«لاءات» العرب تحولت الى توسلات ورجاءات، حتى انتهى بنا الهوان ان صرنا نقف عراة عاجزين على أبواب واشنطن.. فهمي هويدي
زاوية الكتابكتب نوفمبر 16, 2010, 1:03 ص 561 مشاهدات 0
ينتظرون صدقات واشنطن
كتب فهمي هويدي
ذلك كله يحدث والسلطة الفلسطينية ومعها عرب الاعتدال لا يزالون بالباب الأمريكي ينتظرون حلاً
كل ما يحدث الآن له هدف واحد هو حراسة إسرائيل لتمكينها من ابتلاع فلسطين وطمس الوجود العربي فيها تماماً
أرأيت كيف أن «لاءات» العرب تحولت الى توسلات ورجاءات، حتى انتهى بنا الهوان ان صرنا نقف عراة عاجزين على أبواب واشنطن، ننتظر منها «صدقة» نستر بها عورتنا؟!.
-1-
ليست هذه هي الكارثة الوحيدة، لأن الكارثة الأكبر ان ذلك الهوان وجد من يدافع عنه ويستعذب استمراره، ويتجرأ على التنديد ببدائله، على الأقل فذلك ما سمعناه في خطاب السيد محمود عباس، الذي ألقاه في مهرجان ذكرى عرفات الذي أقيم في رام الله يوم الخميس الماضي (11/11). اذ اعتبر ان الممانعة والمقاومة أكذوبة ومجرد شعارات تنفع للاستهلاك في الفضائيات وهو الكلام الذي احتفت به وأبرزته صحيفة الشرق الأوسط على صدر صفحتها الأولى في اليوم التالي مباشرة.
قبل أيام قليلة من خطبة «أبومازن» كان الدكتور صائب عريقات كبير مفاوضيه يتحدث في ندوة عقدت في مركز «ودرو ويلسون» بواشنطن (يوم 11/5)، وأعلن ان السلطة الفلسطينية ستعطي الادارة الأمريكية مزيدا من الوقت لحل مشكلة الاستيطان الذي تصر الحكومة الاسرائيلية على استمراره، في حين ترفض السلطة الفلسطينية استئناف المفاوضات المباشرة ما لم توقف مشروعات الاستيطان. وهذه «المهلة» التي تحدث عنها السيد عريقات لها قصة لابد ان تروى.
ذلك ان الأمريكيين بعدما استدرجوا الفلسطيني الى لعبة المفاوضات غير المباشرة التي تحولت بعد ذلك الى مباشرة. وجدوا ان الأخيرة وصلت الى طريق مسدود وتوقفت في 26 سبتمبر الماضي. وهو اليوم الذي استأنفت فيه اسرائيل بناء المستوطنات بصورة علنية ورسمية. وكانت تلك الخطوة بمثابة صفعة «لأبومازن» وفريقه، فسارع الى عرض الأمر على لجنة المتابعة العربية التي أصبحت تؤدي دور «المحلل» لخطواته التي لا يستطيع تمريرها من خلال الشرعية الفلسطينية المعتبرة. حينذاك لم تجد لجنة المتابعة شيئا تفعله سوى اعطاء الادارة الأمريكية التي أصبحت تملك مفاتيح الملف مهلة شهر للبحث عن مخرج من ذلك المأزق. وأغلب الظن أنه وضع في الاعتبار في ذلك القرار ان تكون انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي قد تمت خلال ذلك الشهر، وأن يكون الرئيس الأمريكي قد تحلل بصورة نسبية من بعض شواغله الداخلية. المهم ان هذه المهمة انتهت في 9 نوفمبر، دون ان يصدر شيء عن الادارة الأمريكية. في حين ان اسرائيل واصلت مشروعاتها الاستيطانية باندفاع لافت للأنظار، فقررت بناء 1300 وحدة سكنية في القدس المحتلة و800 وحدة أخرى في مستوطنة «أرئيس» كبرى مستوطنات الضفة الغربية. وكل الذي فعله الرئيس أوباما أنه صرح بأن مثل هذه الخطوات «لا تساعد» في عملية السلام، كما ان فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي أعربت عن «أسفها» ازاء ذلك.
