دول الخليج والتسابق المحموم مع إيران:

عربي و دولي

طلبات الشراء للتوازن بالسلاح والقدرات والنظم العسكرية

2119 مشاهدات 0


بدأت دول مجلس التعاون بوضع اللمسات الاخيرة على أضخم برنامج للتسلح في اوقات السلم في التاريخ عبر طلبات شراء ضخمة. وقد رافق أنباء الصفقة فشل من قبل الكثير من المحللين في ترجمة الـ 123 مليار دولار التي صرفت بعد خلط مفاهيم عدة بين سباق التسلح وبناء الجيوش والتوازن بين المحددات وبنية القدرات والنظم العسكرية، مما يطرح سؤالا عن مدى قدرة دول مجلس التعاون على الوصول جراء تسلحها الى تحقيق التوازن مع التهديد المفترض Potential threat القائم حاليا وهو جمهورية ايران الاسلامية؟
فمن المعروف أن هناك بناء للترسانة العسكرية BUILD UP وهناك سباق تسلح ARMS RACE، وسباق التسلح يقوم على أشكال عدة، منها نوع يراد من خلاله اللحاق بدول أخرى تشكل تهديدا استراتيجيا للدولة، ونوع آخر يراد به التفوق على مصدر التهديد، والنوع الأخير هو خليط من أسباب عدة لكن المبتغى هو التفوق في التسلح. وقد كان التسلح يختلف من وجهة نظر استراتيجية ومن ناحية النوعية والكمية، عن بناء الجيوش الذي تم في دول الخليج من جراء طفرة السبعينات النفطية التي صاحبت الاستقلال، ثم تلاها مناخ الانفجارات الذي فرض نفسه لعقدين، وجعل السلاح يتدفق على المنطقة بغزارة.
لقد وقّعت دول الخليج العربي عقود تسلح تزيد قيمتها على 63 مليار دولار وتمثل %30 من اجمالي نفقات التسلح حول العالم خلال الفترة من 2004 الى 2007. ويمثل ذلك عشرة اضعاف ما تنفقه ايران على الاسلحة التقليدية. فهل وصلت دول الخليج الى مرحلة التوازن مع ايران من باب انها صرفت اكثر وتملك من السلاح اكثر؟ حيث يذهب بيتر غوودسبيد الى ان ايران تملك 535 الف مقاتل متفوقة على دول الخليج التي تملك 358 الف رجل. كما تمتلك 257 سفينة حربية متفوقة على دول الخليج التي تملك 225 سفينة، كما تتفوق بعدد قطع المدفعية حيث تملك 3196 مدفعا، بينما تملك دول مجلس التعاون 1321 مدفعا. لكن ميزان التسلح يميل لمصلحة دول المجلس التي تملك 571 طائرة مقاتلة، بينما تملك ايران 301 طائرة مقاتلة، كما تتفوق دول المجلس على ايران بعدد طائرات الهليوكبتر وتملك 240 طائرة مقارنة بايران التي تملك 95 طائرة. كما تتفوق دول المجلس على ايران بعدد الدبابات حيث تملك 1865 دبابة في حين تملك ايران 830 دبابة.
وهنا لا بد ان نشير الى ان التوازن العسكري الاستراتيجي هو أن محصلة تقييم مكونات القدرة العسكرية بين طرفين متضادين تكون متعادلة، وأن الفرق بينهما في القوة والقدرة العسكرية يكون محدودا، بحيث لايمكن لأي منهما أن يحقق موقفا استراتيجيا عسكريا لمصلحته، ويجعله يفرض إرادته، من خلال استيلائه أو تدميره لأهداف ذات قيمة استراتيجية للطرف الآخر، ويمكن أن يختل ميزان القوى سواء بامتلاك أحد الأطراف دون الآخر السلاح النووي أو التقليدي.
ولأن الجداول تحمل من المعاني غير ما تظهر، كما أنها قد تقود إلى قراءة غير دقيقة للواقع، إلا أننا في غياب غيرها ملزمين بتحليلها للوصول إلى ما يقارب حقيقة الوضع في الخليج الآن، حيث نستطيع ملاحظة التفوق البشري الإيراني بـ177 ألف رجل، وهو تفوق مهم، حيث يعتبر سلاح المشاة أكثر القوات فعالية لقدرتها على مسك الأرض، ثم التفوق في مجال السفن بزيادة 32 سفينة حربية إيرانية، ومدافع بما يصل إلى 1875 قطعة، لكن الجانب المضيئ من القمر يظهر أننا نستطيع ردم الهوة في مجال القوة البرية بتفوق سلاحنا المدرع، بما يصل إلى 1035 دبابة، كما يمكن تحييد تفوق سفنهم بالتفوق الذي نملكة بطائرات الهليوكبتر، والبالغ 145 طائرة قادرة على القيام بعمليات التجريد قبل الوصول وعمليات الإنزال، يضاف إلى ذلك تميز في نوعية أسلحة القوات الخليجية.
كما لا تظهر جداول أعداد الأسلحة محددات أخرى تؤثر في عملية التوازن كما يرى البعض! وهي الإمكانات المادية والبشرية، حيث قامت جمهورية إيران الإسلامية بعسكرة اقتصادها لمصلحة المجهود الحربي بشكل كبير بمعنى أن القطاع العسكري عموماً وقطاع الإنتاج العسكري خصوصاً، يستهلك الجزء الأعظم من إجمالي الناتج المحلي، وبموجب المادة 147 من الدستور صار للحرس الثوري حق تقديم الخدمات الاجتماعية والصناعية في زمن السلم، وبحجة اعادة الاعمار بعد الحرب قام الباسداران بالاستحواذ على المفاصل الاقتصادية في إيران حتى الآن. أما العنصر البشري، فصار في إمكان إيران زيادة قواتها المسلحة من خلال التعبئة العامة للاحتياط النشط والخامل في أوقات قياسية، وبأعداد كبيرة، وهذا ما فعلته في حربها مع العراق، فزجت بالاحتياط الخامل، الذي يشمل من هم فوق سن الخمسين في الحرب، كما زجت بصغار السن من المتطوعين، وشاهدنا حرب الموجات البشرية الإيرانية المرعب.
ولا تظهر جداول أعداد الأسلحة أيضاً التوازن في بنية القدرات والنظم العسكرية، في محاور وحدة القيادة والعقيدة العسكرية والخبرة القتالية والاستراتيجية الدفاعية، حيث نلاحظ وحدة القيادة العسكرية واضحة لدى الجانب الإيراني أكثر من الجانب الخليجي، رغم هيكل درع الجزيرة الذي مضى علية ثلاثة عقود، وإن كان يشوبها في الجانب الإيراني تدخل القيادة السياسية بشكل صارخ أدى إلى فقدان سرعة حسم المعارك، حيث كان الفشل الإيراني في أجل صوره في الحرب العراقية الإيرانية في الهجوم المسمى «فجر»، حيث تكرر الفشل في فجر 2 وفجر 3 بضغوط من القيادة السياسية. أما عندما تعود القيادة للعسكريين، فنراها موحدة من حيث المنهجية الواضحة المحددة في التخطيط، وفعالية أسلوب تمرير المعلومات وتسلم التعليمات، ووضوح الهدف الاستراتيجي.
في محور العقيدة العسكرية، اعتمدت إيران حرب الموجات البشرية، كل ذلك جعلها تتبع عقيدة متغيرة، لكنها لم تكن كما تقاتل الجيوش الغربية. أما دول مجلس التعاون، فقد أقر بعضها عقيدة عسكرية غربية دفاعية، وأظهرت المناورات حسن تنفيذهم تلك العقيدة، إلا أن ما يصيبها في مقتل هو تنوع مصادر السلاح ليس عبر دول المجلس الست، بل في الدولة الواحدة نفسها.
وفي محور الخبرة القتالية، لايمكن أن نغفل التجربة العسكرية، الثرية التي اكتسبتها القوات الإيرانية من الحرب مع العراق، حيث توافرت هيئات أركان إيرانية محترفة ذات خبرة قتالية دعمت التعليم العسكري
