أحمد الديين يتوقع بقاء فئة البدون وأبنائها وأحفادها في الكويت لأكثر من قرن ونصف القرن مقبلين من الزمان!
زاوية الكتابكتب نوفمبر 7, 2010, 1:51 ص 1149 مشاهدات 0
حلّ «البدون»... بدون حلّ!
كتب احمد الديين
في 29 ديسمبر من العام 1986، أي قبل نحو أربعة وعشرين عاما، أنجزت لجنة وزارية دراسة سرية حملت عنوان “دراسة مشكلة المقيمين في البلاد من فئة بدون جنسية”، وكانت تلك الدراسة السرية المنطلق المعتمد في النهج الحكومي المتبّع منذ ذلك الحين للتضييق على “البدون”، والتعامل معهم كمقيمين غير شرعيين، وذلك بهدف إجبارهم على الكشف عن أصولهم وجنسياتهم وتصحيح أوضاع إقامتهم في الكويت... وبالملموس فقد ثبت فشل ذلك النهج التضييقي في حلّ مشكلة “البدون”، التي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا، إن لم تكن قد استفحلت، ناهيك عما سبّبه النهج التضييقي من إساءة بالغة إلى سمعة الكويت في الخارج عبّرت عنها تقارير المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وما نشرته وسائل الإعلام الأجنبية.
وكان من بين توصيات تلك الدراسة السرية تحت البند “ثانيا: إجراءات تنظيم الإقامة في البلاد لفئة بدون جنسية” توصية تحمل الرقم (1) تقضي بأن “تُعطى مهلة لمخالفي قانوني الإقامة والعمل في القطاع الأهلي لتقديم جوازات سفرهم والمستندات الثبوتية اللازمة إلى الجهات الحكومية المختصة لتصحيح أوضاعهم خلال لمدة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ صدور هذا القرار... كما يمنع بعد هذه الفترة مَنْ لا يحمل الجنسية الكويتية من العمل والإقامة في الكويت مالم يحمل جواز سفر رسميا من الدولة التي ينتمي إليها، ومعترفا به من قبل الجهات المختصة في الكويت ومبيّنا فيه ما يثبت شرعية إقامته، وتطبق بحقّ المخالفين العقوبات المقررة وفقا لقانوني إقامة الأجانب والعمل في القطاع الأهلي بعد تعديل العقوبات الواردة فيهما بما يحقق المطلوب”!
وتبعت تلك التوصية المرقمة (1) في البند نفسه توصية أخرى تحمل الرقم (2) تؤكد صعوبة، بل ربما استحالة تطبيق التوصية السابقة، حيث قضت التوصية الأخرى بأنّ هناك “أعدادا من هذه الفئة لن تتمكن من تصحيح أوضاعها، إما لعدم الإمكانية أو عدم الرغبة، وحيث إن الظروف الراهنة من المتعذر أن تقوم الدولة بإبعاد جميع هؤلاء المخالفين لأسباب مختلفة كثيرة، مما يقضي بضرورة التريث في البت بشأن بعض الحالات التي ليس من المصلحة أن يبدأ بإثارة أية مخاوف لديها، وذلك تمشيا مع مبدأ تفتيت المشكلة ومواجهتها بشكل تدريجي وعليه فإن اللجنة ترى ضرورة استثناء بعض الحالات بصورة مؤقتة لحين دراسة أوضاعها من جميع الجوانب ومن ثم تقرير ما يلزم بشأنها”!
استذكرت توصيتي تلك الدراسة السرية الحكومية وأنا أقرأ خلال اليومين الماضيين بعض مقتطفات وإشارات نشرتها الصحف عن تقرير اللجنة الفنية المكلّفة بدراسة ومتابعة قضية البدون، التي يرأسها نائب رئيس مجلس الأمة الأسبق صالح الفضالة، الذي لما يُنشر كاملا بعد، وبالطبع فإني لست هنا في معرض التقليل من أهمية ما بذلته هذه اللجنة من جهد في إعداد التقرير، ولا أملك انتقاد التقرير قبل أن أطّلع عليه كاملا، ولكن الأمر، الذي استوقفني ودفعني إلى استذكار الدراسة السرية في العام 1986 هو ما نشرته الصحف عن التقرير الجديد،ـ وخصوصا إشاراتها إلى أنّ هناك توجّها لإمهال غير المشمولين بإحصاء 1965 مدة ثلاث سنوات لتعديل أوضاعهم، تمهيدا لمنحهم الإقامة الدائمة، وإبعاد مَنْ لا يعدّل وضعه عن البلاد إلى الجهة، التي يرغب فيها!
ولعلّ الفارق بين توصيات الدراسة السرية في العام 1986 وما نشرته الصحف عن هذا التوجّه في التقرير الأخير ينحصر في أنّ المهلة المتاحة لدفع “البدون” أو هذه الفئة منهم كانت ستة أشهر، في حين أنها امتدت واقعيا إلى ستة وعشرين عاما، وذلك لصعوبة أو استحالة الإبعاد الجماعي، في حين أنّ توجّه التقرير الجديد هو إمهال هؤلاء ثلاث سنوات لتعديل أوضاعهم وإبعاد مَنْ لا يعدّل وضعه إلى الجهة، التي يرغب فيها، وكأنّ الإبعاد الجماعي أصبح أمرا متيسرا ومتاحا في عالمنا اليوم، وكأنّ الدول الأخرى ستستقبل بالترحاب آلاف أو عشرات آلاف هؤلاء المبعدين من الكويت بعد انقضاء السنوات الثلاث!
ومن باب التهكم، وإن كان موضوعنا جدّيّا وليس موضع تهكم، فإنّ المهلة الجديدة تضاعفت ست مرات من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، وستمتد السنوات الثلاث على صعيد الواقع لاستحالة تنفيذ الإبعاد الجماعي إلى ستة أضعاف فترة السنوات الست والعشرين، التي امتدت إليها مهلة الأشهر الستة لاستحالة تنفيذ توصية 1986، وهذا يعني أنّ بقاء هذه الفئة وأبنائها وأحفادها سيمتد في الكويت لأكثر من قرن ونصف القرن مقبلين من الزمان!
فإن كان حقا هذا هو أحد عناصر الحلّ الموعود لمشكلة “البدون”، فإنّ المشكلة ستستمر “بدون” حلّ!
تعليقات