ولأن السلطة الفلسطينية راهنت على الموقف الأمريكي، فانها لم تجد مفرا من تمديد المهلة لأسبوعين أو ثلاثة، الى ما بعد العيد، وكأن البيت الأبيض سيكون بدوره في عطلة خلال عيد الأضحى!.
-2-
أشهر وصف للرئيس أوباما بعد ظهور الانتخابات وفوز الجمهوريين بالأغلبية في مجلس النواب أنه تحول الى «بطة عرجاء» ستتعثر في مشيتها خلال السنتين القادمتين اللتين بقيتا له في الحكم. من ثم فما عجز الرئيس أوباما عن الوفاء به في السنتين الماضيتين (وقف الاستيطان مثلا)، سيصبح أعجز ازاءه خلال السنتين القادمتين. ذلك ان مزايدة الجمهوريين على الجميع في الانحياز الى جانب اسرائيل والعداء للفلسطينين أمر معلوم للكافة. آية ذلك مثلا ان النائبة الجمهورية المرشحة لرئاسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب (ايليناروس) وصفت بأنها نسخة أخرى من أفيجدور ليبرمان وزير الخارجية الاسرائيلية، لأنها متطرفة ليكودية الهوى. وقد أيدت كل حرب اسرائيلية ضد الفلسطينين، وكل حرب أخرى ضد العرب والمسلمين (جهاد الخازن 11/6).
لا غرابة في ان تعزز نتائج الانتخابات التشريعية الأمريكية من موقف رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي لم يكترث بعتاب الادارة الأمريكية عليه جراء رفضه وقف الاستيطان. وقد ظهر ذلك الاستقواء جليا حينما رد على انتقاد أوباما لمشاريع البناء الاستيطاني الجديد في القدس بقوله «القدس ليست مستوطنة. انها عاصمة دولة اسرائيل الموحدة الى الأبد». وهو ما اعتبره الأمريكيون وقاحة و«استفزازا مقصودا».
في التقرير الذي نشرته صحيفة الشرق الأوسط (فى 11/11) من تل أبيب بخصوص هذه الواقعة، ذكر مراسلها ان كلام نتنياهو صدر عشية اجتماعه مع وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، مما فسر على أنه تحد سافر للولايات المتحدة وأن المراقبين الاسرائيليين رأوا في هذا التحدي بالون اختبار يقيس به نتنياهو مدى ضعف الرئيس أوباما بعد نتائج الانتخابات النصفية للكونجرس. (الشرق الأوسط 11/11).
كي نعطي الغضب الأمريكي حجمه ونفهم حدوده نلاحظ هنا، ان العتاب أو حتى الغضب الأمريكي يظل عند حدوده الدنيا، وربما كان محصورا في التراشق الاعلامي فحسب. آية ذلك أنه في الوقت الذي يتحدث البعض عن أزمة في العلاقات الأمريكية الاسرائيلية تبين ان الكونجرس صادق في الشهر الماضي على زيادة حجم المعدات العسكرية التي تحتفظ بها في مخازن الطوارئ الأمريكية في اسرائيل في العامين المقبلين من 800 مليون دولار الى مليار و200 مليون دولار. وهو ما يعني عمليا زيادة حجم المعدات التي توضع تحت تصرف اسرائيل في حالة الطوارئ بنسبة %50، علما بأن العتاد الجديد يشمل قنابل ذكية. وفي تعقيب صحيفة «هاآرتس» على هذه العملية ذكرت أنها من قبيل طمأنة الدولة العبرية الى وقوف أمريكا الى جانبها، وأنه لا قلق على اسرائيل من «المجازفة» بتحقيق السلام مع الفلسطينيين.