هناك. على الجانب الخليجي توافرت المناورات الكثيفة مع حلف الناتو والتدريب عالي المستوى في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بل وحتى روسيا، لكن دول الخليج لم تكن قادرة منذ حرب تحرير الكويت على تبني عقيدة عسكرية واحدة لكيفية القتال على الأرض، وما زالت أنماط التدريب مختلفة، وكانت السيادة المحلية عائقاً في وجه طموحات قيادة درع الجزيرة، بالإضافة إلى صعوبات الاتصالات بين القائد ووحداته ذات الأجهزة المختلفة أصلاً، حتى تم تنفيذ مشروع الحزام الأمني أو التغطية الرادارية ‏‏الموحدة ونظام الاتصالات المؤمنة.
تسيطر دول الخليج على أهم ممرين مائيين في المنطقة، وهما مضيق هرمز ومضيق باب المندب، بالإضافة إلى قدرة دول مجلس التعاون على حشد قوات عربية رديفة لقوات المجلس، رغم ضرورة الأخذ في عين الاعتبار معوقات عدة في التعاون الخليجي - العربي بسبب وجود سياسات قطرية انفرادية، ولا المحيط العربي اتجه إلى مد هذا الغطاء العربي في اتجاه الخليج، بسبب غياب مفهوم مشترك للأمن العربي، يحدد معنى للمهددات والمخاطر الاستراتيجية، ومصادر التهديد وأولويات مواجهة هذه المخاطر، كما أن من الجوانب الإيجابية لدول المجلس توزيع مراكز الثقل الاقتصادية والسكانية والعسكرية على مساحات واسعة ومتباعدة، كما أن لدول المجلس قدرات اقتصادية كبيرة تستطيع بها دعم قدرتها العسكرية، إلى جانب تجانس الشعوب الخليجية من ناحية اللغة والدين والفكر الأيديولوجي والثقافة المشتركة، في حين تضم إيران أعراقاً عربية وفارسية وكردية، وتركمانية، وهي سنية وشيعية ومسيحية وبهائية ومجوسية، وأكثر من ذلك أيضاً. ولاشك أن على دول الخليج أن تتحرك كتكتل استراتيجي واحد تتشكل قوته من مجموع قواته، وهذا غير موجود فعلياً، سواء من حيث الأحلاف أو المدركات الاستراتيجية، لكن الطريق أصبح ممهداً لذلك النوع من التحرك بعد ظهور استراتيجية الدفاع الخليجية، التي أقرت في قمة الكويت الـ30.
وللإجابة عن التساؤل الذي طرحناه، في البداية عما وصلت إليه دول مجلس التعاون من تسلحها، وهل تحقق التوازن مع إيران. نستطيع القول إن دول مجلس التعاون بعد تبنيها للأمن الذاتي منذ ثمانينات القرن الماضي، كانت أقل أمناً من الناحية العسكرية، في أي فترة زمنية قبلها، فقد رحل البريطانيون، وفقدنا العزلة المريحة، ودخل الخليجيون في برامج تسلح غير مدروسة، وأوغر الخليجيون صدر الغرب عليهم من جراء الصدمات النفطية، وكشرت الحرب في الشمال عن أنيابها، تبعها الطموح الأرعن للطاغية صدام، والفراغ الاستراتيجي بعد سقوطه، ثم التهديد الإيراني الحالي من الشرق، والذي نوازنه ولا نوازنه في الوقت نفسه، وباختصار يمكن الإجابة عن السؤال السابق باستعارة ما قاله المراقب العسكري مولر في أن دول مجلس التعاون كانت تحتاج إلى العدو بسرعة قصوى، حتى تستطيع أن تبقى في مكانها، لا أن تصل إلى مكان آخر.


ينشر المقال  في جريدة  الكترونية بالتزامن مع  جريدة  القبس .

الآن - د. ظافر محمد العجمي - المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك