت إلى الطريق النووي لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. ويعني تحقق الأهداف الاستراتيجية الأميركية والإيرانية في عشرية اللايقينية من القرن الـ21 وضع حواجز بيننا وبين المستقبل وتعطيل أهدافنا الاستراتيجية، وإلغاء المفهوم المحلي لأمن الخليج، الذي يقوم على الدفاع الذاتي والأمن الجماعي الخليجي.

د.ظافر محمد العجمي-المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك