د.المقاطع يرى أن المشهد الحالى أفرز إقصاء المواطنة الدستورية لتحل محلها حالة التخندق الفئوي قبليا كانت أو طائفيا أو تجاريا

زاوية الكتاب

كتب 632 مشاهدات 0


القبس

الديوانية 
التخندق الفئوي.. والدواء هو الداء 

كتب محمد عبدالمحسن المقاطع : 

 
من الطبيعي أن ينقسم الناس حول قضية ما إلى مؤيد ومعارض وربما محتار، ومن الطبيعي أيضاً أن يحاول كل طرف تبرير موقفه ورأيه، ومن الطبيعي أن يبحث كل طرف عما عساه أن يعزز موقفه، فالأمور السابقة أحوال معقولة ومقبولة في المجتمع الحر والدولة التي تقوم على التعددية الديموقراطية كما هو الشأن في الكويت، وينطبق هذا الأمر على موضوع استجواب رئيس الوزراء.
وفي شأن الاستجواب، فإنه ليس طبيعياً أن تتزايد وتتأصل أحوال الاصطفاف الفئوي والطائفي والقبلي، وليس طبيعياً أن يظهر مزاد للأصوات النيابية، كما أنه غير طبيعي أن تظهر فتاوى التبرير السياسي تماماً، كما أنه ليس طبيعياً أن تسود لغة التحريض أو مفردات التخوين، وليس طبيعياً أن يعيش البلد حالة التأزم والقلق وكأن نجاح الاستجواب هو معركة إصلاح البلد أو أن فشله سيطلق عجلة التنمية، رغم أنه يوجد في الطرفين من لا يهمه كلا الأمرين السابقين، وليس طبيعياً أن تظهر دعوات حل المجلس أو تعليق العمل بالدستور.
ولا شك في أن المشهد غير الطبيعي، الذي يصاحب استجواب رئيس الوزراء غدا، هو نتاج وإفراز لوقائع ومقدمات غير طبيعية فرضت هذا المشهد، فكلا الطرفين المؤيد للاستجواب أو المعارض له يتكون من مجموعة من الأعضاء التي بينها رؤى متباينة وحالات من التخوين والضرب تحت الحزام في كثير من الأمور والموضوعات بل والقضايا الأساسية. وعلى الرغم من ذلك نجد أن التقاءهم اليوم مع بقية الأعضاء في الطرف الذي هم منه، هو التقاء مصلحي مجرد وليس مبدئياً ولا موضوعياً، وهذه مسألة تبعث على القلق، لأن مصلحة الوطن ليست هي سبب الالتقاء بين أعضاء كل طرف من الطرفين، ولذا فإن حالة الشد والجذب والتصريح والإيضاح والضغوط السياسية تأخذ أبعادها، وتتضح أكثر يوماً بعد يوم حتى بين أعضاء الطرف الواحد.
وفي وسط كل ذلك والملاحظات المهمة التي تسجل بشأن الطرفين، فإن الأمر الطبيعي سيكون بالنسبة للبلد هو الخسارة، فنحن اليوم على مفترق طرق بين طرف يحاول أن يجعل الغلبة والقوة لمصلحة تيار الفوضى والغوغائية السياسية الذي نجح في أن يقوده البعض وهو كان يتحين هذه الفرصة منذ فترة طويلة، فإذا تحقق له ما أراد، فإن حالة الفوضى والغوغائية إن تمكنت من النجاح والاستمرار فهي خسارة في حق البلد، وفي المقابل فإن الطرف الآخر لديه رغبة في التحلل من كل القيود والرقابة التي يضجر من أقل صور ممارستها، فلا تعجبه رقابة لديوان المحاسبة ولا متابعة سياسية، ويرى أن ثروة البلد فرصة للاقتسام واستنزافها، خصوصاً بعد أن تم إقرار المبالغ المليارية «37 ملياراً» بل الخيالية التي يسعى البعض إلى اقتناصها، باعتبارها فرصة لا تعوض، فإذا كُتبت الغلبة لمصلحة هذا الطرف، فلا رقابة تنفع ولا قوانين تردع ولا محاسبة تشفع، وسيكون البلد هو الخاسر في نهاية المطاف أيضاً.
والخطورة الأكبر في خضم هذا المشهد السياسي، الذي اتخذ من الخلاف الطبيعي وسيلة للوصول إلى ما هو غير طبيعي، أنه تم إقصاء المواطنة الدستورية من هذا المشهد لتحل محلها حالة التخندق الفئوي قبليا كانت أو طائفيا أو تجاريا ليصبح الصراع ليس الخلاف والاختلاف على مصلحة الوطن وتعزيز المواطنة الدستورية الصالحة، وإنما من أجل الفئة أو القبيلة أو الطائفة أو التحالف التجاري، وهذا هو بيت الداء فيما يحصل، فإذا كان الدواء يزيد الداء ولا يعالجه، فذاك هو ما يقلقنا على الحال التي آل إليها الوطن.
اللهم إني بلغت.

أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع

تعليقات

اكتب تعليقك