الكوادر ليست هي القضية..وإنما الأساس هو إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمواطن ..فحوى مقالة أحمد الجارالله
زاوية الكتابكتب نوفمبر 21, 2007, 7:46 ص 439 مشاهدات 0
حزم مطلوب... طال انتظاره يا سمو الرئيس!
كتب - أحمد الجارالله:
أخيرا خطت الحكومة الخطوة التي طال انتظارها, واتخذت واحدا من قراراتها النادرة الحازمة بإلغائها الكوادر الوظيفية وتحذيرها من اتخاذ عقوبات رادعة بحق المتجاوزين الذين دأبوا على اثارة الموظفين والدعوة الى تنظيم اضرابات تشل حركة البلاد, وتهدد بوقف العمل في مؤسسات حيوية كمطار الكويت الدولي ومؤسسة الموانئ والمستشفيات وغيرها ولاول مرة منذ فترة طويلة يشعر المواطن بالارتياح تجاه اجراء حكومي وتتفق تماما نظرة الشعب مع نظرة الحكومة في ضرورة ضبط »براغي« المؤسسات الرسمية حتى لا تتفكك وتتداعى اركانها.
ولا يجوز لانصار الاضرابات - بأي حال من الاحوال - تبرير تأييدهم لاعتصامات الموظفين والعمال, بما يحدث في دول اخرى فالمقارنة بيننا وبينهم لا اساس لها مطلقا على ارض الواقع.. ففي تلك الدول »الاخرى« يؤدي الناس ما عليهم من اجبات اولا ثم يطالبون بما لهم من حقوق وليس العكس كما يحدث عندنا حيث تمتلىء الوزارات والمؤسسات الحكومية الاخرى بموظفين لاعمل لهم ثم تبدأ سلسلة من المطالبات والابتزاز لا تنتهي ابدا وذلك بالطبع بفعل نواب يأخذون من الديمقراطية أسوأ ما فيها ويزحفون على صلاحيات السلطة التنفيذية, وينفخون في رماد اي مشكلة لتكبر وتتضخم حتى تصبح بحجم الجبال ويصبح من المستحيل حلها او زحزحتها من مكانها وتتفجر المظاهرات والاحتجاجات المطالبة بكل ما هو منطقي وغير منطقي يتصدرها اعضاء المجلس من اصحاب الاصوات »الحنجورية« التي لا تجيد شيئا قدر اجادتها شتيمة الحكومة وتحميلها المسؤولية عن كل مصائب البلاد والعباد وكأن رجال هذه الحكومة - سواء كانوا وزراء او مسوولين عاديين او رجال امن ليسوا مواطنين يهمهم استقرار البلد.
حسنا فعل رئيس الحكومة - اذن - ويحسب له هذا الحزم اللازم والحتمي في بعض الامور فامساك العصا من نصفها ومحاولة ارضاء كل الاطراف وعدم اغضاب احد سياسة لا تصلح على طول الخط وحتى في الدول عريقة الديمقراطية تتدخل الحكومات لتحسم القضايا التي ترى انها بحاجة الى الحسم واكبر مثال على ذلك ما قامت به رئيسة وزراء بريطانيا السابقة ما رغريت تاتشر في تعاملها مع اضراب لعمال المناجم استمر ثلاث سنوات ورغم ذلك لم تتوقف شؤون الدولة والتزمت تاتشر حينها صرف رواتب ستة اشهر فقط من بداية الاضراب ثم اوقفت بعدها صرف اي رواتب مستندة في ذلك الى ما ينص عليه قانون العمل لكن ماذا كانت النتيجة? جاء ممثلو هؤلاء العمال بأنفسهم الى تاتشر رافعين »الراية البيضاء« عندما رأوا حزم الدولة وحزم المرأة الحديدية التي انتعش في عهدها الاقتصاد البريطاني بعدما كان هوى الى الحضيض.
ليس معنى ذلك بالطبع انه لا يحق للموظفين المطالبة بحقوقهم وامتيازاتهم فهذا حق كفله لهم الدستور, لكن ذلك له أطوه وطرقه القانونية.. وكان على الدولة من الاساس ان تقوم بمراجعة شاملة للرواتب والاجور كل بضع سنوات حتى لا تنفجر في وجهها - تلك »النتوءات« التي تسمى ب¯ »الكوادر« كما انها مطالبة ايضا بدراسة سوق العمل واحتياجاته لتوجيه طلبة المدارس الثانوية واولياء امورهم قبل ان ينخرطوا في دراسة تخصصات جامعية لا علاقة لها بمتطلبات سوق العمل وتقذف لنا الجامعات سنويا بالاف المخرجات التي لا تجيد حرفة ولا تستطيع الاسهام في رفع انتاجية البلد فنرى امامنا اكد اسا بشرية من الكتبة والسكرتارية ومسؤولي العلاقات العامة وكأن البلد لا يحتاج الا الى هذه الوظائف.
اما وقد وصلنا الى ما وصلنا اليه فقد بات لزاما على الحكومة ان تجرى - دراسة موسعة لقضية الرواتب كي لا تشعر جهة ما او فئة من الموظفين كالاطباء وموظفي الطيران المدني وغيرهم بالغبن دراسة هدفها انصاف الجميع دون استثناء او تمييز يخل بمبدأ المساواة بين المواطنين كما نص عليه الدستور وقبل ان نصل الى مرحلة تخرج فيها مظاهرات شعبية للمطالبة بكبح ارتفاع الاسعار ومحاولة الضغط على التجار والجمعيات التعاونية والمخابز واصحاب الحوانيت كي يبيعوا بأسعار تقل ربما عن السعر الاصلي للسلعة.. وساعتها قد تستجيب الحكومة لتلك المطالب خوفا من استمرار المظاهرات ويومها ستتوقف كل هذه الانشطة عن نشاطاتها.
نحن مع انصاف الموظفين ومنحهم حقوقهم لكننا ايضا مع انصاف البلد واعادة التوازن اليه, ومع معالجة شمولية لقضايانا لا معالجة بالتجزئة او »القطعة« مع كل »فزعة« تصدر من نائب او نقابة.. فتسارع الحكومة باقرار كادر هنا او منح امتيازات هناك.. كل ذلك لن يجدي نفعا.. المطلوب الان هو اعادة تصحيح العلاقة بين الدولة وموظفيها وبناء علاقة سليمة لا يشوبها تشوه او انحراف, يحكمها عقد من كلمتين »خذ حقك.. واعطني حقي«, علاقة تضبطه قواعد ثابتة وواضحة شفافة يحتكم اليها الجميع ويرتضونها بدلا من البحث عن »ميزان« للحكم كلما طرأت لنا حالة او ظهرت لنا شكوى.
ورغم السلبيات الكثيرة لاحداث الايام الماضية فلعلها فرصة ننتهزها لمعالجة هذا »الاختلال« في العلاقة بين المواطن والدولة وايصال رسالة الى الجميع, والى نواب الامة خصوصا ان بلدنا ليس بقرة حلوبا علينا ان نستنزفه حتى يجف ضرعه ولا تبقى فيه نقطة حليب واحدة.. وعلى اعضاء البرلمان قبل غيرهم - ان يعوا ان الفوائض المالية التي تحققت للكويت هي مسألة عارضة وقتية وليست دائمة وان الامور ستعود سيرتها الاولى اذا لم تكن هناك مشاريع منتجة والدول لا تبني سياساتها على ظواهر طارئة وانما تبنيها على اسس دائمة وثابته.. ولابد ايضا ان تتفق »اجندة« هؤلاء النواب - ولو مرة واحدة في حياتهم البرلمانية - مع اجندة الوطن, فلا ينساقوا في مطالبهم الابتزازية التي يداعبون من خلالها عواطف الناس وغرائزهم غير مبالين بمصلحة الكويت, حاضرا ومستقبلا.
وعلى النقابات ايضا ان تدرك ان العمل النقابي له اصول وضوابط, وليس مجرد ابتزاز او تكسب انتخابي.
رئيس الحكومة اتخذ القرار الصحيح.. والمطلوب ان نقف معه وان نتوقف عن المتاجرة بعواطف الناس قبل ان نندم على ما قدمت ايدينا.. وساعتها سنقول: »ياليت اللي جرى ما كان«.
تعليقات