حملة الصعاليك
زاوية الكتابكتب أكتوبر 22, 2010, 1:40 م 1695 مشاهدات 0
حملة الصعاليك لآداء مناسك الحج , وهي حملة تحمل مجموعة من الصعاليك ممن لامال لهم كافٍ ليركبوا بسم الله إلى أفخم الحملات , ولو تكلمنا عن صعلوك منهم على انفراد فسنقول : إنه الرجل الحديدي الذي تحدى الصعوبات وأتى على ظهر مركوبه من سيارة تمشي تارة وتقف تئر (تئر جمع تارة ) متوجهاً إلى أفضل الأماكن , والله يصطفى ويختار من الأماكن والأزمنة ما يشاء , ماكان لهم الخيرة , فبين تارة وتئر أثناء السفر ينزل صعلوك من بين الصعاليك ويبسط على الأرض حاملا معه العدة لإنشاء القهوة , وفي تلك الأثناء يتم انتخاب القائد لحملة الصعاليك , وهو صعلوك صاحب نجابة وكياسة وحزم , وبعد اختيار الصعلوك القائد في تلك الحملة يقوم هذا القائد المتصعلك بعمل برنامجٍ ترفهي أثناء السفر لتخفيف عناء الطريق , فيقوم بنزع الكراسي الخلفية للسيارة الكبيرة من نوع سوبر أو فان أو من كان على شاكلتهما ,ويضع فرشة في آخر السيارة شديدة الامتصاص لأي شيء أثناء الجلوس , ويضع فوقها الوسائد والمشروبات كاللبن والبيبسي والشاي والمكسرات كالفستق المملح لرفع الضغط أو الحب الشمسي , وفي الكراسي الأمامية وفي المقدمة يكون الصعلوك القائد يدير التسجيل وفق ما يطلبه الصعاليك .
ويهيمون مقبلين إلى مكة وهم في حيرة من أمرهم , أيردهم القوم عن الحج أم يُحمد القوم السُرى ؟ وفعلاً نفذوا من أقطار القوم , ومانفذوا إلا بتوفيق الله وما بلغوا مرادهم إلا بشق الأنفس , ووصلوا فسكنوا وجمعوا أموالهم وكل صعلوكٍ منهم وضع مبلغاً لا يصل إلى المئة دينار أو يقل عن ذلك , فتلك حملة للصعاليك ورحم الله أولئك الصعاليك .
إنهم أرباب الصعلكة , من لا عماد له ولا مال , من يمشي في المناسك بلا نعلٍ بعد أن قُطعت لكثرة الخُطى , ويرقدُ بلا أكل , فلا أحد يحتويه ليجلب لهُ الطعام ويغذيه , وإن الصعلوك عن إحضار الطعام وجلبه في شغل , فهو من تبدلت ألوان إحرامه من بيضاء إلى صفراء , ووجه يغطيه الغبار , وعليه من آثار السفر ما يُذهل الألباب, فيظن الذي يراه أنه قد قضى حياته بين الأسفار , فهو بحق أشعث أغبر .
فصعلوك هذه الحملة لامسكن له في مِنى بكسر الميم ( وفي رواية أخرى عند الشيَّاب مُنى ) يلتحف فيها السماء ويتوسد التراب فيظهر أثر التراب على وجهه , أما في عرفة فلا ظل ظليل , ولهيب الشمس من فوقه يداعب خديه وحاجبيه , فيسمع الخطبة وهو يصارع الشمس والتعب قد تغلغل في عروقه , ثم يزحف الغروب فيزحف الصعلوك ماشياً على أقدامه إلى مزدلفة , وحين وصوله إليها يفترش إحرامه , وإن أراد النوم توسد الرصيف , نائم والناس حوله يروحون ويجيئون , يمشون ويصرخون , والأطفال من حوله يلعبون , وهو في غطيطٍ وتحت خده الرصيف , يغشيه النعاس بعد مسيرة من منى إلى عرفة , ثم من عرفة إلى مزدلفة , وكل ذلك قضاه على رجليه فلا يملك ما يركب عليه , فلله دره من حاج, ويمن الله كتابه يوم لقائه .
أيها الأكارم الفضلاء , يا من نزلت رواتبهم وأصبح لديهم الأموال الوفيرة ,لقد اقترب أفضل أيام السنة على الإطلاق , يوم يباهي الله بعباده الملائكة , فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء ) يقول العلامة ابن عبدالبر رحمه الله معلقاً على هذا الحديث ( وهذا الحديث يدل على أنه مغفور لهم , فالله لا يباهي بأهل الخطايا والمعاصي إلا بعد أن يغفر لهم ) فهنيئا لمن أقبل وأعد العدة , ونعزي كل من لم يحج طوال حياته , بل وأحجم هذه السنة عن الحج وهو قادر عليه , وأذكره بقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( من أطاق الحج فلم يحج , فسواء عليه يهوديا مات أو نصرانياً ) فالأمر ليس بيسير , فليبارد كل من يملك الإستطاعة إلى الحج , فعمرك ينقضي وسنينك تمضي , وماتدري نفس ماذا تكسب غدا وماتدري نفس بأي أرضٍ تموت .
من كنَّاشتي :
الكناشة ما يدون فيها الإنسان بعض ما يهمه , أتذكر أنني في سنة من السنين لم أستطع الحج , فأتى يوم عرفة , وإني كأي مسلم تتوق نفسه أن يكون في الصعيد وعينه لايسكت دمعها , ولسانه يلهج بالدعاء والرجاء والطلب , وماعند الناس ينفد وماعند الله باق , ففاضت قريحتي ولست بشاعر فقلت :
لبى الحجيج ولبى الطيرُ في نغمِ && والشعرُ لبَّى مع الحجاج بالكلمِ
والعين ترمي دموع الشوق معلنةً && لبيكَ ربي مع الحجاجِ بالحرمِ
وإني هذه السنة يمنعني ويحبسني مانع عن الحج , فتقبل الله من كلِّ حاجٍ , وأوصيكم بأن لاتبخلوا على الكويت وأهلها بخالص دعائكم , وسمران يحييكم .
تعليقات