طارق محمد مساعد الصالح ينعي والده ويروي جانبا من سيرته مع أسرته
زاوية الكتابكتب أكتوبر 15, 2010, 1:26 ص 1147 مشاهدات 0
لن أرثيك
كتب طارق محمد مساعد الصالح :
والدي العزيز.. اسمح لي فإني لا أجيد الرثاء.. خصوصا أنه رثاؤك.. ولم تكن يوما ترغب في أن يرثيك أحد، بل إنك تمنيت ان يتم الاحتفاء بك وتكريمك وانت في وسطنا وليس تحت الثرى.. سأحاول جاهدا ألا ارثيك.. فلنحتفل بحياتك إذن حتى وإن غادرتنا نحن أسرتك الصغيرة.. وأسرتك الكبيرة من محبيك وقرائك.. وكل من لامست في دربك فأضفت البهجة والسرور في الأنفس.
والدي العزيز.. علمتنا كيف يكون الكبار.. بأن يكونوا عكس ذلك تماما.. فشتان بين الكبر والكبرياء.. رفيقة دربك والدتنا العزيزة ام طلال تصر مرارا وتكرارا علىأن نذكر اسمنا بالكامل، فنحن ابناء محمد مساعد الصالح حتى تكاد تطمس هويتنا امامك.. إزاء ذلك كنت تصر على ان نخوض تجاربنا معتمدين على الانفس.. فذات مرة في صغري اردت الانضمام الى احد الاندية الرياضية،وطلبت منك مساعدتي في الأمر، ولم تستجب بل اشرت علي الاعتماد على النفس، فذهبت الى النادي وعدت ادراجي خائبا، وحينئذ رفقت لحالي وتدخلت بعد ان علمتني درسا في الاعتماد على النفس.. والواسطة.
كنت بسيطا بكل معنى الكلمة، وانسانا كامل الانسانية وفي جميع الظروف.. تصل الى من حولك بسهولة ويسر.. ببديهة حاضرة وابتسامة نقية ونكتة على طرف اللسان.. حتى تبدو اكثر الأمور تعقيدا سهلة ميسرة.. هكذا رأيناك في تعاملك مع المرض.. فلم يقعدك،بل لم تعترف به، وعشت متفائلا كما رحلت عنا متفائلا.
والدي العزيز.. لا يمكن وصف الفراغ الذي تركته برحيلك على الرغم من أنك ما لبثت ان رحلت عنا.. الا ان فراقك يكاد يكون مدويا في أواسطنا، فأنت العمود الذي تستند اليه اسرتنا، كما أنت صاحب العمود الحر الشريف.. تعبر من خلاله عن قناعاتك الراسخة بلا محاباة، وان سبب لك ذلك المتاعب في علاقات اسرتك التجارية، او علاقات ام طلال الاجتماعية.. كم بات مألوفا لدينا عتب الوالدة عليك بانك «فشلتها» مع زوجات المسؤولين الذين طالهم انتقاد قلمك.
لم تكن الامور المالية تعني لك الكثير رغم انتمائك الى أسرة لها باع بالتجارة والاعمال، كان تعاملك مع المال ببساطة.. قد يكون هذا سبباً في دفعك لي لدراسة الاقتصاد لعلي افهم ما لم تتمكن منه، ولعلي افلح بما نأيت عنه على الرغم من زجك في معاملات وتجارة لم تستسغها.. ولكن هيهات يا والدي.. لقد تعلمت منك أفضل دروس الاقتصاد.. ان ثروة الانسان تكمن بالشرف والنزاهة وثبات الموقف، لا بالنصب والتحايل.. ان ثروة الانسان لا تودع في البنوك،بل في قلوب الأهل والأحباب والسيرة العطرة التي يخلفها المرء من ورائه.
لنحتفل يا والدي بسيرتك العطرة.. لا لن ارثيك.. فانت حي في قلوبنا.. نستمد منك القوة وثبات الموقف.. كما انت في علاقتك مع ربك علىالرغم من تشكيك خصومك السياسيين.. تعلمنا منك الدين المتسامح الجميل الذي تحكمه علاقة الإنسان بخالقه، لا قمع الحريات والمصالح السياسية.. كما أنت في عروبتك وبنصرتك للمظلوم.. ولم تتغير مواقفك بتغير الأهواء وتعاقب الأيام.. كما أنت نحبك.. كما أنت نفتقدك.. كما أنت.. ولكن لن أرثيك.. لنحتفل بسيرتك.. لنبتسم كما رسمت البسمة على وجوهنا دوما.. الى جنات الخلد يا والدي.. والله من وراء القصد..
طارق محمد مساعد الصالح
تعليقات