-3-
نتنياهو يعلم جيدا ان الرئيس أوباما صار أضعف مما كان عليه قبل الانتخابات الأخيرة، كما أنه على دراية كافية بقلة حيلة السلطة الفلسطينية ورئيسها، وهو ما يدفعه ليس الى التمسك بموقفه والمضي في مشروعه بغير تردد. ليس ذلك فحسب وانما يشجعه ذلك على ان يرفع من سقف طلباته ويتدلل الى أبعد مدى ممكن.
فهو أولا يتحدث عن وقف جزئي ومحدود المدة للاستيطان لا يشمل القدس كما أنه يساوم على المقابل الذي تتلقاه اسرائيل اذا ما قبلت بذلك «التنازل»، فتارة يتحدث عن شرط الاعتراف بيهودية الدولة العبرية، وتارة أخرى يبحث مع الأمريكيين في شروط صفقة أمنية كبيرة أصبحت تفاصيلها محورا لسيل من التقارير الصحافية التي خرجت من واشنطن أخيرا. اذ تحدثت تلك التقارير عن «حزمة حوافز» ستقدمها الولايات المتحدة الى اسرائيل لمجرد ان تقبل بالوقف الجزئي والمحدود لمشروعاتها الاستيطانية.
الأفكار التي تضمنتها الحزمة المقترحة هي: عقد اتفاق أمني مع الولايات المتحدة لمدة عشر سنوات يوفر لها الحماية ضد الصواريخ ويضمن تفوقها العسكري- الابقاء على وجود اسرائيل في منطقة الأغوار لعشرات السنين بحجة منع المتسللين من الأردن- ضمان منع الفلسطينين أو العرب من تدويل الموضوع عبر نقل القضية الى مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، الى غير ذلك من الشروط التي اعتبرها سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني أسوأ من الاحتلال.
من المفارقات ان رئيس الوزراء الاسرائيلي كان قد اجتمع في بداية هذا الأسبوع لمدة 7 ساعات مع وزيرة الخارجية الأمريكية لبحث العقبات التي تحول دون استئناف المفاوضات المباشرة، والاستيطان في مقدمتها، لكن البيان الذي صدر بعد الاجتماع لم يشر الى مسألة الاستيطان، وتحدث فقط عن وجوب «أخذ حاجات اسرائيل الأمنية في الاعتبار في أي اتفاق سلام مستقبلي مع الفلسطينين. وكرر التزام واشنطن الراسخ بأمن اسرائيل وبالسلام في المنطقة».
-4-
لا تفوتك ملاحظة ان نتنياهو خاطب واشنطن مباشرة ولم يخاطب الفلسطينين أو حتى العرب «المعتدلين»، وانما أصبح ينقل اليهم ما تم الاتفاق عليه مع الأمريكيين. وهو ما فعله من قبل بشأن المفاوضات غير المباشرة والمباشرة. بما يعني ان الانتاج يتم بين الطرفين، وأن الاخراج يتولاه الفلسطينيون والمعتدلون العرب من خلال لجنة المتابعة العربية أو في مؤتمرات ترتب لاحسان الاخراج وستر عورات الموقف.
لاحظ أيضا ان كل تلك الجهود تدور فقط حول امكانية استئناف المفاوضات، التي تمهد للحل النهائي الذي لا يعرف له أجل، على الرغم من ان الرئيس الأمريكي تحدث عن فترة سنة للاتفاق على ذلك الحل. في الوقت ذاته فليس ثمة أي أفق أو اشارة الى الاحتلال الذي هو جوهر القضية ولا لحدود الدولة الفلسطينية أو اللاجئين. ولا حديث عن القدس بطبيعة الحال. ولكن أمثال هذه العناوين الرئيسية مؤجلة عمدا لاتمام الانقلاب الجغرافي الذي تفرضه اسرائيل على الأرض يوما بعد يوم، والذي من شأنه استحالة قيام الدولة من الناحية العملية.
لاحظ كذلك ان اسرائيل وهي تسعى الى توقيع اتفاق أمني لمدة عشر سنوات مع الولايات المتحدة تريد توفير غطاء يحميها مما تتصوره مخاطر تهددها من محيطها، في الوقت الذي تتولى فيه السلطة الفلسطينية حمايتها مما يقلقها من الضفة الغربية من خلال التنسيق الأمني، في حين يتكفل حصار غزة الذي تقوم فيه مصر بدور أساسي بتأمين اسرائيل من أي مصدر للقلق يلوح من القطاع. وفي حين تؤمّن على هذا النحو من كل صوب، فانها تستمر في اتمام تهويد القدس وطرد فلسطينيي 48 بالتدريج، من خلال سحب الهويات واجبار كل من يطلب الجنسية الاسرائيلية على الاعتراف بيهودية الدولة، ومطالبة كل موظف باعلان الولاء لتلك الدولة اليهودية والا طرد من وظيفته.. الى غير ذلك من الاجراءات التي تستهدف اقتلاع من تبقى من الفلسطينيين من بلادهم. كأن كل ما يحدث الآن له هدف واحد هو حراسة اسرائيل لتمكينها من ابتلاع فلسطين وطمس الوجود العربي فيها تماما. وهو المناخ الذي سوغ لأحد أعضاء الكنيست (اربيه الداد) ان يدعو الى عقد مؤتمر في تل أبيب خلال شهر ديسمبر القادم لمناقشة خيار التخلي عن حل الدولتين لشعبين، وتحويل الأردن الى دولة الفلسطينيين القومية.
ذلك كله يحدث والسلطة الفلسطينة ومعها عرب الاعتدال لايزالون يقفون بالباب الأمريكي ينتظرون حلا. وهم يعرفون جيدا أنهم سلكوا طريقا لا يمكن له ان يوصل الى حل طالما بقيت موازين القوى مختلة بين طرفي الصراع. لكنهم لأسباب يطول شرحها اختاروا ان يستجدوا الحل على ان يسعوا لاعادة التوازن للميزان المختل. وحاربوا بضراوة مستغربة كل دعوة للاستقواء بأسباب أو عناصر القوة الحقيقية، حتى الممانعة سخروا منها كما رأينا في كلام أبومازن الذي اعتبرها أكذوبة وشعارات تلفزيونية. أما المقاومة فقد أصبحت مصطلحا سيئ السمعة وجريمة تعاقب عليها قوانين مكافحة الارهاب. علما بأن القضاء عليها واجتثاثها يعد المهمة الأساسية لجهاز الأمن الوقائي في الضفة، وحجر الزاوية في التنسيق الأمني مع الاسرائيليين.
الآن يتحدث السيد أبومازن ورجاله عن «خيارات» تراوحت بين مطالبة واشنطن بالاعتراف بدولة فلسطين أو التوجه الى مجلس الأمن بذلك الطلب، واذا عطله الفيتو يتوجهون الى الجمعية العامة. وهم بذلك يضحكون علينا ويحاولون ايهامنا بأنهم أصحاب قرار، في حين ان أي طفل فلسطيني يعرف أنهم لا يملكون سوى الانصياع لما تريده واشنطن التي تدفع لأبومازن وجماعته رواتبهم. وهم أيضا يعرفون جيدا ان أبوعمار قتل لأنه تمسك ببعض الثوابت على الرغم من كل ما قدمه من تنازلات من ثم فالسؤال ليس الى أي خيار سينحازون، ولكنه كيف سيقومون باخراج الخيار الذي تقرره واشنطن. لأن الذين يستجدون ليس لهم الحق في الاختيار وغاية ما يسمح لهم به ان يقبلوا أيادي المانحين.
فهمي هويدي
تعليقات